قبل الحديث عن مسيرة العودة الكبرى التي انطلقت من قطاع غزة امس مخلفة 15 شهيداً واكثر من 1416 جريحاً،لا بد من الترحم على الرئيس معمر القذافي الذي كان في اغلب احاديثه ومؤتمرات القمة يتحدث بتهكمية وبسهل ممتنع عن حال الأمة العربية،فبعد نهاية الفترة الإنتقالية في عام 1999 لكارثة اوسلو،قال القذافي"لماذا لا يذهب الفلسطينيون وينصبون خيامهم على طول الحدود لدول الطوق العربي ويقومون بمسيرات الشعبية من اجل إستعادة حقوقهم وعودتهم..؟؟ ودعوة القذافي تلك قوبلت بالتهكم والسخرية ووصفه بالمجنون،وتكررت أقواله ذات المعنى العميق،عندما جرى اعدام الرئيس العراقي صدام حسين من قبل المأجورين في الحكومة العراقية،حكومة بريمر وبمشاركة امريكية...حيث قال مخاطباً الزعماء العرب" لا تفرحوا سيأتي الدور عليكم جميعاً،وبالفعل صدق القذافي ومأساته انه صدق امريكا،وتخلى عن برنامجه النووي،لكي يكون مصيره مصير الرئيس العراقي.والقذافي رحم الله كان من انصار الدولة الواحدة،وطرحه للمسيرات الشعبية الحاشدة للعودة الى فلسطين،لكي تجعل المجتمع الدولي يتحرك،ويعمل على إيجاد حل للقضية الفلسطينية،وكان طرحه نابعاً ان من هناك حالة عجز في النظام الرسمي العربي،بحيث غدا هذا النظام في حالة إنهيار غير مسبوقة،وما رفعه من شعارات في قمة الخرطوم لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل،لم تجر له أية ترجمات على الأرض،بل كانت الإتفاقيات اللاحقة من كامب وديفيد ووادي عربه وأوسلو، تقود الى المزيد من ضياع الحقوق العربية والفلسطينية.
وفي الغالب كانت تأتي الإنتفاضات والهبات الكبرى كرد مشروع على مشاريع ومخططات سياسية تستهدف تصفية الوجود الوطني الفلسطيني،وتفكيك مكوناته ومركباته تمهيداً لمرحلة الشطب الكلي،ولعلنا لا نريد العودة الى الثورات والهبات التي قام بها الشعب الفلسطيني ما قبل النكبة عام 1948 من ثورة النبي موسى 1920 وثورة يافا 1921 وثورة البراق 1929 وصولاً للثورة الكبرى 1936-1939 ،بل بعد هزيمة حزيران الكبرى عام 1967،وقيادة فصائل العمل الوطني الفلسطيني لراية النضال الوطني الفلسطيني،وما تعرض له النضال الفلسطيني من مؤامرات عربية وأمريكية وصهيونية وغربية استعمارية واخطاء قيادية فلسطينية،قادت الى خسارة فلسطينية لقواعدها ووجودها الملاصق لفلسطين المحتلة في الأردن ولبنان،وما اعقب ذلك من تشتت للفصائل والقيادة الفلسطينية ولتشكيلاتها العسكرية،وما جرى بعد ذلك من محاولات لتهميش القضية الفلسطينية وإلغاء مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كبيت جامع للكل الفلسطيني ومعبر عن هويته وكينونته،ولتأتي الإنتفاضة الفلسطينية الأولى- إنتفاضة الحجر – في التاسع من كانون اول 1987،لكي تؤكد على ان شعبنا الفلسطيني اقوى من كل محاولات الشطب والإلغاء والإقصاء،وكانت هبة شعبية جماهيرية شملت كل أرجاء الوطن،ميزتها الكتلة الشعبية الكبيرة والواسعة،ولها قيادة أركان تأطرها وتنظمها وتقود فعالياتها،ولها برنامج موحد،وهدف موحد أيضاً....وهذه الهبة الشعبية الجماهيرية الواسعة،كان لها ان تترجم الهدف الذي انطلقت من اجله في نقل الممكنات التاريخية للدولة الفلسطينية الى ممكنات واقعية،ولكن عندما ركبت موجتها الفصائل،واخذت قياداتها تقول بأن أرقام بياناتها موجودة على فاكسات وفي جياب القيادة في تونس،كان واضحاً بأن هذا سيعجل في وأد الإنتفاضة،وعدم بلوغها لأهدافها،ولكي يأتي الإستثمار السياسي المتسرع لاحقاً لهذه الإنتفاضة العظيمة، على شكل مشروع سياسي بائس،مشروع أوسلو،ما زال شعبنا يدفع ثمنه حتى اليوم،فهو لم يكتف بتقسيم الأرض الى معازل و"جيتوهات"،بل قسم وفكك الشعب سياسياً ومجتمعياً،وانا هنا لست بصدد التطرق للإنتفاضة الثانية وما تلاها من العديد من الهبات،والتي يجب أن تكون "بروفات" لهبات وإنتفاضات شعبية كبرى،لو كان هناك قيادات تقرأ بعمق وتفكر في كيفية البناء والتركيم والإستثمار والتطوير لهذه الهبات والإنتفاضات الشعبية،بدل الخيبات والإخفاقات المتلاحقة لقيادات متيبسة ومتكلسة ومتنمطة تقف على رأس فصائلها منذ التاسيس أو ما قبله،تتصارع ما بينها وتتناكف وتحرض على بعضها البعض،اكثر من تحريضها وتوجيه طاقاتها وجهودها ونضالاتها نحو المحتل المغتصب للأرض،ناهيك عن عدم قدرتها على الإبداع والفعل الميداني.
