قرأت بيان حركة حماس لعدة مرات ..... والذي تم اصداره مساء الخميس الماضي..... بعد انتهاء لقاء وفدها برئاسة صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس والوفد المرافق له ...مع الوزير عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية .
قرأتي للبيان ولعدة مرات .....أردت أن أبحث عن ما هو جديد بموقف حماس ..... وما هو مستجد على طريق المصالحة ....وما هو جديد بقراءة حركة حماس لما يجري من متغيرات ..... وما يعيشه قطاع غزة من ظروف قاهرة بائسة ويائسة نتيجة لعوامل عديدة ....يكثر الحديث حولها حول الفقر والمرض والبطالة ...والبنية التحتية المدمرة ...والخدمات المفقودة ..... وحالة الناس التي أصبحت لا تطاق ....والتي يصعب الحديث حولها وتصوير تفاصيلها .... وعناوينها ...من خلال مقال أو تحليل سياسي .
اضافة لما ينتج من الحالة الداخلية الفلسطينية الانقسامية من ضعف لمقومات الصمود ..... ومن تشتت للمواقف .... ومن قوة اضافية لعدو مجرم ....ينال من شبابنا ومن أطفالنا ....ويقوم بقتلهم بدم بارد ..... وحتى عملية الاغتيال التي جرت بماليزيا للباحث الفلسطيني الدكتور فادي البطش الذي وصلت اليه يد الغدر والخيانة ...لتنال من روحه الطاهرة من خلال جريمة نكراء ومدانة وجبانة ...فالي رحمة الله وجنات الخلد مع الشهداء والصديقين والابرار .
بيان حركة حماس كان فضفاضا وعاما ..... وغير مكتمل.... ولا يعبر عن لقاء جاد .... وقضايا تم طرحها ...ورسائل تم ايصالها ... ونتائج لابد من تحقيقها .... فالحديث الذي جاء بالبيان عن لقاء ساده أجواء الصراحة والوضوح ..... وفي أجواء ايجابية كلام دبلوماسي .... يجري الحديث فيه ....والكتابة عنه .... ما بعد كل لقاء سياسي ما بين زعماء الدول ....... كما جاء ببيان حماس أنهم يثمنون الموقف المصري ....وهذا الكلام معروفا ومؤكدا .... بالماضي وفي الواقع.... وسيبقي بالمستقبل.... وهو موثق بالتاريخ ومعروف للجميع .... حول موقف الشقيقة مصر ومساندتها ودعمها الدائم .....وعلاقاتها مع الجميع وعلى مسافة واحدة لأجل أهداف نبيلة ....وغايات وطنية وقومية .....يراد من ورائها وحدة الشعب الفلسطيني ....ونظامه السياسي بما يحقق الامن والاستقرار ....على طريق تحقيق اقامة الدولة الفلسطينية ... وعاصمتها القدس.
لم أقرأ بالبيان الصادر عن حماس أي شيء جديد ..... أو أي شيء مفرح ....يمكن أن يعزز الآمال ...ويبعث على الارتياح ....ويجعلنا نشعر أن القوي السياسية قد استخلصت العبر .... واستفادت من التجربة القاسية والمريرة .....وأن الانقسام الاسود قد أعاد العقول لأصحابها ....والضمائر الميته لصحوتها ....والقلوب السوداء عودة لحب الوطن ووحدته ..... وحريه شعبه .
أن يأتي بالبيان عن العودة فهذا شيء جميل ..... لكننا نتحدث عن العودة منذ أكثر من 7 عقود.... فهل نحن ننتظر العودة حتى تتحقق المصالحة ؟! .....شكر حركة حماس للمخابرات العامة المصرية التي تعمل على تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني ....فيه من المغالطة التاريخية والوطنية.... لأن الشعب الفلسطيني بطبيعته موحد .... ولا يحتاج الي الاشارة حول وحدته .... الموجودة أصلا ....كما لا يحتاج الامر لتأكيد الموقف المصري التاريخي ....والذي يعمل من أجل فلسطين وأهلها .... ووحدة شعبها وأرضها وقيادتها السياسية .
نحن أمام أمر واضح ومباشر ..... له علاقة بأحداث يونيو السوداء بالعام ....2007 والتي تم فيها السيطرة من قبل حماس على مقاليد السلطة.... دون مبرر أو سند قانوني ووطني ....وما بعد 11 عام من فشل حماس بحكم القطاع ....وما نتج من أزمات وكوارث .....ضد مصلحة القضية والشعب ومسيرة التحرير .... والعودة .
يجب تمكين حكومة التوافق ....وعودة السلطة الوطنية لبسط سيطرتها ....وتنفيذ مهامها ومسئولياتها .... وحتى تتحمل كافة المسئوليات ازاء الشعب الفلسطيني بالمحافظات الجنوبية ....كما المحافظات الشمالية .
القضية اسهل بكثير مما يحاول البعض تعقيدها ....وتشابك مشهدها..... هذا اذا كانت النوايا حسنة ....والارادة خالصة .... والتوجهات وطنية .... وليس لحساب أجندات خارجية .
