الخيول المخصية لا تنجب فرسان

بقلم: جبريل عودة

تستمر سياسة التفرد والإقصاء التي تنتهجها القيادة المتنفذة والمسيطرة على مقاليد الأمور في منظمة التحرير وسلطة الحكم الذاتي المحدود برام الله , فهي لا ترى غير فريقها لاعباً ماهراً في الساحة السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً , وعلى الجميع أن يذعن لهذه القيادة المبجلة صاحبة الخبرة في الصفقات السرية , ولعل من أبرز إنجازات حنكتها السياسية إبرام إتفاقية أوسلو تلك الطبخة المسمومة في الغرفة المظلمة , والتي لازال مفعول سمومها تسري في الجسد الفلسطيني , قيادة تؤمن بأن المفاوضات حياة , وأن المقاومة عبث حتى لو كانت سلمية , على غرار مسيرات العودة في قطاع غزة , وفعاليات إنتفاضة القدس في الضفة المحتلة , هذه قيادة تواصل تمسكها بالنهج التفاوضي فهو منتهى أمانيها, بالرغم من رفض نتانياهو المعلن الجلوس مع رأس هرم السلطة , يسمح لمستويات أدنى من حكومته سياسيين وعسكريين بلقاء مسؤولي السلطة , ليرسم لها خطوط صلاحياتها الوظيفية في خدمة منظومة الأمن الصهيونية , ولذا فلا عجب أن ترى السلطة ورموزها تدافع عن التنسيق الأمني الذي لم يتوقف يوما ما , فهو الحبل السري يغذي السلطة وأدواتها لتستمر بأداء وظيفتها الأمنية .

هذه القيادة التي تمُر سياساتها من تحت بسطار مجندة صهيونية بإعترافها , ولا تستطيع تحريك حجر دون إذن من ضابط الإدارة المدنية الصهيونية , يشكل أدائها مساراً تخريبياً يلحق الضرر الكبير بالقضية الفلسطينية , ففي ظل العقم المثبت علمياً وبالأدلة الملموسة الذي أصاب مسيرة التسوية , لازال الزوج التعيس ممسكا بها يحمل شعارات الوفاء المزيفة لخيار أثبت فشله وكارثيته على القضية الوطنية , فالخيول المخصية لا تنجب فرسان , وأمام هذا المشهد الكارثي على الساحة الفلسطينية , لا تكترث قيادة السلطة بأن تكون معول هدم لقلعة حصينة , تشكل آخر القلاع الفلسطينية , حيث ترفع راية المقاومة وتسعي لإنتزاع الحقوق الفلسطينية , وترفض هذه القلعة الفلسطينية التي إسمها غزة الإعتراف بالإحتلال وإفرازاته على الأرض الفلسطينية, وللأسف تجيد السلطة وقيادتها أسلوب المكافأة لأهالي قطاع غزة عبر سلسلة من العقوبات الظالمة , بسبب أن هؤلاء الأحرار في غزة الطهر والكرامة , قد تنكبوا درب القائد الهمام , في السير على درب التفاوض والإعتراف , والذي يقود في محصلته النهائية للتنسيق مع يوأف مردخاي , من أجل أن يعم الأمن والسلام في حياة المستوطنين القادمين من خلف البحار ليسرقوا الأرض ويدنسوا المقدسات , وليموتوا مجانين غزة أو يبقوا في هذا الحصار , إلى أن تخور قواهم وتضعف عزائمهم , ليعيدوا تجديد نموذج الأغيار , الذين يخدمون اليهود في تنظيف شوارع المستوطنات وبناء حظائر البهائم مقابل فتات من طعام.

