بينمَا حذّرت اليَابَان عَن طَريق وزِير دِفاعها ايتسو نوري بأنّ الوَقت غَير مُناسِب لتخفِيف الضّغط عن كُوريا الشّمالية باعتِبارهَا أنّها تُهدّد أمن آسيا بأسلِحتها النّووية والبلاستية، يُرحّب الرّئيس الأمرِيكي ترامب فِي تغريدةٍ له على تويتر بأنّ كُوريا الشّمالية وافقَت على تَعليق جَميع التّجارب النّووية وإغلاق مَوقع شَمَال البِلاد بأّنه نَبأ "سَار جدًا للعالم، وتقدّم كَبير ونتطلّع لقمّتنا المُرتقبة فِي غُضون أسَابيع، وأكّدت وكَالة الأنبَاء الكُورية الشّمالية عَلى لِسان زَعيمها كِيم جُونج اون بأنه إعتبارًا مِن 21 إبريل ستوقِف كُوريا الشّمالية التّجارب النّووية وإطلاق الصّواريخ البالستية العَابرة للقارّات، واصِفًا بلاده بأنّها ليست بِحاجة لإجرَاء مِثل تلك التّجارب الآن بَعد التّحقق مِن فَعاليّتها.
أمّا اليَابان مَازالَت تتخوّف مِن أسلِحة الدّمار الشّامل والصّواريخ الكُورية وتَرى أنّ الوَقت الآن غَير مُناسب للإنفِتاح عَلى كُوريا الشّمالية.
أنشِئ النّظام الكُوري الشّمالي كنِظام شُمولي ستاليني، ويقُوده حِزب واحِد تَحت مُسمّى الجَبهة الدّيمقراطية لإعَادة توحِيد كُوريا والذي يتزعّمه كِيم جُونج اون وهُو حَفيد الزّعيم التّاريخي لكُوريا الشّمالية كِيم ايل سونج، وتعتمِد أيدُولوجية البٍلاد على الإكتِفاء الذّاتي والإعتِماد عَلى الذّات. شِبه الجَزيرة الكُورية كَانت مُحتلة مِن قِبل اليَابان بَعد هَزيمة رُوسيا فِي حَربها مَع اليَابان عَام 1905م والتي انتهَت بهَزيمة رُوسيا القيصَرية، بقيت شِبه الجَزيرة الكُورية تَحت الإحتِلال اليَاباني حَتى قُرب نِهاية الحَرب العَالمية الثّانية عَام 1945م، فقامَت كُل مِن الدّولتين المُنتصرتين في الحَرب رُوسيا وأميركا باقتسامِها، ولكن الحَرب الكُورية اشتعَلت عَام 1950م وأنتجَت وخلّفت نِظامين، نِظام في كُوريا الشّمالية ونِظام فِي كُوريا الجَنوبية، أحدُهما يتبنّى النّظرية الإشتراكية والآخَر يتبنّى النّظرية الرأسمَالية، ويُذكّرنا ذلك ببرلين الشّرقية وبرلين الغَربية. استمرّت الحَرب الكُورية ثَلاث سَنوات نَتج عَنها هُدنة وحَالة طَوارئ وحَالة حَرب بين البَلدين وصِراع فِي التّسلح، انسَحبت كُوريا الشّمالية مِن الهُدنة عَام 2009م وبدأت بشَكل حثِيث بتطوِير أسلِحتها الإستراتيجيّة، تعتمِد كُوريا الشّمالية فِي عُزلتها مِن قِبل الغَرب عَلى صَداقتِها المَتينة بالصّين ورُوسيا، وفِيما بَعد إيران، ومِن ألدّ أعدَائها اليَابان وأمِيركا، تَعتبر أمِيركا التّقدم التكنُولوجي الكُوري الشّمالي فِي المَجال النّووي والصّواريخ البَالستية تهديدًا للوِلايات الأمرِيكية المُختلفة التي تقَع بجِوارها وتُهدد الأمن القَومي الأمريكي كَما تصِف أميركا بأنّها تُهددّ السّلم الدّولي.