المصالحة بقرار..... وليس من خلال اتفاقيات عمرها سنوات ...وبملفات عديدة .... تحتاج الي سنوات لتنفيذها ....وفيها من الموانع والتعجيز .....ما يمكن أن يفجر أن مصالحة ممكنه .
الواقع الداخلي في قطاع غزة لا يحتمل المزيد من الاطالة المصنعة .... ولا يحتاج الي المزيد من وضع العراقيل والمطبات ....في ظل حالة مأساوية ..كارثية .... وصلت بالناس الي حد الجوع .... وعدم توفر المياه والكهرباء ...وتدمير البنية التحتية ....وعدم امكانية علاج المرضي ..... وعدم توفر الرواتب ....شلل كامل باسواق القطاع .... وبكافة المهن .... والي درجة الافلاس والانهيار الاقتصادي .... والذي يصعب على الناس بكافة شرائحهم ومستوياتهم الاجتماعية .... من امكانية العيش بكرامة انسانية .... في ظل بطالة تزداد بصورة متسارعة ...... أوصلت المجتمع الغزي الي حالة من الجمود والانهيار بمنظوماته الاقتصادية والاجتماعية ..... وكأن كتاب البيان لا يعيشون بالقطاع ولا يعرفون عن تفاصيل الحياة بداخله ....ولا يتابعون حالات الادمان والانتحار والضغوط النفسية ....وسقوط العديد من المنظومات الاخلاقية والاجتماعية ..... والتي تحتاج الي سنوات طويلة لايجاد العلاج لها والشفاء من أثارها .... وازاحة نتائجها الوخيمة ......أجيال عديدة وبعشرات الالاف والذين لا يجدون من يتحدث عنهم ....والذين حصلوا على شهاداتهم العلمية والاكاديمية والمهنية ..... وهم دون عمل ... ودون دخل ... ودون مستقبل ....فمن يتحمل مسئوليتهم ؟!.
كنت أأمل..... ولا زال يراودني الامل.... ان تعيد حركة حماس حساباتها السياسية الوطنية والوحدوية ..... بميزان وطني خالص ....لا يعتمد على حسابات خارجية ....ولا يعتمد على أوهام متغيرات داخلية..... لقد كانت تجربة حماس ومنذ سنوات ..... قد أكدت لها الكثير من الاستخلاصات والدروس المستفادة ..... وحماس حركة ذكية..... فيها من القدرات والامكانيات ...كما فيها من الباحثين والدارسين ما يمكنهم من القراءة التحليلية ...والمراجعة المتأنية....والاستخلاصات الوطنية الخالصة .
حماس .... لا يجب أن تتعجل امرها ....وأن تسارع في تحقيق أهدافها .... لأن السرعة التي لا تعتمد على خطوات مدروسة .... وأرضية صالحة .... وأجواء سياسية داعمة ..... تصبح خطوات وقفزات بالهواء ..... وبالونات اختبار .....لا يخرج عنها الا المزيد من الكلام والجدل والمناكفة....وتعميق للخلاف والانقسام .
بامكان حركة حماس كما هو الواقع ....أن تحكم وتسيطر دون قانون وشرعية ل 2 مليون فلسطيني ....ولكن سيبقي السؤال أمام حماس الي متي يمكن أن تستمر بالحكم ...دون توفر مقوماته ومتطلباته وأدواته ؟؟!!.
أدرك جيدا أن حماس بمحاولة الاطالة والتمادي بالوقت ..... أن تحقق المزيد من المكاسب ....الا أن الأيام ما بين 2007 واليوم ونحن بالعام 2018.....لن توفر لحماس تحقيق مكاسب ..... سياسية أو ميدانية أو جماهيرية من خلال سلطة الامر الواقع .... بل عليها أن تتحلي بالواقعية السياسية ....والقبول الوطني .... وعدم المكابرة .....على أرضية التعبئة التنظيمية ....والمتشددين بداخلها ....والغاضبين من توجهات المصالحة .
نأمل على الدوام أن تعيد حماس حساباتها السياسية الوطنية ....وأن ترتب أولوياتها .....بما يعزز من مقومات قوتنا ....وصلابة جبهتنا الداخلية ..... فالعودة والتحرير ....أهداف وطنية ثابتة..... لكنها لا تتحقق بما يجري على مدار الاسابيع الماضية.... وما يسقط من شهداء وجرحي نعتز بهم ....وبتضحياتهم ...كما نعتز بكافة المشاركين الغاضبين والمطالبين بالحقوق .... والعودة ...لكننا في ذات الوقت نريد أن نرتب أولوياتنا الوطنية .... وأن لا نخلط الاوراق..... لحسابات تنظيمية ضيقة .... لأن بمثل هذه الحالة ستكون النتائج ليس كما نأمل .... كما لن تكون بمستوي التضحيات المقدمة حتى الان .
بقلم/ وفيق زنداح