لم يستطيع مجلس الامن اتخاذ أي قرار خارج ارادة واشنطن لإدانة جرائم الاحتلال بحق المتظاهرين المدنيين حتى الان في دلالة مؤكدة ان الولايات المتحدة تهيمن على هذه المؤسسة الدولية الهامة ولا تريد ان تتركها تمارس دورا حياديا وشفافا في حل النزاعات الدولية وفرض حالة من الامن والاستقرار في كافة ارجاء العالم دون العمل حسب سياسة الولايات المتحدة كقطب مركزي يدير العالم وخاصة منطقة الشرق الاوسط. للمرة الثانية تفشل الولايات المتحدة قرارا يدين ارتكاب اسرائيل مجازر مقصودة ضد المدنيين الفلسطينيين الذين يتظاهرون سلميا ايام الجمع على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة منذ احياء ذكري يوم الارض واحتجاجا على سياسة الولايات المتحدة الداعية لنقل السفارة الامريكية الى القدس عاصمة الفلسطينيين الابدية. ولم تتمكن الدول الاربع عشر دون الولايات المتحدة من الحفاظ على حيادية المجلس بالرغم من وضوح الجريمة واستمرار ارتكابها من قبل كيان عضو بالمجلس مازال يمارس الاحتلال والقهر واستيطان اراضي الغير بالقوة المسلحة ولم يستطع انهاء الاحتلال الذي قارب على سبع عقود من الزمان ومازال مستمرا ، نعم لم يستطع مجلس الامن ان يحمي "الحق في الاحتجاج السلمي" اليوم ولم يعرب عن "أسفه لفقد أرواح الفلسطينيين الأبرياء لان الولايات المتحدة لا تريد ذلك .
لو سقط هذا العدد من الجرحى وارتقي هذا العدد من الشهداء في تظاهرة للشعب عربي ضد النظام الحاكم لقامت لدنيا ولم تقعد ولأنتفض ترمب في داخل البيت الابيض ولخرجت اليهودية "نيكي هايلي" تطالب مجلس الامن بإدانة ذلك بأقسى العبارات واشد المطالبات ولكان مجلس الامن اتخذ قرارا عاجلا بمطالبة السلطة الحاكمة هناك استقبال لجنة تحقيق دولية تشرف عليها الامم المتحدة لاستقصاء الحدث وتقديم التقارير اللازمة , شيئا يدعو للعجب عندما تتعلق المسالة بالتظاهر رفضا للاحتلال الاسرائيلي الغير شرعي فلا صوت لواشنطن غير ان اسرائيل لها الحق في حماية حدودها ولا قرارا لمجلس الامن لان الولايات المتحدة تفرض سلطة مهيمنة على كل القرارات التي يمكن ان تدين سلطة الاحتلال الاسرائيلي باعتبارها سلطة محتلة وتلزمها باحترام مواد القانون الدولي وقوانين حقوق الانسان ومعاهدات جنيف الاربع الداعية لتوفير الامن والحماية للمدنيين ومن الحرب وتحت الاحتلال.
لقد اصبح مؤكدا ان اسرائيل قد حصلت منذ زمن وليس الان على غطاء امريكي لجرائمها واعداماتها الميدانية وهدمها لبيوت الفلسطينيين وتشريدهم واستخدام سياسة التميز العنصري في فلسطين واخذت غطاء بالإفلات من المحاسبة على كل تلك الجرائم بسبب الحماية الامريكية التي فرضتها حالة الصمت العربي والادانات الوهمية التي تأتي على استحياء ,ليس من المتوقع ان يتدخل العرب بأكثر من الإدانة ولن تخرج قمتهم المنتظرة بأكثر من بيان ادانة لجرائم الاحتلال والتأكيد قولا ان القدس عربية وعاصمة فلسطين , كلاما على ورق والطاولة تشهد ان تلك البيانات فقط لتخدير ضمائر الشعوب, فلا توقف عن الارتماء في احضان الامريكان وطلب الحماية واغداق المال علي مؤسسات امريكا العسكرية مقابل صفقات سلاح يتقوى بها العرب على بعضهم . لن يتدخل العرب ولن يتدخل العالم الا اذا سمحت امريكا او ازداد ضغط الشعوب الحرة على تلك الحكومات , يبدو ان العالم اعتبر الصمت اعتراض على تلك السياسة ولا صوت يسمع في ارجاء الانسانية الا الصوت الامريكي الداعم للسياسات اسرائيل وقمعها اليومي للمدنيين الفلسطينيين , صوت للاتحاد الاوروبي فاترا لم يقوي بعد وصوت كل تلك الدول التي تتكدس قوانين حقوق الانسان في مؤسساتها مازال اقل من المطلوب لحماية حق الفلسطينيين في الحياة وحتي حقهم في التعبير عن انفسهم والاعتراض على سياسة السجان أي المحتل الاسرائيلي وتحويل قطاع غزة الى اكبر سجن في الهواء منذ اكثر من عشرة سنوات يحتجز فيه اكثر من مليوني فلسطيني في ظروف معيشية غاية في الا انسانية وتدني في التمتع بأهم الحقوق الاساسية واولها الحق في الحياة والسفر والتنقل والحصول على حقوق.
السؤال بات ملحا اليوم متي يتدخل العالم فعليا..؟ ويوقف هذا الجبروت ويحاسب قادة الاحتلال ويعترف بحق الفلسطينيين في الوجود على ارضهم ويحمي حياتهم وتاريخهم , لا اعتقد ان العالم الافتراضي الرسمي يمكن ان يتحرك بأكثر من تلك الادانات ويتدخل دون ان تتحرك الشوارع ولن تتحرك الشوارع الا اذا ازداد القتل الاسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين واصبح بالعشرات للتتحرك مشاعر وضمائر الشعوب الحرة وتنزل الى الشوارع بالملايين محتجين في وجه حكوماتهم مطالبين اياهم بالتدخل لوقف مجازر الاحتلال وتعلوا اصواتهم في الميادين وامام سفارات اسرائيل مطالبين السفراء بالرحيل ووقف كل اشكال التعامل معهم , هنا يمكن ان تجبر اسرائيل على الامتثال للقانون الدولي واحترامه وبالتالي تحترم حق الفلسطينيين في الحياة , واتمني ان يكون تدخل العالم على شكل مقاضاة قادة الاحتلال ومحاكمتهم وسحبهم الى قفص جرائم الحرب امام المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية وملاحقتهم في كل العواصم وفرض العقوبات علي الكيانات التي تتعامل مع اسرائيل وامريكا التي وفرت الغطاء لجرائم اسرائيل الا انسانية بحق المدنيين الفلسطينيين . نعم قد يتدخل العالم عندما يذهب المئات من الابرياء الفلسطينيين المتظاهرين سلميا واعتقد ان العالم سيتدخل بسرعة عندما يجتاح الفلسطينيين في غزة السياج الحدودي ويلتحم الرجال والنساء والاطفال مع جنود الاحتلال بالأيدي والسلاح الابيض ويسقط المئات من الضحايا وتفقد اسرائيل السيطرة على السيل البشري المتدفق الى اراضيها وتستنجد بالعالم ليتوقف ذلك باي ثمن.
بقلم/ د. هاني العقاد