ما إنْ أعلنَ الفلسطينيون عزمَهم التوجه إلى السياج الحدودي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في ذكرى يوم الأرض ، حتى راحت إسرائيل تعدّ العدّة لمواجهة تلك المسيرات السلمية بالسلاح الثقيل ، ليسقط عشرات الشهداء و مئات الجرحى من أبناء الشعب الفلسطيني الثائر ..
و لعلّ الكثيرين يظنون أنّ تلك التحركات لا تجدي نفعاً ، و لا طائل منها على الإطلاق ، بل إنّ البعض سوّلت له نفسه كي يصفها بأنّ مثل هذه "المغامرات" تهلكةٌ للنفس و مضيعةٌ للوقت ، و بأنّ العين لا تجابه المخرز ..
تلك هي النفوس الضعيفة التي لا شأنَ لها سوى التثبيط و الخبال ، و بث روح الاستسلام و القنوط في صفوف الثائرين ، و كأنّهم صمّوا آذانهم عن تصريحات الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفخاي أدرعي ، الذي أطلّ علينا عشيّةَ تلك المسيرات ، ليُملي على الثائرين مواعظ و فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان ، داعيهم إلى التراجع عن تلك المسيرات و التحركات ، لأنّ حركة حماس لاتريد من هذا الإعلان سوى جر الشباب و النساء و الأطفال إلى المقصلة للمتاجرة بهم على حدّ تعبيره ..
ألا تدلّ تصريحات أدرعي على حالة الهلع التي تسود الأوساط الإسرائيلية جرّاء عزم الفلسطينيين العُزّل التوجه إلى السياج الحدودي مع دولة الاحتلال ؟! ألا يشير ذلك إلى أنّ إسرائيل تأخذ مسيرات العودة على محمل الجدّ و بأنّ ساساتها يعيشون لحظات قاسية جداً خوفاً من تلك التحركات ؟!
هذا ، و إنّ الصحافة الإسرائيلية غصّت بزوايا التحليل و التخبط الذي تعيشه إسرائيل هذه الأيام ، إذ أوردت صحيفة إسرائيل اليوم مقالاً للسياسي الإسرائيلي يوسي بيلين و هو نائب سابق في وزارة الخارجية و وزير قضاء سابق ، و قد قال بيلين في مقاله أنّ مسيرات العودة التي يشهدها قطاع غزة اليوم ، تنبّأ بها القيادي الفلسطيني الراحل فيصل الحسيني عام 1995م ، عندما أبلغ الإسرائيليين قائلاً : يوماً ما ستشهدون توافد الآلاف إلى السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة و دولة كيانكم ، و دخولهم لإسرائيل بدون سلاح ، و سوف يقتل جيشكم المتقدمين في الصفوف الأولى ، و سيبقى المجتمع الدولي صامتاً في طليعة الأمر ، و لكنْ مع تزايد أعداد الشهداء سيتدخل أحرار العالم و لن يبقوا صامتين ..
و أضاف بيلين في مقاله أنّ مسيرات العودة هي سلاح الفلسطينيين السرّي الذي كنا نخشاه ، لأنهم سوف يضحّون بالمئات كي يجبروا العالم على التدخل ، و اليوم و بعد مرور ربع قرن تتحقق نبوءة فيصل الحسيني ، لذلك لابد من الاستنفار ..
كما عبّر بيلين في مقاله عن خشيته من تناقل وسائل الإعلام لحقيقة ما يجري على الحدود مع قطاع غزة ، لأنّ كاميرات التلفزة العالمية سوف تبث المواجهات على الهواء مباشرة ، و سوف يرى الناس ما يجري و بالتالي لن تجد إسرائيل من يتضامن معها ..
و في الصحيفة ذاتِها استذكر الكاتب الإسرائيلي بوعاز مقولة الشاعر الفلسطيني الشهير محمود درويش : اذهبوا ولا تموتوا بيننا ، استذكرها في مشهد إنْ دلّ على شيء فإنه يدل على أنّ النضال الفلسطيني يعيد نفسه بنفسه ، و بأنّ سلاح العدسة و القلم له تأثير كتأثير السلاح في الميادين ، و إلّا لماذا استرجع بوعاز مقولة محمود درويش الآن ؟! و مالذي دفع يوسي بيلين إلى نبش نبوءة فيصل الحسيني في هذا الظرف العصيب ؟! كل ذلك يؤشر على أنّ إسرائيل ليست بخير و أنّ مسيرات العودة بدأت تؤتي أُكُلَها ، و أنّ دماء شهداء العودة لم تذهب رخيصة ، و أنّ محمد أبوعمرو كان على صواب عندما رسم وشمه على شاطئ غزة (أنا راجع) ، ليرجع بعد ذلك إلى موطنه الحقيقي ، إلى جناتٍ و نَهَر ، في مقعدِ صِدقٍ عند مليكٍ مُقتدِر ..
بقلم/ عبد السلام فايز