دخل مرشح لرئاسة بلدية الى البار، لا فرق إذا كان مرشحا لرئاسة بلدية في اسبانيا، بلدية قرطبة مثلا التي كانت عربية ولعل فوزه يعيدها عربية .. او رئاسة بلدية في العراق او في تونس او في فرنسا او في أمريكا او رئاسة بلدية في اسرائيل .. ويقول بعض الخبثاء حتى لو كان مرشحا لرئاسة بلدية الناصرة مثلا .. لأن الواقع واحد والمنافسة واحدة .. والنجاح لواحد، أما للفشل فأكثر من واحد...
كانت ملابس المرشح أشبه بمن خرج من طوشة لتوه، وشكله مثل الديك الرومي المنفوش الريش بعد مناوشة بين الديوك .. شعره مبعثر، ثيابه تحتاج الى كي، يشعل سيجارة من قمع سيجارة سابقة بلا توقف .. وينفخ الدخان بعصبية الى أعلى وكأنه يقصد توجيه الدخان الى شخص فوقه ..
جلس امام البارمان، وطلب كأس وسكي.
ما ان ملأ البارمان الويسكي بالكأس وإذا المرشح يلتقط الكأس ويفرغ الويسكي فورا بجوفه دفعة واحدة .. انتبه البارمان الى غرابة تصرف هذا الزبون، لكنه قبل ان يطلب كاسا أخرى، اخرج حافظة النقود وتأمل ما في داخلها، وبان الامتعاض على محياه، مما خلق انطباعا انه يحسب ما معه من نقود وربما بناء على ما تحويه حافظة نقوده من مال، لا يكفي لثمن الكاس الثاني ؟.. لكنه سرعان ما طلب المرشح كاسا أخرى.
نفس الأمر جرى بعد الكأس الثالثة أيضا، تأمل ما داخل المحفظة وطلب من البارمان ان يملأ له الكاس، فورا أفرغ المرشح الكأس في جوفه، وأشار بيده للبارمان ان املأ كأسا رابعة...
هكذا استمر المرشح، يخرج حافظة نقوده، يتأمل ما بها ويطلب كاسا وراء أخرى ..حتى وصل للكاس السابعة .. عندها اخرج حافظة النقود وتأمل ما في داخلها، أطال التأمل لوقت طويل وهو عابس ويشد على اسنانه بحرقة، مما خلق الانطباع انه يحسب ثمن ما شربه من ويسكي وهل ما في محفظته من نقود تكفي لدفع ثمن ما شرب من الويسكي؟ ... لكنه هز رأسه مشعلا سيجارة أخرى وطلب كاسا أخرى .. ربما أخيرة كما ظن المتواجدون في البار.
لفت أسلوب شرب هذا المرشح للويسكي الانتباه لمن يجلسون في البار، بدأوا يتهامسون ويراقبون باستغراب أسلوب شرب الويسكي لهذا المرشح .. وشراهته
بالتدخين. ملأ له البارمان الكأس الثامنة .. لكن ما لفت انتباه الجالسين بأنه بدا يشرب الويسكي ببطيء وبجرعات صغيرة .. وبوجوم عميق لدرجة ان السيجارة تكاد تحرق اصبعيه دون ان ينتبه لذلك، تهامسوا ان حضرته ربما وصل لمستوى التشبع الذي يسبق فقدان الوعي.
مرة أخرى أخرج حافظة النقود وتأمل ما فيها وأطال التأمل وهو يهز رأسه عابسا .. طواها ضاربا عليها بقبضته، اعادها الى جيب بنطاله، تهامس الزبائن بانه ربما يراجع حسابه للنقود التي معه قبل ان يشرب كأسا أخرى .. لضمان انه يحمل ثمن ما شرب من ويسكي.
بإشارة من اصبعه طلب من البارمان ان يملأ الكاس للمرة التاسعة بعد ان نظر لما يوجد بحافظة نقوده طويلا .. وتجهم وجهه وعلامات عدم الرضا تلوح على محياه.
لم يستطع البارمان ان يواصل صمته. سأله: هل تعاني من مشكلة عزيزي المرشح؟ هل من اعتدى عليك لأن ثيابك تشير أنك قادم من مناوشة ..؟ هل كان المعتدي مرشح منافس او من مؤيديه؟
أجاب: لا سيدي، كل شيء بخير .. لا اعتداءات .. لكني لا اشعر باطمئنان .. نفسي متفجرة!!
سأله البارمان: سلامتك أخي .. لماذا اذن تنظر لحافظة النقود بين كاس وأخرى، هل تحسب ثمن ما شربت من ويسكي؟
أجاب المرشح وهو يلوح بربطة نقود أخرجها من جيب بنطاله: ما معي يكفيني ان اشرب كل ما هو موجود في بارك .. لكني انظر لصورة رئيس البلدية الحالي الموجودة داخل حافظة النقود .. الذي يقال من الكثيرين انه سيفوز مرة أخرى وإننا مجرد لاعبين هامشيين لن نؤثر على فوزه... هذا ما يثير أعصابي ..انظر الى صورته الضاحكة في حافظة نقودي، صورته تثير غضبي، فأطفئ غضبي بكؤوس الويسكي.. لو انه عابس على الأقل لأراح اعصابي .. لماذا يبتسم؟ هل يظن أني جالس على خازوق؟ لذا اشرب حتى أنسى فكرة أنى جالس على خازوق!!
ابتسم المتواجدون حوله لسماع حجته بالشرب .. فصاح بهم: هل تضحكون لأنكم تتوقعون فشلي، ام لأن جلوسي على خازوق يبسطكم؟! هدفي ليس رئاسة البار .. بل رئاسة بلدية قرطبة التي بناها آنذاك العرب في اسبانيا!!
بقلم: نبيل عودة