الاحتلال يستهدف المعاقين ويعتقل المئات منهم.. !

بقلم: عبد الناصر فروانة

الإعاقة - كما عرفتها المواثيق الرسمية- تعني قصوراً أو عيباً وظيفياً، يصيب عضواً أو وظيفة من وظائف الإنسان العضوية أو النفسية، بحيث يؤدي إلى خلل أو تبدل في عملية تكيف هذه الوظيفة مع الوسط  المحيط، وهي حالة تَحِدْ من قدرة الفرد على القيام بوظيفة واحدة، أو أكثر، من الوظائف الأساسية في الحياة اليومية: كالعناية بالذات، أو ممارسة العلاقة الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية، ضمن الحدود التي تعتبر طبيعية. أو هي: عدم تمكن المرء من الحصول على الاكتفاء الذاتي، وجعله في حاجة مستمرة إلى معونة الآخرين، وإلى تربية خاصة تساعده على التغلب على إعاقته.

وفي العام 1992 خصصت الأمم المتحدة الثالث من كانون أول/ديسمبر يوما عالميا لزيادة الوعي والفهم لقضايا الاعاقة، و دعم ذوي الاحتياجات الخاصة، وضمان توفير حقوقهم. ومذ ذاك الحين والعالم يحيي هذا اليوم ليسلط الضوء على أوضاع هذه الفئة الهامة واحتياجاتها وسبل نصرتها، وليضع حضورها على جدول أعمال المجتمع الدولي.

ومع ذلك فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تحترم يوما هذه الفئة وحقوقها، ولم تراعِ احتياجاتها ومتطلباتها، ولم ترحم المعاقين من بطشها وسوء معاملتها، وأن كافة المعطيات الاحصائية تؤكد على أن أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ارتفاع متزايد، وأن قوات الاحتلال لا تتعمد استهدافهم وايذائهم، فحسب، وانما تعمد أيضا الى خلق عوامل وظروف بغرض التسبب بالإعاقة.

كما لم تستثنهم من اعتقالاتها التعسفية، فقيدّت ما تبقى لديهم من أطراف، بسلاسلها الحديدية أو البلاستيكية، وزجت بأجسادهم المنهكة والمعوقة والمقعدة في زنازينها وسجونها سيئة الصيت والسمعة، وما تزال تُصر على الاستمرار في احتجازها للمئات منهم، بالرغم من تدهور أوضاعهم وصعوبة حركتهم. هذا رغم أن كثيرين منهم يعانون من إعاقات جسدية كاملة. فهناك من يرقدون على كراسي متحركة، ومنهم من يعانون من إعاقات حسية (كالإعاقة السمعية والبصرية)، ومنهم من هو أعمى أو أصم أو أبكم؛ إضافة إلى العديد من الأسرى الذين يعانون من إعاقات ذهنية وعقلية ونفسية. بل إن هناك عددا منهم يعانون من الصرع والاكتئاب والتخلف العقلي.

وهناك من الأسرى المعاقين من يعانون نوعين من الإعاقة أو أكثر. وبعض هؤلاء اعتقلوا بعد تعرضهم إلى الإصابة برصاص الاحتلال. وبعضهم اختطفوا من المشافي والمراكز الصحية، أو من خلال نقلهم للمشافي في سيارات الإسعاف. وكثير منهم اعتقلوا على الحواجز العسكرية، أثناء توجههم لتلقي العلاج في المشافي، فتُركوا ينزفون طويلا وعانوا من مساومة رخيصة بهدف نزع اعترافات منهم. وكثيرا ما استغل المحققون الإسرائيليون إصاباتهم بالضغط على جروحهم، مما أدى إلى مفاقمة الإصابة في أغلب الأحيان، وتحولها إلى إعاقة دائمة، أدت أحيانا إلى بتر بعض أطرافهم. دون التغافل عن ذكر ما يتسبب به السجن والتعذيب والإهمال للمعتقلين العاديين من مصائب لا تُحصى.

ويحتجز ذوي الاعاقة في ظروف قاسية في السجن، ويعيشون حياة هي الأسوأ، وآلامهم أكبر وعذابهم يومي متواصل، ومعاناتهم تفوق معاناة الأسرى الآخرين مرات عدة، حيث يعانون مرتين: معاناة الأسرى العاديين، ووجع عجزهم عن الحركة أو قضاء الحاجة. وكل ذلك يتناقض والمادة (15) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تقول: "لا يُعرّض أي شخص للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة"؛ لكن الاحتلال  لا يكتفي باعتقالهم وتعذيبهم وإصدار الأحكام القاسية بحقهم، والتنصل من التزاماتها الإنسانية تجاههم، بل يواصل تهربه من واجبها بتوفير احتياجاتهم الأساسية، مثل: الأجهزة الطبيـة المساعدة، والأطراف الصناعيـة، والنظارات الطبية، والأجهزة المساعدة على المشي، والفرشات الطبية، وآلات الكتابة الخاصة بالمكفوفين منهم... وغير ذلك كثير.

ولم تكتف سلطات الاحتلال بالامتناع عن توفير تلك الحاجات الضرورية للمعتقلين المعوقين، بل أضافت إلى ذلك وضعها للعديد من العراقيل المنهجية، أمام محاولات المؤسسات الحقوقية والإنسانية لإدخالها، في عقوبة جديدة للمعوقين المعتقلين في سجونها، تضاعف من قلق عائلاتهم عليهم.

ولقد حدث كل ذلك متواكبا مع عدم توفير أماكن احتجاز خاصة بالمعوقين، تراعي أوضاعهم. فلا أطباء نفسيين مختصين، ولا مرشدين اجتماعيين. أما إذا قدمت سلطة الاحتلال لمعوق سجين بعضا من الأدوية، فكثيرا ما كانت مجرد مهدئات ومسكنات أو عقاقير تنويم.

ان سجون الاحتلال الإسرائيلي تكتظ بمئات المعتقلين من ذوي الاحتياجات الخاصة،  وأن جميعهم يحتجزون في ظروف غاية في السوء ويتعرضون الى معاملة قاسية، وان سلوك الاحتلال الإسرائيلي مع الأشخاص ذوي الإعاقة، يتطلب تدخلا عاجلا من المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة -التي أحيت الثالث من كانون أول/ديسمبر لدعم هذه الفئة- للنظر في أوضاع هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من الاستهداف الإسرائيلي والعمل على توفير احتياجاتهم ومتطلباتهم وضمان توفير الحد الأدنى من حقوقهم.

بقلم/ عبد الناصر فروان