سياسة الرفض ... وتجربة التاريخ

بقلم: وفيق زنداح

لا يعني عنوان المقال أنني ضد ثقافة الرفض الايجابي ...او ضد سياسة الرفض السياسي أو حتى الرفض الاجتماعي والثقافي ... اذا كانت هذه الثقافة والسياسة باتجاه تصويب المسار ... وتعزيز الوحدة ... وبالاتجاه الايجابي ... وليس السلبي ... خاصة ان ما يحدد المواقف ... ظروف المرحلة ومعطياتها ... وحالنا التي وصلنا اليه ... وحالة التباعد والاختلاف الذي لا طائل منه ... او عائد من وراءه ... او نتيجة ايجابية يمكن تحقيقها ... بل نرى ونلمس عبر سياسة الرفض .... وما يحدد بعض السياسات ... وبحكم تجربة تاريخية ... لا ندعي فيها ... ولا نزاود من خلالها ... ولا نحاول الصاق الاتهامات بالبعض من خلالها ... ممن يعشقون الرفض دون طرح البديل .. وممن يختلقون الازمات دون ايجاد الحلول لها ... وممن لا زالوا على قراءتهم السياسية التي طال أمدها ... وأصبحت من مجمدات الواقع والعلاقات السياسية .. والمتغيرات الداخلية .
أخيرا أصدرت الجبهة الشعبية بعد لقاء القاهرة مع حركة فتح
... قرارا بعدم المشاركة بالمجلس الوطني ... مع افساح المجال للنقابات والاتحادات الشعبية والنقابية بالمشاركة ... ولا أعرف حقيقة المنطلقات التي اوصلت الى هذه النتيجة الرافضة للمشاركة ... ومع الاختلاف في رفض فصيل من فصائل المنظمة ... عن رفض فصائل العمل الاسلامي حماس والجهاد الاسلامي بحكم عدم عضويتهم بمؤسسات منظمة التحرير ... وبالتالي ليس لهم صفة قانونية ... وحضورهم ... كما غيابهم رغم تمنياتنا الدائمة بأن يكون الجميع ضمن اطار المنظنة ومؤسساتها وبرنامجها السياسي ... حتى نظهر بالصورة المثلى ... وحتى نعمل بكافة الطاقات الوطنية ... وحتى نتمكن من انجاز مشروعنا الوطني التحرري .
بكل صراحة أقول ... أن هناك من يرفض لتسليط الضوء عليه بأكثر مما له على واقع الارض من قوة وتأثير ... لكنه الرفض ذات الصدى الاعلامي ... الذي يجعل من أي فصيل صغير أو كبير مضخما بوسائل الاعلام ... كما هو مضخما بحديث الناس وكتاب المقال والمحللين السياسيين ... الذين يعرفون حقيقة وقدر كل فصيل ... وما يمتلك من مساحة التاثير ... والفعل الملموس .
حديثي لا يعني انني ضد سياسة الرفض ... ولكنني مع سياسة القبول الايجابي ... الذي لا يخل بالميزان ... ولا يؤثر بالسلب على حقوق هذا الفصيل أو ذاك ... بل بالعكس تماما ... فان بالمشاركة حتى وان كانت ليست بالقدر الذي يضيف الكثير ... لكنها المشاركة التي تظهر مدى الحرص والتكاتف والوحدة ... وروح المسؤولية الوطنية والتاريخية ... فأيهما أصعب أن تشارك الجبهة الشعبية بالمجلس الوطني المنعقد بنهاية الشهر الحالي برام الله ... عن مشاركة الجبهة الشعبية بالمؤتمر التاسع عشر للمجلس الوطني بالجزائر وقبول القرار 242 و اعلان وثيقة الاستقلال ... والتي لا تنسجم مع مواقف برنامج الجبهة السياسية ... لكنها كانت المشاركة والقبول بما يشبه الاعتراض الايجابي ... الذي فتح الافاق وعزز من الخطوات السياسية ... وأدخل القضية الفلسطينية في معترك السياسة الدولية ... ما بعد الخروج من بيروت وحصار منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها سياسيا وماليا ... والتجربة التاريخية لمن اعترض وخرج واعتراف بالخطأ .... يعبر عن شجاعة بالموقف حسبت له ... تحسب عليه .
لكننا وللاسف الشديد لا نتعلم من تجارب التاريخ ... والمواقف السابقة وما كان منها صحيحا وصائبا ... وما كان منها سلبيا وخاطئا ... لاعتبارات عديدة ... أننا قد وصلنا من خلال منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها المجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية الى نقطة البقاء والثبات والانجاز ... والامساك بالقضية ... والتحرك على الساحة الدولية ومن خلال المنابر والمؤسسات وعضويتها ومن خلال السفارات والقنصليات والممثليات وانتشارها على مستوى العالم .
ما نحن عليه سياسيا ... وما تحقق من نتائج ايجابية وقرارات أممية أفضل بكثير ... وأكثر تأثيرا ايجابيا من حالة الرفض وسياسته ... والتي تقترب الى العدمية والتي لا طائل منها ولا عائد يمكن أن يحقق المزيد من المكاسب السياسية .... بل على العكس تماما فأن هناك بعض المواقف التي تستغل بصورة سلبية ... وتحسب علينا ولا تحسب لنا .
نحن نعرف السياسة وحساباتها ... كما نعرف قيمة التحرك السياسي والدبلوماسي ... كما نعرف سياسة الرفض الايجابي او المعارضة الايجابية ... وما يمكن ان تحققه من نتائج وفوائد ... ولكننا وللاسف الشديد لا نحسن من استخدام المعارضة ... ونجعلها حملا ثقيلا علينا ... ليست تخفيفا لمصاعب احوالنا وتعقيدات مشهدنا السياسي .
هذه التجربة التاريخية وحتى يومنا هذا ... والتي يطول الشرح والتفصيل بمحطاتها ونتائجها السلبية ... انما تؤكد على حقيقة واحدة أن المعارضة الايجابية مسألة ضرورية ... على أن تكون داخل مؤسسات الشرعية الوطنية وليست خارجها ... لان من يرفض وهو خارج المؤسسات .... لا يراه أحد ولكن بالامكان استغلاله ... واستخدامه لحسابات سياسية لا تعمل لصالحنا ... ولا تخدم قضيتنا .... ولا تجعلنا نتقدم خطوة واحدة للامام .

الكاتب : وفيق زنداح