لا نبالغ اذا ما قلنا بان عملية تحرير الغوطة تعادل سقوط جدار برلين وتحقق الوحدة الألمانية،،،وهي تتفوق على عمليات تحرير حلب ودير الزور من الجماعات الإرهابية والتكفيرية،فهنا في الغوطة الشرقية التي اتخذتها الجماعات الإرهابية والقوى الداعمة لها تسليحاً وتمويلاً ودعماً لوجستياً واستخباراتياً،أريد لها ان تبقى الخاصرة الرخوة التي يجري بها الضغط سياسياً على النظام السوري من اجل تقديم التنازلات السياسية عبر الإيعاز للجماعات الإرهابية بأوامر من المشغولين عرب وأمريكان وفرنسيين وبريطانيين وصهاينة بإطلاق القذائف والصواريخ على العاصمة دمشق،لكي لا ينعم النظام السوري بالهدوء،ولكي تستمر حالة الإستنزاف للجيش السوري قائمة ومستمرة،وبما يجعل القيادة السورية تسلم ببقاء تلك المنطقة تحت سيطرة الجماعات الإرهابية والتكفيرية،وبما يخدم اهداف ومصالح المشغلين في التقسيم لسوريا،ولذلك كانت الأكثر تحصيناً من حيث التسليح والأنفاق وغرف العمليات والمشافي الميدانية وطرق الإمداد وغيرها،وكانت معدة لكي تصمد عدة سنوات في حرب او صدام مع الجيش السوري،والقيادة السورية كانت تدرك طبيعة المخطط المعادي المستهدف للجغرافيا السورية بالتقسيم والتفتيت،ولذلك كان القرار السوري بتحرير الغوطة الشرقية،وطرد تلك الجماعات الإرهابية منها بأي ثمن،لأن اجتثاث وتصفية الجماعات الإرهابية سيعكس نفسه على كامل المشهد الميداني،والإنتصار في تلك المعركة،سيسقط مشروع العدوان بالكامل على سوريا،لكون الجماعات الإرهابية المتواجدة في الغوطة الشرقية تشكل العصب العسكري الأساسي للقوى المشغلة الخارجية سعودية،قطرية،تركية،صهيونية،أمريكية وبريطانية وفرنسية،ولذلك استخدم الحلف المعادي كل وسائل ضغطه وترهيبه من مسرحيات الكيماوي الى التباكي على أطفال الغوطة وحقوق الإنسان والتهديدات الأمريكية والفرنسية والصهيونية بالتدخل العسكري تحت ذرائع استخدام الجيش السوري السلاح الكيماوي،وتجند لذلك أساطيل اعلامية تبث الفبركات والأكاذيب والخداع والتضليل،ولجأت تلك الدول الى شيطنة روسيا وسوريا،لتصل الأمر حد اتهام بريطانيا لروسيا بتسميم الجاسوس الروسي المزدوج سيرجي سكريبال وابنته بالمواد الكيماوية ربطاً بالموقف الروسي الداعم لسوريا والمانع لقرارات الحلف المعادي ان تمر في مجلس الأمن بإستخدام "الفيتو" ضدها.
وكذلك تصفية وطرد تلك الجماعات الإرهابية،سيمهد لإستعادة كامل الجغرافيا السورية عبر المصالحات وعبر الإستمرار في الإستئصال العسكري للجماعات الإرهابية والتكفيرية التي ترفض تلك المصالحات.
