على مدار سنوات نضالات شعبنا وتضحياته المستمرة والمتواصلة من اجل تحقيق اهدافه المشروعة في الحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على كامل الأراضي المحتلة عام /1967،وتحقيق حق العودة للاجئي شعبنا المشردين في مخيمات اللجوء والمنافي،يستمر هذا الشعب في إجتراح إبداعاته وتطوير أشكال نضالاته إرتباطاً بالظرف والواقع المعاش،ولعل شعبنا عندما تعرض ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير لمحاولة التهميش والإنتقاص من تمثيله لشعبنا الفلسطيني،جاءت انتفاضة الحجر عام 87 لتقول بشكل واضح بأن المنظمة،هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا،وهو من يقرر مصيره وخياراته وأشكال نضالاته،وانه لا وصاية لأحد عليه..وإنتفاضة الحجر ليست هي الإبداع الوحيد لشعبنا،بل في سياق ومجرى ومعمان هذا النضال واصل شعبنا إبداعاته،فالقطاع عندما تعرض للحصار وإغلاق المعابر،لكسر إرادته وتطويعه لحلول تحمل المعنى التصفوي لقضيتنا وحقوقنا،أبدع شعبنا في حفر الأنفاق لكي تكون نافذته على العالم الخارجي،وشريان إدخال المواد الغذائية والتموينية والمستلزمات الحياتية والمعيشية عبر تلك الأنفاق..وفي ظل تصاعد القمع والتنكيل الصهيوني بحق شعبنا واشتداد الهجمة عليه،وخاصة بإستهداف المسجد الأقصى،في محاولة السيطرة عليه وتقسيمه زمانياً ومكانياً،كانت انتفاضة الدهس والسكاكين...وعندما حاول المحتل التقدم بمشروعه السياسي بسحب البساط من تحت أرجل الأوقاف الإسلامية،فيما يخص إدارته والإشراف عليه،كمكان مقدس للمسلمين دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى،وكذلك العمل على إلغاء الوصاية الأردنيةعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية،متذرعاً بالعملية التي نفذت بالقرب من باب حطة،لفرض واقع جديد في الأقصى يتمثل بنصب بوابات الكترونية على مداخله وكاميرات ذكية،تمهد لتحقيق نزع السيادة عن الأقصى،كان الرد بهبة باب الإسباط في الرابع عشر من تموز من العام الماضي والتي انتصر فيها المقدسيون خاصة وشعبنا الفلسطيني عامة على المحتل بصلوات سجاجيدهم المقاومة وبإعتصاماتهم السلمية الشعبية المتواصلة لمدة أربعة عشر يوماً......واليوم في ظل ما يتعرض لها شعبنا من حصار وتجويع وإفقار في قطاع غزة المحتل،وبما يهدد كل مقومات الحياة الأساسية بالإنهيار الكلي،وكذلك في ظل مرحلة ومحطة نوعية فارقة في تاريخ شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية،حيث مشاريع التصفية والشطب والإلغاء لشعبنا وقضيتنا ووجودنا،يجري طبخها من قبل امريكا،والتي كانت دوماً رأس الحية في معاداة شعبنا والتنكر لحقوقه،والخطر هنا بأن هذا المشروع التصفوي المسمى بقضية القرن،صفعة العصر،تشارك فيه اطراف عربية فاعلة،وصلت حد تصريحات البعض للقول بأن لليهود حق تاريخي في أرضهم،وبما يشبه وعد بلفور كما قالت صحيفة "هارتس" العبرية مشيدة يتصريحات ولي العهد السعودي بن سلمان لصحيفة "ذي اتلانتيك" الأمريكية.
ومشروع صفقة القرن التصفوي،بدت ملامحه واضحة من خلال إنتقال الولايات المتحدة الأمريكية الى المشاركة الفعلية الى جانب العدو الصهيوني بالعدوان على شعبنا بإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال،وكذلك العمل على شطب حق العودة ومنع توريث اللاجىء عبر تصفية وكالة الغوث واللاجئين وتجفيف مواردها المالية،وكذلك بمرور سبعين عاماً على نكبة شعبنا،واختيار هذا اليوم من قبل الإدارة الأمريكية،إمعاناً في إذلال شعبنا والمس بكرامته والتطاول على حقوقه، موعداً للإحتفال بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس.