مسيرات العودة الكبرى التي بدأت فعاليتها بالأمس من قطاع غزة تحت عنوان مسيرة " الصمود والتحدي"،قبل التفصيل لماذا أتت وما الأهداف منها،وكيفية تشكيلها رافعة لنضال شعبي سلمي متواصل،ليس محكوماً بمقاسات واستثمارات فصائلية،نقول بأنه في عام 2011 قامت جماهير شعبنا في لبنان وسوريا بمحاولات لتجسيد هذا الحق واخترقت حدود فلسطين التاريخية،وسقط فيها شهداء وجرحى،ولكن تلك التجربة مرت دون ان يتم دراسة الدروس المستفادة منها،من اجل البناء عليها في خوض تجارب ومسيرات شعبية تحت شعارات مسيرات العودة ،وحق شعبنا في العودة لا يسقط بالتقادم....نفذوا وطبقوا قرارات الشرعية الدولية.
اليوم بعد سبعة سنوات على مسيرات العودة الرمزية التي جرت من الحدود اللبنانية والسورية،ومحاولة ترجمة ما طرحه الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في عام 1999،وهذه المسيرة الكبرى المنطلقة من قطاع غزة والتي ستستمر الى الذكرى السبعين لنكبة شعبنا الفلسطيني،أتت في عدة ظروف تتعرض فيها القضية الفلسطينية للشطب والتصفية،حيث الإدارة الأمريكية الحالة المتصهينة، نتقلت الى المشاركة المباشرة في العدوان على شعبنا،عبر طرح ما يسمى بصفقة القرن لتصفية وشطب القضية الفلسطينية بشكل نهائي،بمشاركة وتواطؤ جزء من النظام الرسمي العربي،ممن يسمون أنفسهم بعرب الإعتدال" الإعتلال"،بحيث اعترف الرئيس الأمريكي المتطرف ترمب بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال،وسعى الى شطب حق العودة من خلال تقليل مساهمة الولايات المتحدة المالية الى النصف في وكالة الغوث واللاجئين "الأونروا" والسعي لتجفيف مواردها المالية،ومنع توريث صفة اللاجىء،من اجل شطب حق العودة لشعبنا،وعلى الصعيد الداخلي الأوضاع في قطاع غزة بسب الحصار والتجويع بلغت مرحلة وحدود الإنهيار حيث الأوضاع الخطيرة جداً،من حيث البطالة والفقر وانهيار الخدمات الصحية والبنى التحتية وعدم وجود المياه النظيفة وانقطاع الكهرباء لفترات تصل الى عشرين ساعه يومياً،يضاف لها ما فرضته السلطة في رام الله من عقوبات مالية وإدارية على شعبنا في قطاع غزة زادت الطين بلة والوضع سوءاً،ومن هنا جاءت مسيرات العودة الكبرى،لكي تبعث بعدة رسائل في أولها بأن صفقة القرن وغيرها من المشاريع المشبوهة من حلول جزئية ومؤقتة،لن تمر الإ على جثث شعبنا الفلسطيني،وأخرى الى المجتمع الدولي المتواطىء،في عدم تمكين شعبنا الفلسطيني من العودة الى أرضه بعد مرور سبعين عام على طرده وتشريده على يد العصابات الصهيونية،رغم وجود وجود قرار اممي،يحمل رقم (194) ينص على ذلك،وبأن هذا الحق فردي وجمعي وتاريخي وقانوني لا يسقط بالتقادم،وانه لا سلام ولا استقرار في المنطقة بدون إحقاق هذا الحق،اما الرسالة للعدو الصهيوني فهي تقول بأن شعبنا لن يسقط خيار المقاومة،ولن تنجح كل الآت القمع والبطش الصهيوني،في وقف مقاومته وزحفه بالعودة نحو أرضه التي شرد منها،وعلى الصعيد الداخلي فهي شكلت خطوة نضالية رمزية تعبر عن وحدة شعبنا ومقاومتنا،وبالضرورة ان تشكل رافعة لوحدة ميدانية أوسع وأشمل،بحيث تحاصر دعاة نهج الإنقسام والمصالح،وتدفع بشعبنا نحو وحدة شاملة في الوطن والخارج لقيادة مسيرات شعبية كبرى عمادها وقرارها قيادات شعبية ميدانية،دون مصادرة لقرارها من قبل الأحزاب والفصائل،والتي بإستئثارها وهيمنتها على قرارها قد تدفع بها نحو الإجهاض وعدم تحقيق أهدافها،والتجارب والهبات الشعبية السابقة أثبتت ذلك ،ولذا بات من الملح ان تكون مسيرة العودة الكبرى التي إنطلقت من غزة، " بروفا" نحو مسيرات شعبية أوسع وأشمل ووفق رؤية استراتيجية وبرنامج موحدين،يضمنان لها الإستمرارية والتواصل،وبما يمكن الجماهير من الصمود لأطول فترة ممكنة،ولقد أثبتت هبة الأقصى في 14 تموز من العام الماضي حول البوابات الألكترونية،ان الجماهير بكتلتها الشعبية الواسعة وبالإستمرارية والوحدة وبالعمل الشعبي السلمي قادرة ان تصنع نصراً على أعتى الة حربية في المنطقة.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
31/3/2018
0524533879
[email protected]