التقَارب المُفاجئ بَعد التّهديد والتّلويح باستِعمال القُوة وتدمِير بَعض الوِلايات الأمرِيكية مِن قبل الصّواريخ الكُورية، وتهديد نِظام كُوريا الشّمالية وفِي الزّيارة الأخِيرة للرّئيس ترامب للصّين حَدث الغَزل بين ترامب والزّعيم الكُوري حَيث قَال ترامب إنني أحِب هَذا الرّجل وأتوق لصَداقته، ماذا تغيّر؟ ولمَاذا هَذا التغيّر المُفاجئ لدى النّظام الكُوري الشّمالي؟ أهُو ضَغط صِيني له بُعد إقتصَادي أو توافُق إقتصَادي أميركِي قَد يقَع النّظام الكُوري فِي الفَخ باعتبَار أن كُوريا تعتمِد في انفتاحِها على الصّين، أمّا أميركا ماذا تغيّر فِيها؟ الصّراع مَع الوِلايات المُتحدة الأمريكيّة مُنذ الخمسينَات مِن القَرن المَاضي وباختلاف الإدارَات الأمريكيّة المُتعاقِبة، فإن حقّق ترامب هَذا النّجاح الذي لن يُغير من كَون الوِلايات المُتحدة تقُود العَالم الرأسمالي وهِي القُوة العُظمى الأولى فِي العَالم، فإن ترامب ورَغم الضّغوط الدّاخلية التي يتعرّض لَها والتّحقيقات مَع بَعض مُستشاريه والمُقربين إليه والسّطوة الإعلامية والدّعائية ضِده فإنّه يُحقق إنجازًا ونجاحًا باختفَاء ذاك الخَطر الكُوري الذي يُهدد الوِلايات الأمريكية، إذًا يكُون ترامب أنجَز إنجازًا تاريخيًا سيكُون لهَ انعكاسَاته ليس على آسيا فحَسب بل عَلى العَالم كُله باستتبَاب منظُومة الدّول التي تقُود العَالم والتي تُعتبر نَووية، فباكستان قَد حَصَلت عَلى الأسلِحة النّووية وتمّ تجمِيد قُدراتها كَما هي الهِند، ولكن ماَذا عن إيرَان؟ فلقد أعلَن الرّئيس الأمريكي ترامب أنّه ضِد الإتفاق النّووي الإيرَاني مع مجمُوعة 5+1 التي فِيها إيران طَرف وكلّ مِن الصّين ورُوسيا وأمِيركا وفَرنسا وألمَانيا وبريطَانيا طَرف فِيها والذي تمّ التوصّل إليه فِي 2 إبريل عَام 2015 في عَهد الرّئيس أوبَاما والذي وصَفه أوبَاما بالإتّفاق التّاريخي، الإتفاق الأمريكي الغَربي الإيراني يُحجّم قُدرات إيران في تخصِيب اليُورانيوم وتَحت الرّقابة الدّولية واستخدَام الطّاقة فِي الأغرَاض السّلمية إلا أنّ ترامب له تحفّظات عَلى هَذا الإتفاق الذي وَصَفه بأنّه لَم ولن يُوقف الإنتاج النّووي فِي مَجال الطّاقة الذّرية والصّواريخ، بينمَا أعلَن صَراحة بأنّ عَلى إيران أن تتوقَف فِي مَجال الصّواريخ البالستية، أمّا إسرائيل فمَازالت تخشَى مِن إيران كقُوة إقليمية تمتلِك أسلِحة إستراتيجيّة، وخَاصّة أنّها أصبَحت عَلى حدُودها فِي سُوريا، وبالتّالي تقُوم إسرائيل بعدّة مُحاولات لضَرب تلك القُدرات عَبر مُراقبة أسلِحة حِزب الله فِي الجَنوب وفِي شَمال سُوريا.
إذًا مِن المُؤكد أنّ هُناك إتفاقًا سَيتم بين أمِيركا وكُوريا الشّمالية بوّابته تجمِيد القُدرات النّووية الكُورية ووَضع رِقابة أمرِيكية دَولية عَلى تِلك الأسلِحة مُقابل الإنفراج الإقتصَادي وإنفتاح كُوريا الشّمالية عَلى العَالم، إذًا نحنُ أمَام خَارطة عَالمية يُصيغها الرّئيس ترامب الذي وصَفه البَعض بالوَقاحة والبَعض الآخَر بالأرعن بَل هو نفّذ مَا يُريد ويُطبّق مَا وَعد بِه بالنّسبة لتأمين الأمن القَومي الأمريكي، وأعلَن صَراحة أنّه ينوي الإنسِحاب من الإتّفاق النّووي الإيراني رَغم مُعارضة فَرنسا وبرِيطانيا وألمَانيا ورُوسيا، إذًا بَعد هَذا الإنفِتاح مَع كُوريا وإخمَاد بؤرة مُتوترة جدًا في آسيا تُهدد فعليًا أمن الوِلايات المُتحدة الأمريكية، وهَكذا لا يبقَى فِي العَالم إلا مَناطق توتّر محدُودة، أوّلها فِي جُزر القِرم التي تشهَد توازنًا إستراتيجيًا بين أمِيركا والرّوس، وتبقَى الأمُور مُشتعلة بَين أميركَا وإسرَائيل من نَاحية وإيرَان مِن نَاحية أُخرى، والذي يُحاول ترَامب بلوَرتها بحِلف عَربي إقليمي يُواجه إيران حِفاظًا كَما يقُولون عَلى الأمن القومي العَربي، وفِي الحَقيقة هُو إمتِداد للأمن القَومي الأمريكي، إذًا نحن نشهَد مُعادلة جَديدة فِي العَالم قد يحدُث فِيها تبريِد لجَميع المَناطق، ومَن راهنُوا عَلى الحَرب البَاردة بين رُوسيا وأميركَا قد تكُون حِسابَاتهم خَاطئة، فالنّظرية الرّأسمالية ومُقوّماتها ووجُودها ومَصَالحها تعمّ العَالم وفِي كُل الأنظِمة، فعَهد التنافُر الأيديُولوجي قَد اختفَى فِي العَالم، ولذلك قَد نشهَد مُعادلة أُخرى مَع إيران فِي تقسِيم وتوزِيع القُوى فِي منطِقة الشّرق الأوسَط بِما فِيها القضيّة الفِلسطينيّة والأزمَة السّورية واللّيبية واليَمنية عَلى قاعِدة الإستِقرار الإقتصَادي الذي تتطلّع له الدّول المُنتجة بأنّه حَيوي بالنّسبة لهَا في العُقود القادِمة، وهُنا نكتشِف صَفقة ترَامب التي وَصفها الجَميع بأنّها تخُص القَضية الفِلسطينية والحَل الإقليمي لَها فِي المَنطقة ولكِن أعتقِد أنّ ترَامب قد صَفع كُل تلك التّحليلات فَقد بَدأت صَفقة ترامب مِن كُوريا الشّمالية.
بقلم/ سميح خلف