لا شك في أن مسيرات العودة الفلسطينية هذا العام شكلت تحدياً حقيقياً وجاداً للعدو الصهيوني، وهي أدخلت كيان الاحتلال مرحلة من عدم اليقين تجاه الوضع المتفجر في غزة، والخشية من التدحرج لمرحلة من التصعيد التدريجي الآخذ بالاتساع مع مرور الوقت، ولاسيما أن هذه التظاهرات لها أبعاد إستراتيجية وفق اعتراف بعض المحللين الصهاينة.
منذ تاريخ 30 آذار 1976، ما فتئ الفلسطينيون في الداخل والشتات، والعرب ومعهم المتعاطفون بالدول الأجنبية يحتفلون بذكرى يوم الأرض، لتجديد تشبثهم بأرضهم المحتلة، وبالعودة إلى منازلهم وديارهم.
في ذلك التاريخ ارتقى ستة شهداء خلال مواجهات مع الصهاينة وراهنا ارتقى ثمانية عشر شهيداً في غزة بتاريخ 30 آذار الماضي خلال فعاليات إحياء ذكرى يوم الأرض.
ما كان الشعب الفلسطيني يتوقع منذ حدوث النكبة الكارثة العام 1948 حصول مواقف دولية شجاعة تنصر حقه في مواجهة الاحتلال وممارساته لأن المجتمع الدولي تقوده قوى عالمية وقفت ولا تزال في جلها إلى جانب العدو الصهيوني، ولعل إخفاق مجلس الأمن فجر السبت الماضي في الاتفاق على بيان يدين قمع القوات الصهيونية للحراك الفلسطيني في قطاع غزة في ذكرى يوم الأرض دليل واضح على ذلك.
الولايات المتحدة الأميركية حملت الفلسطينيين ضمنياً المسؤولية عن الضحايا وفي الوقت نفسه طالب الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» بـ«إجراء تحقيق مستقل وشفاف في الحادث» المجزرة الصهيونية الجديدة التي راح ضحيتها عشرات الفلسطينيين، وذكر أن هذه المأساة تشدد على إلحاح «إحياء عملية السلام الهادفة إلى تهيئة الظروف للعودة إلى المفاوضات ذات المغزى، من أجل التوصل إلى حل سلمي يسمح للفلسطينيين والإسرائيليين بالعيش جنباً إلى جنب بسلام وأمن» على حين عبر بعض الرسميات العربية عن خيبة أملهم إزاء إخفاق مجلس الأمن.
أما رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فقد قال: «إن سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى في تظاهرات شعبية سلمية، يؤكد وجوب تدخل المجتمع الدولي لتوفير الحماية لشعبنا الفلسطيني الأعزل».
لقد تدفّق عشرات آلاف الفلسطينيين وخصوصاً من الأطفال والنساء يوم الجمعة على المنطقة المحاذية للتخوم بين غزة والأراضي المحتلة العام 1948 في مسيرة احتجاجية أطلق عليها «مسيرة العودة الكبرى»، وأفادت آخر الإحصائيات في قطاع غزة بأن 18 فلسطينياً استشهدوا وأصيب أكثر من 1500 آخرين في المواجهات مع جيش الاحتلال الصهيوني.
منذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعطاء القدس لكيان العدو الصهيوني، إضافة للحديث المتزايد عن التحضير لما يعرف بصفقة القرن بلغت الهجمة على القضية الفلسطينية ذروتها وراح بعض الرسميات العربية يسارعون للتطبيع مع الصهاينة الذين يمعنون في تشديد الحصار والاستيطان والتهويد وغير ذلك من ممارسات تطول الأرض والإنسان في فلسطين المحتلة.
أما الساحة الفلسطينية، فلا تزال متشظية ويزداد الانقسام فيها ويتم تمويت الوحدة الوطنية الفلسطينية على مقصلة المصالح الضيقة، حتى إن البعض راح ينعى جهاراً نهاراً القضية الفلسطينية، غير أن الأمل يبقى في اتساع بقعة الضوء التي تنيرها دماء الشهداء عند كل مفصل من عمر هذه القضية.
بقلم/ نعيم إبراهيم