كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته، يعلن عباس الحداد على أرواح من استشهدوا في قطاع غزة برصاص دولة الاحتلال الصهيوني في الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض الفلسطيني!
لم أصدق الخبر وقت أن وصل، ولذلك أسبابه: فهل يعلن الحداد على شهداء غزة من يقتل عزة في كل يوم ألف مرة؟! وهل يعلن الحداد على شهداء غزة من يصب العتمة على غزة صبا، ويتفنن في قتل أهلها كل يوم وكل لحظة قبل أن يقتلهم الاحتلال، حيث يوقف رواتب بعضهم وذويهم؟! وهل يعلن الحداد على شهداء غزة من يوقف عن غزة الدواء والكهرباء ويمنع التحويلات العلاجية عن مرضاها؟! رحماك ربي!
كيف للمرء أن يصدق أن هذا الذي ينعي شهداء غزة ويتباكى عليهم ويعلن الحداد على أرواحهم هو ذاته الذي يعظم التنسيق الأمني ويقدسه؟! كيف للمرء أن يصدق أن هذا الذي ينعي شهداء غزة هو ذاته الذي يقول علناً - ودون أدنى خجل أو حياء - أنه ضد المقاومة؟! كيف للمرء أن يصدق أن هذا الذي يعلن الحداد هو ذاته الذي اشتهر بلازمته (العقائدية!) المخجلة التي ظل يشدو بها دوماً دون خجل أو وجل، فيقول:"البديل عن المفاوضات هو المفاوضات، وإن فشلت المفاوضات فلا سبيل إلا المفاوضات؟!" كيف للمرء أن يصدق أن هذا الذي يعلن الحداد هو ذاته الذي جاهد بلا هوادة – وما يزال – ليفرغ حركة فتح من مضمونها النضالي وإرثها الثوري، وهو ذاته الذي جاهد ليفرغ منظمة التحرير الفلسطينية من مضمونها الثوري وإرثها الكفاحي والوطني، حيث لم يفعل شيئاً في شأن تفعيلها وإعادة إحيائها وإصلاحها وتطويرها، طبقاً لما تم الاتفاق عليه منذ اجتماع الفصائل في القاهرة في مارس 2005، وحتى يومنا هذا؟! كيف للمرء أن يصدق أن هذا الذي يعلن الحداد هو ذاته الذي أصر أن يستمر في التفاوض، فيما الاستيطان في أرضنا يتمدد والمستوطنون يتزايدون؟! كيف للمرء أن يصدق أن هذا الذي يعلن الحداد هو ذاته الذي قال في 27/8/2012، مرحباً بوفدٍ من متطرفي حاخامات اليهود الذين حلوا عليه ضيوفاً في المقاطعة:"إن إسرائيل وجدت من أجل أن تبقى دولة لها كيانها وليس لأن تزول"؟! كيف للمرء أن يصدق أن الذي يعلن الحداد على أرواح شهداء غزة يوم الأرض وفي مسيرة العودة هو ذاته الذي أعلن تنازله عن حق العودة، مؤكداً على ذلك بتنازله عن صفد حيث آباؤه وأجداده ومسقط رأسه؟! كيف للمرء أن يصدق أن من يعلن الحداد على أرواح شهداء يقاومون الاحتلال في يوم الأرض وفي مسيرة العودة الكبرى هو ذاته الذي اعتاد أن يسخر من المقاومة التي يتجرأ على وصف صواريخها بالعبثية، وهو ذاته الذي ظل يعبر وبملء فيه عن سخريته من سفن وقوافل التضامن القادمة إلى غزة لكسر الحصار عنها، واصفاً إياها هي الأخرى بأنها
سفن وقوافل عبثية؟! كيف للمرء أن يصدق أن الذي يعلن الحداد على أرواح الشهداء هو ذاته الذي يعطي التنسيق الأمني مع العدو قدسيه وقداسة تقتل شعبنا في كل يوم وتشكل انتهاكاً لمشاعره الوطنية في كل لحظة؟! كيف للمرء أن يصدق أن الذي يعلن الحداد على أرواح الشهداء هو ذاته الذي اتخذ قراراً بسحب تقرير جولدستون الذي دافع عن الحق الفلسطيني وأدان الإجرام الصهيوني، ونال استعداد 38 دولة لدعمه ومساندته وتبني إحالته إلى مجلس الأمن الدولي؟!