أن يحقق الجيش السوري والقوى الرديفة نصراً عسكرياً استراتيجياً في زمن قياسي على تلك الجماعات المتحصنة بالغوطة الشرقية،والمزودة باحدث الأسلحة والتحصينات والأنفاق تحت الأرض والمحتجزة والمستخدمة لأكثر من نصف مليون مواطن سوري رهائن ودروع بشري،يثبت بان هذا الجيش عقائدي من الدرجة الأولى ويمتلك خبرات ومهارات عالية جداً في خوض مثل هذه الحروب في ظروف بالغة التعقيد،كما أثبت ذلك بان تلك الجماعات الإرهابية،والتي هي مجاميع مرتزقة متعددة الولاءات والمصالح والأهداف،هي مجرد نمر من ورق،ورهانها على التدخل العسكري الإسرائيلي لإسنادها جوياً،والتدخل العسكري الأمريكي والفرنسي لصالحها،والضغط على القيادة السورية لمنع اقتحام الغوطة الشرقية وتطهيرها من الجماعات الإرهابية،ذهبت ادراج الرياح وكانت رهانات خاسرة،ولكي ترسم وتكتب معارك الغوطة الشرقية بالدم الأحرف الأولى لبداية النهاية لهزيمة المشروع المعادي في سوريا،والتي استثمر فيه هؤلاء مئات مليارات الدولارات،ولكي يكتشفوا بأن دمشق عصية على الكسر،وأن عليهم مراجعة مواقفهم واستراتيجياتهم وسياساتهم تجاه سوريا،وقد كان من النتائج المباشرة للنصر المتحقق في الغوطة الشرقية،بأن اعلن الرئيس الأمريكي بانه يفكر جدياً في سحب القوات الأمريكية من سوريا،وسيترك ذلك للحلفاء،وهنا يقصد السعودية وتركيا،حيث تركيا تحتل مدينة عفرين السورية،والتي ربما يجري تسليمها مدينة منبج التي تحتلها القوات الأمريكية،والسعودية هي الداعم والممول الرئيسي لما يسمى بجيش الإسلامي ،كما ان الرئيس الأمريكي جمد مبلغ ال 200 مليون دولار المرصودة لدعم الوجود العسكري الأمريكي في سوريا،ودعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية،واسرائيل التي كانت تراهن على إقامة حزام امني على حدود الجولان المحتل مع سوريا من تلك الجماعات الإرهابية،لكي يشكل لها حاجز صد أمام قوات حزب الله والقوات الإيرانية المتواجدة في سوريا،بعد هذه الهزيمة القاصية سارعت الى العودة الى اتفاقية فض الاشتباك ونشر مراقبي الاندوف على خط وقف إطلاق النار،اما فرنسا فقررت الامتناع عن عمل عسكري منفرد في الشمال السوري بعد أن كانت تتحضّر له،في السعودية اعترافت بأن الرئيس بشار الأسد ثابت في موقعه وأحد لا يستطيع المس به، ودعوة الأمم المتحدة للعمل بجدية وإلحاح على المسار السياسي لحل الأزمة يندرج في هذا الإطار.
نعم هي تداعيات كبرى وتحمل أبعاداً استراتيجية كبرى،وترسم خرائط ومعادلات وتحالفات جديدة في المنطقة،فالسعودية التي طالما قالت بأن رحيل الأسد شرط لأي عملية سياسية في سوريا،حاولت أن تقايض القيادة السورية بالمشاركة بمئات مليارات الدولارات في إعمار سوريا مقابل فك علاقتها مع ايران وحزب الله وقوى المقاومة،وكما حاولت ربط خروج ما يسمى بجيش الإسلام من الغوطة الشرقية بوقف صواريخ جماعة انصار الله "الحوثيين" على العاصمة السعودية الرياض لكنها فشلت.
هذه المواقف والوقائع وسواها ما كانت لتقع أو يُلجأ اليها لو كانت نتائج حرب الغوطة غير ما انتهت اليه، او لو كان متوفراً بعد الغوطة ورقة تشبهها عملانياً او استراتيجياً تعوّض عنها، فبعد الغوطة فرغت خزائن العدوان من الأوراق الاستراتيجية الكبرى التي تمكن من التأثير على المشهد العام والمسار الرئيس للعدوان على سورية، ولذلك سيؤرخ برأينا لنهاية العدوان على سورية اعتباراً من آذار 2018 كما كان تاريخ بدئه في آذار 2011.
ونتائج معركة الغوطة لا تعني بالملموس،هزيمة المشروع المعادي في سوريا فقط،فهذا المشروع ينكفىء ويتراجع في كامل المنطقة،ولذلك أمريكا قبل التسليم بهزيمتها في المنطقة تحاول نشر الفوضى والدمار في اكثر من منطقة وتتخبط في سياساتها ومواقفها،فهي تعلن حرباً تجارية على الصين،وتشن مع دول اوروبا الغربية حربا وعقوبات اقتصادية ودبلوماسية على روسيا،وتهدد بإلغاء الاتفاق مع طهران حول برنامجها النووي في مايو القادم،ولكن كل ما يجري في المنطقة والإقليم والعالم يؤشر الى أفول العصر الأمريكي والأحادية والقطبية،فبوتين المنتخب لولاية رابعة استطاع ان يعيد روسيا الى موقعها الطبيعي كقوة قطبية مزاحمة لأمريكا على الموقع الأول في العالم،والأسد وسوريا ستشكل محور أساسي مؤثر في قضايا وتحالفات المنطقة وايران ستترسخ كقوة اقليمية في المنطقة،والصين ستتخطى امريكا اقتصادياً.
بقلم/ راسم عبيدات