معظم الجماهير الشعبية والشخصيات المستقلة وحتى القوى والفصائل نفسها،باتت على قناعة تامة،بأن قرارات المؤسسات الفلسطينية،شبيهة بقرارات القمم العربية،هي مجرد شعارات وبيانات تحفظ في الأرشيف،وتلك المؤسسات يجري استخدامها من قبل طرف متنفذ تكتيكياً، من أجل تحسين شروط التفاوض،وليس القطع مع نهج اوسلو،والعمل على رسم رؤيا واستراتيجية فلسطينيتين موحدتين،ولنا في قرارات المجلس المركزي العبرة والمثال،فهو في آذار 2015 وكانون ثاني 2018 دعا في قراراته الى إعادة صياغة العلاقات السياسية والأمنية والإقتصادية مع دولة الإحتلال،بما يضمن التحلل من اوسلو الكارثة وسحب الإعتراف بدولة الإحتلال ووقف التنسيق الأمني والتحلل من اتفاقية باريس،البرتوكول الإقتصادي.....ولكن تلك القرارات لم يجر تنفيذها،بل شهدنا انه بعد قرارات المركزي،كانت هناك سلسلة لقاءات بين قيادة السلطة والقيادات الإسرائيلية .....والان ياتي الإصرار على عقد المجلس الوطني الفلسطيني في الثلاثين من الشهر الحالي من قبل قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله،في ظل معارضة واسعة تتسع،ليس فقط من قبل القوى الإسلامويه حركتي حماس والجهاد الإسلامي،بل هناك الجبهة الشعبية عضو مؤسس في منظمة التحرير،ولها مكانتها الوازنة سياسياً وجماهيرياً،يضاف لذلك فصائل وقوى فلسطينية أخرى مثل القيادة العامة والصاعقة وجبهة تحرير فلسطين والنضال الشعبي/خالد عبد المجيد وفتح الإنتفاضة والتيار الإصلاحي في حركة فتح،ومروحة واسعة من المستقلين ورجال الأعمال،الرافضين لنهج السلطة وخيارها وموقفها....السلطة الفلسطينية وحركة فتح إذا ما اصرتا على عقد المجلس الوطني في رام الله بدون توافق وطني،فإن هناك مخاطر جدية وحقيقة،ليس في الإنقسام السياسي الموجود أصلاً،بل يطال هذا الإنقسام العنوان التمثيلي للشعب الفلسطيني،منظمة التحرير الفلسطينية،والتي بات قطاع واسع من شعبنا الفلسطيني قانعاً بانه مع مجيء اوسلو جرى السطو من قبل السلطة على صلاحيات المنظمة وتجويفها وإفراغها من محتواها،ولم يعد لها دور سوى إستحضار امواتها وأعضائها في جلسات إستخدامية لخدمة الطرف المهيمن على النظام السياسي الفلسطيني.
النظام السياسي الفلسطيني أزمته تتعمق والعملية السياسية مسدودة الآفاق والمصالحة في غرف الإنعاش المكثف،وتنتظر إزالة الأجهزة عنها لكي تفارق الحياة. على مستوى التشخيص والتحليل متفقين بأن المرحلة التي تمر بها قضيتنا الفلسطينية،مرحلة مفصلية ومن اخطر المراحل على قضيتنا ومستقبلها،وأننا بحجة الى تفعيل وتجديد هيئات المنظمة،وفي المقدمة منها المجلس الوطني الفلسطيني،ولكن السؤال المركزي هو،كيف وأين ومتى..؟؟ وهل نحن بحاجة الى توافق أكبر قدر ممكن من الطيف السياسي والوطني والمجتمعي الفلسطيني في الداخل والخارج، حتى يشكل عقد المجلس الوطني خطوة صحيحة للخروج من سياسة الجمود والتصدي الفعلي والفوري للمشاريع الامريكية والصهيونية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية،وفي المقدمة منها صفقة القرن،صفعة العصر،أم نعقده على طريقة عزام الأحمد في رام الله شاء من شاء وأبى من أبى،وبالمقابل من غير الممكن رهن عقد المجلس بالإستمرار في حالة الجدل والمناكفات القائمة بين طرفي الإنقسام،والخضوع والإستجابة لإملاءات العديد من الأطراف العربية والإقليمية .
صحيح ان هذه الدورة هي اخطر دورة للمجلس الوطني الفلسطيني،فنحن أمام حالة غير مسبوقة من التجاذب السياسي والجغرافي،أرى أن فيها الخطر الكبير على وحدانية وشرعية تمثيل المنظمة لشعبنا الفلسطيني،وخاصة أن ما تقوم به السلطة من فرض عقوبات مالية متصاعدة على قطاع غزة،والطرح إما التسلم الكامل للسلطة،او اعلان قطاع غزة إقليم متمرد،تجعل السلطة محط سخط الجماهير الشعبية في القطاع،والتي باتت تنظر للسلطة على انها جزء من العقوبات والحصار على قطاع غزة.
هذه الدورة للمجلس الوطني اذا جرى عقدها بمن حضر،وكانت سياسياً على مستوى القرارات السابقة للتنفيذية والمركزي"إجترار" لمواقف وقرارات لا يجري تنفيذها او ترجمتها على الأرض،وتبقى مجرد قنابل صوتية يزول أثرها بمجرد إنفجارها،ويصبح ضررها اكثر من نفعها،ولذلك شق الطريق نحو وحدة وطنية حقيقة بين كل المكونات والمركبات السياسية الفلسطينية،تحتاج الى قرارات جريئة تغلق الطريق أمام خيار ونهج اوسلو،وتعطيه شهادة وفاة حقيقية،وليس عبر اللعثمة وسياسة "اللعم" ،او تحسين الشروط ،بل كلام مقرون بالفعل يقول،نعلن سياسياً تحللنا من اوسلو وسحب اعترافنا بدولة الإحتلال ،وامنياً نعلن عن وقف التنسيق الأمني وإقتصادياً،يجري إلغاء العمل بالإتفاقية الإقتصادية،برتوكول باريس الإقتصادي.
وبالمقابل الدعوات لعقد مؤتمرات موازية،تحت شعار حماية الوحدة الوطنية،هي تأتي في إطار رّد فعل على عقد المجلس الوطني في رام الله،أي انه ليس فعلاً استراتيجيا هدفه إنقاذ القضية الفلسطينية، والتأسيس لبرنامج وحدة وطنية يجمع ( أشلاء) الوضع الفلسطيني،
وانا أرى بأن تلك المؤتمرات الموازية لن تغيير شيئاً في الواقع الفلسطيني،بل هي تكرس التمزّق والانشقاق،ولا تقدّم البديل،بل هي فعل إرتجالي،سيكرس حالة الإنشقاق والإنقسام في الساحة الفلسطينية،إنقسام يفعل فعل السرطان في الجسد الفلسطيني،ويزيد الحالة الفلسطينية ضعفاً على ضعف،والمطلوب ليس فعل مناكفات ومؤتمر ومؤتمر مضاد،بل ما يحتاجه شعبنا المبلي بقيادات ليست بمستوى طموحه وتحدياته وتضحياته،التقدم ببرنامج وحدة وطنية حقيقية يتجاوز طرفي الصراع الذين ذبحا ويواصلا ذبح وحدة شعبنا وقضيتنا.
بقلم/ راسم عبيدات