"بطّلنا نخوّف"، قَالَها أبُو إياد رَحمه الله في الثّمانينات عِندما إشتدّ الحِصار على مُنظمة التّحرير وعَلى حَركة فَتح بَعد الخُروج من بَيرُوت، هل حقًا "بطّلنا نخوّف"؟ وهل حقًا عِندما قالها أبُو إياد كَان يستشرِف ما بعد هذا العَقد من الزّمن؟ بالتّأكيد أنّ هُناك كَانت عِدة مَلامح ومُؤشرات تقُول أنّ مُنظمة التّحرير ذَاهبة أسِيرة مغلُولة في أيدي النّظام العَربي، ولكي لا أبتَعد كثيرًا سنرجِع للخَلف ما قَبل النّكبة وذُروة الإنتفاضَة الشّعبية والعِصيان المَدني في إضرَاب 1936م وما قَبله وما بَعده. وقَعت القضيّة الفلسطينيّة والمُقاومة الفلسطينيّة في بُؤرة التّأثير العَربي، وأقصِد هُنا النّظام الرّسمي العَربي، وخَسر الفلسطينيون قَرَارهم وكَانت النّكبة التي تلاها عدّة نَكبات عَلى المُستوى الذّاتي الفِلسطيني وعَلى المُستوى الإقليمي.
وليّ العَهد السّعودي محمد بن سَلمان "تَعب من القضيّة الفلسطينية"، وقالَها بعضُ الشّخصيات العَربية أيضًا في 2010م "إنّنا لن نكُون فلسطينيين أكثَر من الفلسطينيين أنفُسهم"، مؤشّرين هامّين لسُلوك النّظام الرّسمي العَربي الذي عَهدناه وسُنلاقيه في الأياّم والشّهور القَادمة، الفلسطينيّون لم يجنُوا شيئًا من مقُولة الوِحدة العَربية، ولم يجنُوا أي نصرًا من جَعل القضيّة الفِلسطينية شمّاعة البَراءة والنّزاهة والوطنيّة والقوميّة وغيرُه من المسمّيات العَربية التي ما كَانت القضيّة الفِلسطينية إلا أبجديّات مِن أبجديّات أن تَثق بهم شُعوبهم وغيرُه، تلقّى العرب الهَزيمة تِلو الهَزيمة، وذهب الفَلسطينيون وقضيّتهم مع هَزائمهم، ولكن قد يكُون للسّياسة شأنٌ آخَر، بين المُبرر والتّعليل والتّدوير أيضًا.
النّظام الرّسمي العَربي لم يكُن بعيدًا يومًا عن ما يُسمى إسرَائيل، قد نعذُر روسيا لأنّ لَها جَالية تُمثل ثُلث المُجتمع الإسرائيلي لِكي تعتَبر إسرائيل قَاعدة رُوسية بِشكل غير مُباشر، ولكن هل العَرب عِندما صدّروا اليهُود إلى فِلسطين واشتركُوا في ذَبح الفلسطينيين من خِلال عِصابات الهاغاناة وشتيرن وأرغون، هَل كَان العَرب يعتبرُون أن إسرائيل قَاعدة خَلفية لهُم على حِساب الفلسطينيين، شَيء غَريب فعلًا ما يحدُث، قد تكُون العَاطفة الفلسطينية تُجاه أشقّائهم العَرب تمحُو كَثير مِن المَساوئ والأخطَاء والخَطايا التي ارتكَبها العَرب بحقّ الفِلسطينيين، وأخيرًا عِندما ينضغِط أيّ نِظام عَربي أمَام شَعبه يقُول ويُشيع أن الفلسطينيين باعُوا أرضَهم، هل حقًا أن الفلسطينيين باعُوا أرضَهم هل باع فارس عُودة والطّفل الذي وضَع بصَلة في كمّامة على حُدود غزّة أرضَه؟ قد يكُون شيء من السّخرية، سُخرية هذه الأنظمة التي تُصدر مَفاهيمها الثّقافية المغلُوطة لشُعوبها، نعُود مرّة أخرى لحَديث وليّ العَهد السّعودي محمد بن سَلمان، هل هُو أتَى بجَديد أم كَانت الصّراحة هِي الشّيء المُميز في سُلوكه ومُتوافقة مع صَراحة ترامب بعيدًا عن اللف والدّوران ويبين رَغبة النّظام العَربي في أخوّته للكِيان الإسرائيلي على قَاعدة المَصالح والتّكنولوجيا والتّطوير وصِناعة المُتغير في المَنطقة التي يتوافَق مع رُؤية أميركا والغرب في مُعادلتهم الإقتصَادية الأمنيّة الجُغرافية.