وكيف للمرء أن يصدق أن الذي يعلن الحداد هو ذاته الذي وقف ضد تقرير جولدستون، فيما رئيس لجنة تقصي الحقائق المكلفة من الأمم المتحدة، وفي تقرير ميداني موثق في 574 صفحة، قد قال إن اللجنة "قد خلصت إلى أن الجيش الإسرائيلي قد ارتكب أفعالاً تصل إلى جرائم حرب وربما بشكل أو بآخر جرائم ضد الإنسانية كما اقترف جرائم القتل العمد، وأن الحرب التي استمرت على غزة لمدة 22 يوماً قد استهدفت شعب غزة بأكمله من أجل معاقبة السكان، إضافة إلى أن استمرار الحصار وإغلاق المعابر هو عقوبة جماعية تمثل جريمة ضد الإنسانية؟!
وكيف للمرء أن يصدق أن الذي يعلن الحداد هو ذاته الذي لا يحب ولا يحترم مصطلح "الثوابت الوطنية الفلسطينية" كما سمعناه وهو يتحدث لمحاوره، متذرعاً بأن السياسة لا تعرف لغة الثوابت وإنما كلها متغيرات، ناسياً أو متناسياً أن الحديث عن "الثوابت الفلسطينية" ليس أمراً سياسياً فقط وإنما هو أمر وطني فلسطيني لا يجرؤ أي وطني فلسطيني أن يتجاوزه أو ينكره أو يتنكر له؟!
وكيف للمرء أن يصدق أن الذي يعلن الحداد على شهداء غزة هو ذاته الذي لم يفكر أبداً في زيارة غزة التي واجهت ثلاثة حروب فتاكة قتلت الآلاف من أهلها؟! وكيف للمرء أن يصدق أن الذي يعلن الحداد على أرواح الشهداء هو ذاته الذي ما يزال يرفض حتى اللحظة تقديم طلب إحالة إلى محكمة الجنايات الدولية خلافاً لما يريده الشعب وخلافاً لما تريده فصائل منظمة التحرير الفلسطينية؟! وكيف يصدق المرء أن الذي يعلن الحداد هو ذاته الذي يسعى إلى قتل المقاومة بإصراره على تسليم سلاحها تحت ذريعة دعواه "وطن واحد وقانون واحد وسلاح واحد؟!"، دون أن يتذكر تساؤل صلاح خلف "أبو إياد" الاستنكاري:" مين هالحمار اللي بيرمي سلاحه وبيروح يفاوض؟!" وهل يصدق المرء أن الذي يعلن الحداد هو ذاته الذي لم ير شعبه منه يوماً دليلاً عملياً واحداً على إيمانه ويقينه بأن "الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها"؟!
أما آخر الكلام، فأما من أحد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو اللجنة المركزية لحركة فتح يملك ولو بعضاً من جرأة ليسأل عباس مستنكراً:"كيف تعلن الحداد، يا سيادة الرئيس، على أرواح شهداء غزة التي تحاصرها أنت فتقتل كل يوم أهلها ثم نشاركك نحن بسكوتنا على قتلك لها؟! ويحك، يا سيادة الرئيس! أتقتل القتيل ثم تمشي في جنازته؟! أما نحن، فما الذي دهانا، إذ لا نجد من سبيل أمامنا إلا أن نعقد ألسنتنا ونغمض أعيننا ونركض وراءك؟!
بقلم الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة
رئيس"جمعية أساتذة الجامعات- فلسطين"