لقد بات من الجلي لكل شخص في عالمنا الراحل بأن السفينة الفلسطينة تطفو اليوم على أمواج خطرة تحيط بها من كل جانب، نتيجة أولا وجود الاحتلال والذي يحاصرها من كل جانب، وثانيا الانقسام الذي يحيطها من كل حدب وصوب، وثالثا وجود حكومة مشلولة اليدين لا تقدم ولا تؤخر شيئا، مرورا بالبطالة والفقر ونقص الغذاء والدواء والشراب، عدا عن عربده وتهديدات المستوطنين لشعبنا وقادتنا ومؤسساتتنا ومقدساتنا ليل نهار، والتي تهدد أمن الوطن حاضره ومستقبله في الصميم، مرورا بالفساد الرهيب المستشري في مفاصل بعض المؤسسات والوزارات وهذا الفساد والذي لا يقل خطره عن خطر الاحتلال والإنقسام، مرورا بالصراعات والمهاترات والاتهامات المستمرة بين هذا أو ذاك والذين ينظر أحدهم للآخر بريبة الأعداء ومن منظور الربح والخسارة للمكاسب التي سيحصل عليها، وليس من جانب المخاطر التي تحيط بالوطن، إذا فإن الأخطار تزداد حدة في وطننا، ولا يمكنني أن أعمم هذا الأمر على الجميع لأن في فلسطين رجالا أحرار وشرفاء يرفضون كل دعوة تعمق الجراح والإنقسام أكثر.
لقد كنا نسمع من معلمينا في المدارس، أن الثالوث الخطير الذي يهدد أمن الشعوب وحياتها ومستقبلها هو ثالوث الفقر والجهل والمرض، لكن يوجد في فلسطين اليوم ثالوثا خطيرا آخر أضيف إلى الثالوث الخطير المتعارف عليه هو ثالوث الإنقسام والفساد والتعصب الحزبي والإحتراب الداخلي، ومن حق أي مواطن فلسطيني ينتمي إلى تراب الوطن الفلسطيني، أن يقلق على وطنه وأن يتساءل إلى أين تتجه سفينة فلسطين وأين سترسو؟ وكمواطن بسيط من هذا الشعب ينزف قلبي على وطني وشعبي، حين تتفشى ظاهرة الفساد بشكل كبير، وحين أسمع ويسمع معي الكثير من أبناء الشعب قصصا رهيبة عن هوامير وحيتان الفساد، والآلاف من المشاريع الوهمية والبرامج والامتيازات الخيالية التي أكلت الملايين من أموال الشعب والذي يعيش حالة الفقر المدقع والبطالة المنتشرة في كل مكان، ويتمنى كل فلسطين شريف أن يجد هذه الهوامير والحيتان في أقفاص العدالة لتنال الجزاء العادل الذي تستحقه نتيجة ما ارتكبته بحق هذا الوطن الجريح المنهوب، ولا أدري كيف يحق لمسؤول أكل أموال الشعب ثم يذرف دموع التماسيح على الفقراء والمعدمين ويطالب بإنصافهم !!!. وإنه ما جاء إلى السلطة إلا لإنقاذهم من بؤسهم!!!
إن مشاكل وطننا فلسطين وأزماتها وان بدت معقدة وشائكة إلى حد كبير، إلا إن حلولها متيسرة وممكنة إذا ما توفرت الإرادات القوية والنوايا الصادقة والتوجهات المخلصة لدى المعنيين بشؤون وطننا وأصحاب القرار فيه، سندخل جميعا قوى وفصائل وطنية وإسلامية وكتل برلمانية وأحزاب وشخصيات سياسية من كافة الأطياف والشرائح والاتجاهات، بروح القيادة والإرادة السياسية الجادة في إنهاء الخلاف والدافع الوطني الذي يؤسس لحكومة الشراكة والتفاهم والحكم الرشيد القادر على النهوض بكافة الملفات أمام التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه وطننا وشعبنا في مرحلته الجديدة وعامه الجديد، بلا شروط أو أحاديث استباقية تتنبأ للحوار دون أدنى سبب الفشل أو العراقيل، نتمنى ويتمنى معنا كل شرفاء وأحرار وطننا فلسطين أن تكون الصورة مشرقة ووضاءة ممثلة بإتمام ملف المصالحة وإنهاء الانقسام فورا وتمتين جبهتنا الوطنية الداخلية وتشكيل حكومة وحده من اجل مستقبل مشرق ومزهر.
إن هذا الوطن الجريح الذي فيه آلاف الأرامل والأيتام والمعدمين والمسحوقين والجرحى والفقراء والمعاقين، ويهددهم الانقسام والاحتلال والفساد، بالويل والثبور والقتل والدمار، بحاجة ماسة اليوم إلى الرجال الأحرار الكبار القادرين على لئم جراحه الكثيرة.
بقلم / رامي الغف*
*الإعلامي والباحث السياسي