لقد مَارس النّظام العَربي الضّغط على مُنظمة التّحرير مُنذ السّبعينات من القَرن المَاضي ليتم إحتِواءها وتتحوّل الثّورة والكِفاح المُسلح والعَمل الفِدائي إلى مُؤسّسات تخضَع للمنظُور السّياسي فَقط والمُرتبط بالنّظام الرّسمي العَربي وكَانت قاعدتُه أساسًا المال السّياسي، فلم تعتَمد الثّورة الفِلسطينية على بِناء قَاعدة إقتصَادية لها تُمول عملياتِها الفِدائية وتُمول الأنشِطة الثّورية، بل اعتمَدت على التّمويل الخَارجي، وكان هَذا هُو الفَخ، وعِندما خَرجت الثّورة مِن بَيروت إلى المَنافي وقَعت في عُمق المَصيدة والإحتِواء وتمّ دفعُها لإجهَاض الإنتفاضة الأولى والدّخول في دَهاليز التّفاوض مِن تَحت الطّاولة لتصِل إلى أوسلُو، ولأنّ العَرب (تعِبوا مِن القضيّة الفِلسطينية)، العَرب تَعبُوا من القضيّة الفِلسطينية عِندما كانوا يموّلون مُنظمة التّحرير بمِئات المَلايين من الدّولارات، ولكن لم يتعبُوا حينَما وهَبوا أموالهم التي تُقدر بتريليُون دُولار فِي عِدة صَفقات آخِرها 450 مليار دُولار لترَامب، لم يتعبُوا مِن سَرقة المَال العَربي ولكن تعبُوا من بَعض قُروش مَولوها لاسترجَاع فِلسطين – كمَا يقُولون.
ولكن كما قُلت سَالفًا هل من جَديد في ما قَاله وليّ العَهد السّعودي محمد بن سَلمان؟ وهل كسرَ القاعدة السّياسية الفِلسطينية الرّسمية بالتّأكيد لا، فرأسُ السّلطة الفِلسطينية ورأسُ مُنظمة التّحرير قاَل في عِدة مُقابلات أن إسرائيل وُجدت لتبقى ولن يُطالب بالنّاصرة وغَيرها، واعتَبر إسرائيل دولة جَارة، واعترفَت مُنظمة التّحرير باسرائيل، الأمور تُقاس هُنا بين الدّول في واجِهات النّظام السّياسي وليسَ بارادة الشّعوب أو رأيُها أو قرارُها، فمن الصّعب أن تقُوم السّلطة بالردّ عَلى وليّ العَهد السّعودي، ولأنهم سيقُولون أنّهم لن يكُونوا فلسطينيين أكثَر من الفلسطينيين أنفُسهم، وبالتّالي أعتقد أنّ النّظام الرّسمي العَربي جرّ مُنظمة التّحرير الفلسطينية مِن خِلال الضّغوط والحِصار على مُنظمة التّحرير إلى الإعتِراف لكَي يُمرر العَرب رَغباتهم بالاعتِراف باسرَائيل واقَامة العَلاقات الحَميمة الإقتصَادية والعَسكرية مَعها تَحت مُبرر أنّ هُناك عَدو للأمة العربيّة يُسمى إيران، أمّا إسرَائيل فليست عدوًا للعرب!، وأمّا الفِلسطينيون فهُم الضّعفاء الذين تمّ التّغرير بِهم للوُقوع فِي فخّ النّظام العَربي ورَغباته وانطِلاقاته نحو إسرَائيل.
