تأتي مناورات كتائب القسام لأول مرة بصورة علنية في ظل ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد،ليس بفعل التهديدات الإسرائيلية بشن حرب عدوانية على شعبنا ومقاومتنا في قطاع غزة،وما تتعرض له قضيتنا ومشروعنا الوطني من محاولات الشطب والتصفية،بل نجد ان الصراع والمناكفات الداخلية والإتهامات المتبادلة على خلفية تفجير موكب رئيس الوزراء الحمد الله بين طرفي الإنقسام على أشدها،ولذلك أرى بان هذه المناورات من ضمن اهدافها التاكيد على جهوزية كتائب القسام والتنسيق بين تشكيلاتها العسكرية المختلفة براً وبحراً وجواً....وهي كذلك تاتي في الإطار الدفاعي البحت في ظل عدة عوامل قد تدفع بشن حرب عدوانية على قطاع غزة،منها حرف الأنظار عن مسلسل الفساد الذي يثقل عبء نتنياهو ويهدد مستقبله السياسي،وكذلك استكمال استعدادات الإدارة الأمريكية والتي أصبحت تعج بالمتطرفين بعد اقالة مكماستر وتعيين المتصهين جون بولتون كمستشار للأمن القومي للرئيس ترامب بدلاً منه،وسبق ذلك اقالة وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون وتعيين مسؤول المخابرات المركزية الأمريكية مايك بومبيو بدلاً منه.
الإدارة الأمريكية تقول بان اللمسات الأخيرة على ما يسمى بصفقة القرن قد استكملت وسيجري طرحها قريباً،وهذا يتطلب كسر إرادة الشعب وتصفية المقاومة في غزة لتعبيد الطريق أمام تنفيذها،وأيضاً فهذه المناورات تقول للعدو بشكل واضح أي عبث أو استخدام للقوة بحق مسيرات العودة السلمية،تعني بان المقاومة جاهزة للرد،وكذلك هي يراد منها رفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني،بعدما اوصلنا الماراثون التفاوضي العبثي الى مرحلة الكارثة الحقيقية على كل الصعد...ولا يفوتنا القول بأن هذه المناورات القسامية تأتي بعد مناورات اسرائيلية - امريكية اعتبرت الأضخم،مناورات "جونيبر كوبرا" والتسريبات الإسرائيلية بان الجبهة الشمالية ليست جاهزة لحرب تنطلق من سوريا ولبنان،وبأن هناك جهوزية في مستوطنات غلاف غزة،ليست بالضرورة دقيقة ولكنها توحي بان الإحتلال وامريكا ودول الغرب الإستعماري والمشيخات الخليجية،بعد هزيمة مشروعهم في سوريا والعراق ولبنان،وما جرى أول امس من إطلاق العديد من الصواريخ البالستية على المطارات السعودية من قبل جماعة انصار الله " الحوثيين،بما فيها مطار الملك خالد بن عبد العزيز في الرياض،سيعملون على تصعيد الأمور،ولعل من الهام القول بأن مناورات القسام وخطاب قائد كتائب القسام ابو عبيدة حول تلك المناورات،مناورات "الصمود" والتحدي" تأتي في ظل تطورات ومتغيرات دولية واقليمية وعربية،حيث نشهد حرباً تجارية أمريكية تشن على الصين وعقوبات اقتصادية ودبلوماسية تفرض على روسيا،حيث طردت 14 أوروبية وامريكا 113 دبلوماسي روسي تحت حجج وذرائع التضامن مع بريطانيا في قضية تسميم الجاسوس الروسي سيرجي سكريبال وابنته،واتهام روسيا بهذه العملية،وكذلك التهديدات الأمريكية بإلغاء الإتفاق النووي مع طهران في أيار القادم،والذي يؤكد عدد من قادة الدول الغربية بان الغاؤه قد يقود الى حرب شاملة ليس في الإقليم،بل على مستوى العالم.
خطاب ابو عبيده قائد القسام،في ظل هذه الظروف والتطورات والمتغيرات والمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية ومشروعها الوطني،والتهديدات بشن عدوان بربري على قطاع غزة،قال بشكل واضح بأن سياسات الترهيب والتجويع والتركيع لن تنجح في منع شعبنا من ممارسة حقه المشروع بالمقاومة بكافة أشكالها،وهنا يوجه رسالة للسلطة الفلسطينية،بان أي مفاوضات أو اتفاقات حول المصالحة،فسلاح المقاومة ليس جزء من تلك الصفقة أو الإتفاقيات،وبان حماس لن تتخلى عن سلاح المقاومة،وهذه نفس الرسالة لدول ما يسمى بالمحور السني،المحور العربي الأمريكي،والرسالة الأخرى والتي تؤشر على أن حماس تجري مراجعة شاملة لسياساتها ومواقفها،نحو العودة للإصطفاف الى جانب الحلف الذي غادرته بعد الأزمة السورية،والتي اصطفت فيها الى جانب الحلف المعادي لسوريا،ونحن نلحظ ذلك من خلال تنامي وتطور علاقة حماس وجناحها العسكري مع طهران وحزب الله،حيث أشاد أكثر من مسؤول في المكتب السياسي لحماس وقيادتها بالدعم المادي والعسكري الذي تقدمه طهران لحماس وكتائب القسام،وكذلك العلاقة المتطورة مع حزب الله،والذي يلعب دوراً مركزياً في إطار تجاوز العقبات التي تحول دون عودة التحالف السوري- الحمساوي،ولكن التطورات المتلاحقة وما تتعرض له حماس من ضغوط سواء لجهة العقوبات المالية والإدارية التي تفرضها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة،او وصول الأوضاع والظروف في قطاع غزة الى حافة الإنفجار نتيجة الحصار والجوع ووصول الخدمات الصحية والبنية التحتية الى حافة الإنهيار مترافقاً ذلك مع انقطاع الكهرباء وتلوث المياه،والضغوط التي تمارس عليها من قبل العديد من دول المحور الذي انتقلت اليه،وخاصة السعودية وقطر ومصر من اجل التخلي عن سلاح المقاومة والإنخراط في العملية السياسية،هذه الضغوط تدفع بها نحو العودة الى للمحور المقاوم،الذي كانت جزء منه،ولذلك نرى أبو عبيدة يقول وما نفهمه من خطابه بان أي حرب تشن على حزب الله او على ايران بعيداً عن سوريا في الممكن الحالي،تعني شمولية الحرب والمشاركة في التصدي للعدوان،أي سيكون هناك قرار محور وليس طرف لوحده،فعندما يقول" بأن كتائب القسام ستقدم الدعم والمساندة لكل المخلصين من امتنا العربية والإسلامية الواقعين تحت التهديد الصهيوني"،وهذا مؤشر على وحدة محور المقاومة،وإن بقيت التباينات في الموقف والرؤيا مع سوريا،ولكن ما أثق به بان ما سيقدم عليه الحلف والمحور المعادي من حروب عدوانية تشن على محور المقاومة بأشكالها المتعددة سياسية واقتصادية وتجارية ودبلوماسية ستوصل الأمور الى ذروتها،ويصبح حسم الصراع بحاجة لحل عسكري،والحل العسكري سيفرض الإصطفافات والتحالفات وستتغلب على الخلافات والتباينات.
بقلم/ راسم عبيدات