يهرب القائد الديكتاتور كعادته من مقررات الإجتماعات التوحيدية , التي أنتجها الحوار الوطني على مدار جولات كثيرة وإتفاقيات عديدة, أبرزها إتفاقية القاهرة في مايو 2011 م وغيرها من الإتفاقيات والتفاهمات الثنائية بين حماس وفتح , أوالإتفاقيات الجماعية التي شاركت فيها الفصائل الفلسطينية , وأبرز ما أكدت عليه هذه الإتفاقيات هو ترتيب البيت الفلسطيني عبر إصلاح منظمة التحرير , وإعادة هيكليتها وإشراك الكل الفلسطيني في مؤسساتها , والتأكيد على عقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير لمتابعة مسار تطوير وبناء منظمة التحرير, لتكون ذات رسالة وطنية جامعة تضم في جنباتها الفسيفساء الفلسطينية بلا استثناء من أجل إستكمال مشروع التحرير والإنعتاق من الإحتلال البغيض , ومع ذلك يجد راعي المقاطعة طريقا للتهرب من هذه الإلتزمات الوطنية والمنطلقات الإستراتيجية , التي تقود لتعزيز وحدة الشعب الفلسطيني وترسيخ العمل الوطني الجماعي , ولا يبالي بأهميتها للمرحلة النضالية التي يخوض غمارها شعبنا الفلسطيني , في مواجهة الإحتلال الغاشم والمؤامرات التصفوية , التي تقودها إدارة ترامب بتواطؤ من بعض الأنظمة العربية الرسمية وهذا الأمر لم يعد خافياَ حتى على الأعمى قبل المبصر.

الإصرار على عقد المجلس الوطني في الثلاثين من نيسان أبريل الحالي, رغم المعارضة الواسعة من الفصائل والأحزاب المؤثرة على الساحة الفلسطينية إلى جانب الشخصيات الوطنية المستقلة والأكاديمية المعتبرة, التي حذرت من إنعقاد المجلس الوطني دون إنجاز المصالحة الفلسطينية , يشكل قراراً بإبقاء الإنقسام السياسي وهذا لا يخدم قضية النضال الوطني الفلسطيني , ويكشف الحرص على عقد المجلس الوطني أهميته في تجديد الشرعية لفريق التسوية , ليستكمل مسيرته التفاوضية بغطاء منظمة التحرير التي تعتبر الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني , ويعتبر ذلك إعادة إفراز التجربة ذاتها من جديد , عبر إدخال قضيتنا في سرداب التسوية ومتاهات التفاوض وبازارات البيع والمساومة , وهذا الخيار أثبت فشله الذريع , حيث تمكن الإحتلال في ظل سنوات التفاوض البائسة من إحكام السيطرة على الضفة المحتلة والقدس بحيث تسيطر المستوطنات على أكثر من 65% من أراضي الضفة المحتلة , ويتواصل مخطط التهويد بلا هوادة في مدينة القدس المحتلة , فلماذا هذا الإصرار على عقد المجلس الوطني ؟ , بدون ضخ دماء جديدة وإعتماد رؤية سياسية وطنية أو برنامج تحرري مرحلي مجمع عليه وطنياً , يكون عنوانه التمسك بالحقوق الفلسطينية والحفاظ على المقاومة بكافة وسائلها وأدواتها وطرقها كإستراتيجة مواجهة للإحتلال وطريقاً لإحباط مخططاته العدوانية , ضد الإنسان والأرض والشجر والمقدسات في فلسطين.

عقد المجلس الوطني على طريقة عزام الأحمد " اللي مش عاجبه .. " لن يفيد القضية الوطنية بشيء بل يزيد من الشرخ الوطني وإتساع الهوة ، وحسب منطق عزام فإن حضور الفصائل الفلسطينية أو غيابها سيان , ليتضح لنا أن الهدف من هذا الإجتماع فقط صناعة الشرعية لتيار التسوية والإعتراف وأدواته السلطوية , خارج الأطر والطرق الشرعية المتعارف عليها ، ما كان يجب أن يطرح أو يناقش موضع المجلس الوطني بهذه السذاجة والبساطة كما حصل في الدعوة للمجلس المركزي بداية العام الحالي ، فالمشاركة خارج تفاهمات بيروت تعتبر تسليم لتيار التفاوض ومساره الهزيل بالإستمرار في مراحل العبث بالوطن والقضية التي يجب أن تتوقف ، كما أن الإصرار على عقد أي إجتماعات لمؤسسات ومجالس المنظمة , بعيدا عن الإطار القيادي المؤقت هو إنقلاب متواصل على إتفاقيات الحوار الوطني ، وأمام ما يجري يسقط الموقف السلبي الحيادي ، ويكون من الواجب الذي لا يؤخر التحرك الجاد لكسر الإحتكار والتفرد بمؤسسات الشعب الفلسطيني ، أو تحطيم الأصنام بالفعل الثوري الشامل , وتفعيل حالة الإشتباك الدائم والمستمر ضد الإحتلال لنعيد لفلسطين وجهها المشرق الذي شوهته أوسلو وإفرازاتها السيئة .

بقلم/ جبريل عوده