جمعة " الصمود والتحدي" وجمعة " الكاتشوك" والزحف البشري السلمي نحو الحدود الشرقية لقطاع غزة لتحقيق حق العودة لشعبنا،الذي كفلته الشرائع الدولية وفق القرار الأممي (194)،هي ترسل رسالة واضحة للمجتمع الدولي،بانه لا امن ولا إستقرار في المنطقة دون تحقيق حق شعبنا في العودة،وهي رسالة تقول للعالم انتم متواطئين مع دولة الإحتلال،ومعايركم مزدوجة وإنتقائية،وقراراتكم لا تحتمل التنفيذ سوى على العرب والمسلمين،كما انها تقول بشكل واضح،لن تمر أي خطة تصفوية إلا على جثث شعبنا،وانه لا يمتلك التقرير له أياً كان ومهما كان موقعه ودوره،وهي رسالة للمحتل بان نبض المقاومة ما زال حي في عروق شعبنا،وبان النظريات الصهيونية القائمة على نفي الوجود الفلسطيني،من طراز"صغارنا يموتون وكبارنا ينسون" "أين هو الشعب الفلسطيني"..؟؟ تثبت فشلها الذريع في ظل هذه الحشود الجماهيرية الكبيرة،والتي تحمل مفاتيح عودتها وتتشبث بأرضها وحقوقها.
هذه المسيرات الجماهيرية الشعبية السلمية،تربك جيش حكومة الإحتلال في كيفية التعامل معها،وهي تعريه وتفضحه امام العالم،ولذلك لجأ الى بث الكذب والتضليل عن هذه المسيرات،بانها مسيسة من قبل حركة حماس،وبأن هدفها تمكين الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية من شن عدوان على مغتصبات الإحتلال،ولذلك الإحتلال عمد الى مواجهتها بالرصاص الحي،لكي يردع جماهير شعبنا ويبث وينشر الرعب في أوساطها،لكي تحجم عن المشاركة الواسعة في تلك المسيرات،ولذلك سقط عشرين شهيداً واكثر من 1416 جريحاً في جمعة " الصمود والتحدي"،اما في جمعة " الكاتشوك"، التي ستنطلق اليوم،فلم تتجند دولة الإحتلال واجهزتها الأمنية والعسكرية والسياسية ووسائل اعلامها وصحفييها للتحريض ضدها فقط،حيث حاول الناطق بلسان جيش الإحتلال "أفيخاي درعي" التباكي على البيئة والصحة وخصوبة رجالنا في القطاع،متناسياً ما تقوم به دولته من إجرام بحق شعبنا عبر الحصار والتجويع وضخ المياه العادمة ومياه الصرف الصحي لمستوطنات قطاع غزة تجاه أرض القطاع المحاصر،وكأن ما استخدمه جيش الإحتلال من أسلحة محرمة دولياً وفسفور أبيض،هي رسائل حب لأهلنا وشعبنا في القطاع،ولا تلوث وتدمر البيئة وتقضي على خصوبة الرجال.
والمتصهينة الأمريكية نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة المعادية لحقوق شعبنا الفلسطيني،تجندت لصالح الإحتلال،ودعت الأمم المتحدة لمنع الفلسطينيين من إحراق "الكاتشوك" وطالبت منظمة " اليونسف" بإصدار بيان حول ذلك.
مسيرات العودة الكبرى والتي إنطلقت من القطاع،مسيرة " الصمود والتحدي" ومسيرة " الكاتشوك"،ترسلان رسائل واضحة بأن شعبنا لن يتنازل عن حق العودة،والوعي بحقوق شعبنا يتجذر في وعي وذاكرة أبناء شعبنا،وبأن العالم لن ينعم بالأمن والإستقرار،ما دام شعبنا لاجىء ومشرد،مغتصبة أرضه وحقوقه.
هي مسيرات سلمية شعبية جماهيرية،يجب ان نحافظ على طابعها السلمي،لكي لا نعطي المبرر للمحتل لقمعها وارتكاب المجازر بحق شعبنا،ولكي نستقطب المزيد من الأصدقاء والرأي العام المناصر لنا على الصعيد الدولي،وهي كالمرجل تغلي،وكما هو الحداد النافخ في الكور، ستصل حتماً الى لحظة الإنفجار الشعبي الشامل الذي سيتجاوز حدود فلسطين الى ارحب وأسع فضاء عربي- إسلامي – إقليمي وعالمي.
مسيرات نأمل أن تجسر الهوة بين طرفي الإنقسام،وان تمهد لإستعادة وحدتنا السياسية الشاملة،وكذلك الوحدة الجغرافية والإدارية.
بقلم/ راسم عبيدات