في السّبعينات والسّتينات من القَرن المَاضي كان الفِلسطينيون يحذَر مِنهم الجَميع ويخَافونهم، هذا لا يَعني أنّ الفِلسطينيون إرهَابيون، بل أن الفِلسطينيون كانُوا أصحَاب حقّ ومَازالوا، ولذلك كَان يخشَاهم النّظام الرّسمي العَربي والغَربي أيضًا، عِندما اعتمَدوا في أوائل السّبعينات على العَمل الخَارجي ومُحاسبة كُل من يتطَاول على القضيّة الفِلسطينية باعتِبارها قَضية العَرب الأُولى، فكَان ودِيع حَداد وكَانت عمليّة ميونخ، وكَانت عمليّات خَطف الطّائرات، وكَانت عمليّات تَهديد كَثير مِن الشّخصيات التي تتطَاول على الشّعب الفِلسطيني وعلى نِضاله، وكانُوا يدفعُون الأموَال ليس حبًا في الثّورة الفِلسطينية، بل تخوّفا من فتكِها وطُول يَديها، فهروَل الغَرب على رأسِهم ألمانيا لعقد صَفقات أمنيّة مع الثّورة الفِلسطينية تخوّفا مِنها وحَذرًا، وكَذلك بعضُ الأنظِمة العربيّة، أمّا اليوم فرأسُ الهَرم السّياسي الفِلسطيني يعترِف باسرائيل، ومِن هُنا فَهي وَرقة قوّة لمحمد بن سَلمان وغيره، وان كَان يعلَم محمد بن سلمان أنّ الشّعب الفِلسطيني لا يعتَرف بأُوسلو ولا مِن وقّع أُوسلو ولا مَن يُمثل الشّعب الفِلسطيني الآن، فهُو في نِطاق عَدم الشّرعية هُو ونِظامه السّياسي، الشّعب الفِلسطيني والثّورة الفِلسطينية حَددت أهدَافها مِن خِلال مُنطلقاتها فِي الثّورة الفِلسطينية عِندما قَالت:" لا نتدخّل في شُؤون أحَد مَا لم يتدخّل في شُؤوننا" فما بالكُم باليوم، الشّعب الفِلسطيني لا يتدخّل في شؤُون أشقّائه العَرب، ولكنّهم يعتبرُون الشّعب الفِلسطيني ضَعيف يحتَاج لرَغيف الخُبز ولا سِلاح واضِح للدّفاع عَنه ولذلك يتطاولُون عَليه وعَلى حُقوقه، هل يعلَم محمد بن سلمان أنّ الجَيل الفِلسطيني لن يُغفل هذه الخَطايا سَواء لِمن اعترَف باسرَائيل فلسطينيًا أو عربيًا، أو مَن صدّر اليهُود لفِلسطين، محمد بن سلمان في أقوَاله بوَطن قَومي لليهُود في فِلسطين لم يخرُج عن صَفقة القَرن بل اعتُبر هُو بطلُها بَعد ترامب بأموَاله ويُريد أن يكُون هو القُوة الإقليمية والذّراع الطّولى فِي المَنطقة العَربية مع إسرائيل، ويُريد أن يتعدّى على دَور مِصر التّاريخي كَدولة كُبرى وإقليمية ليتطَاول عَلى مسؤُوليتها التّاريخية التي لن تقبلَ بأيّ حَال مِن الأحوَال ما يُهدد أمنَها القَومي والوَطني من خِلال القضيّة الفِلسطينية، ولذَلك إن استَطاع محمد بن سلمان مع القُوى العُظمى أن ينفّذ خارِطته الجَديدة التي تُسمى صَفقة القَرن، فلن يستطيع مَسح العقُول وثقافتها للشّعب السّعودي والشّعب العَربي والشّعب الفِلسطيني أيضًا، هذه حتميّة تَاريخية نقُولها لمحمد بن سلمان.
بقلم/ سميح خلف