دعهم يعيشون في اللالالاند.. ودعنا نعيش الواقع !!

بقلم: اماني القرم

لا عجب في أننا كشعب وقضية نمثل دوماً إزعاجاً لدى الآخرين وصداعاً مستمراً ينغص أمنهم ومخططاتهم ومصالحهم ..فنحن مرآة ضمائرهم ونواقصهم وجبنهم.. وما أحلى العالم بنظرهم حين نكون صامتين منهكين مستسلمين.. وهؤلاء الآخرون كثر في العالم ولست بصدد تسميتهم، فربما هم عندي غير الذين عندكم، فلكم أن تسمّوهم وتعدّدوهم كيفما شئتم حسب أهوائكم وانتماءاتكم.. وكيف لا ونحن أصلاً منقسمين داخل البيت الواحد وطريقنا ليس بواحد!!

غابت القضية الفلسطينية كعنوان رئيسي طوال السنوات السابقة بفعلنا وبفعل الآخرين. فأما نحن غرقنا في  وحل الفئوية المخزية نتصارع على الوهم ونشحذ الأسنة لبعضنا ومازلنا للأسف.. وأما الآخرين فاستغلوا انهيار المنظومة العربية والقومية وسقوطها في براثن عفونة الطائفية وتخيلواأنهم ارتاحوا وأننا ضائعون .. هالكون في الأبد البارد .. ولكننا مناضلون جُبلنا على النضال فعدنا وجئنا مع الرياح السوداء كما يجيء المارد ..

عجيب أمر الناس الذين يقطنون قطعة الأرض المستطيلة هذه الواقعة على البحر المتوسط والمسمّاة غزة.. لا يكلّون ولا يتعبون.. يقصفوهم ويقتلوهم ويرجعون .. يحاصروهم ويخنقوهم ويتحملون .. ماذا يوجد هنا شديد الحياة كي تبقوا؟ فالأمر أشبه بخزان كنفاني في رائعته "رجال في الشمس" مع الفارق أن الناس في غزة لا ينفكّوا يدقون جدران الخزان..رغم أن الساكنين خارجه يعيشون في اللالالاند حيث لا أذن تسمع ولاعين ترى إلا أوهام بأننا مُتنا..

خلال الأسبوعين الماضيين تصدر الإبداع الفلسطيني المتمثل في مسيرات سلمية شعبية العنوان الرئيسي في مختلف وكالات الأنباء العالمية،فعاد الصداع مرة أخرى لهؤلاء الآخرين والمراهنين على الحصان الخاسر، وخرجت العبارات البليغة المنمقة من مخابئها التي تفتح بانتظام عند كل إزعاجٍ يصدر منا  جراء استشهاد شبابنا أو مطالباتنا بحقوقنا .. مع العلم أننا نحاول أن نفهمهم بأننا لسنا السبب، ربما نخطئ وإن كان خير الخطّائين التوابين فنحن لا نريد هذه التوبة ...

لماذا لا يستطيعون السمع أن المسيرات في غزة ليست حماس وليست فتح وليست أي أحد .. انها الشعب المحاصر .. مبادرة خلاقة من شبان لإسماع صوتهم بأننا هنا نعيش الواقع المر ونصنع التاريخ والحدث حين نريد..

ختاماً أنفجر من الضحك حين أسمع تذمر أحدهم منتلوث البيئة في غزة جراء حرق الكاوتشوك...معه حق فهو لم يعش في غزة ..لميشم رائحة الموتورات ولم يسمع ضجيجها اليومي بسبب الساعات الطويلة لقطع الكهرباء..أو رائحة النفايات جراء الاضرابات المتكررة لعاملي النظافة لعدم حصولهم على رواتبهم ..أو مشكلات الصرف الصحي ومياه البحر الملوثة ..أوالتربة المشبعة بصواريخ اسرائيل..  ولم يحضر القصف الاسرائيلي بالقنابل الفوسفورية واليورانيوم المخضب والغازات الغريبة..معه حق فهو يعيش في اللالالاند ونحن نعيش في غزة ..

بقلم/ د. أماني القرم