في قواعد الحرب يكون للأطراف المحايدة الدور الأكبر في ترجيح كفة الميزان لطرف على حساب طرف آخر , وهذا ما حدث بالفعل في المعركة الطاحنة التي تدور بين حركتي فتح وحماس , الأولى تقود المجلس الوطني والثانية لا تعترف به في أي حال من الأحوال , حيث أن حركة حماس تهاجم المجلس الوطني ولا تعترف بشرعيته وتسعى لإنشاء كيان بديل له بحجة أنه لا يمثل الكل الفلسطيني .
ولكن تفاجئ الجميع عندما رفضت معظم الفصائل وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي بأن تكون جزء من أي جسم موازي أو بديل لمنظمة التحرير , وهذا بحد ذاته حقق إنتصارا للمجلس الوطني قبل بدء المعركة , فالمعركة الحقيقية تبدأ عندما يكتمل النصاب القانوني لعقد المجلس الوطني , وتبدأ الوفود تتدفق من الداخل والخارج للمشاركة في أكبر حفل تاريخي سيحول منظمة التحرير من رجل عجوز أنهكه الزمن الى رجل شاب تتدفق فيه الحياة وقادر على العطاء .
إنتصار المجلس الوطني قبل بدء المعركة يتمثل في تمسك الفصائل الفلسطينية بشرعيته , مع العلم أن هذه الفصائل معارضة له بشكل دائم وبالخصوص حركة الجهاد الإسلامي وهي ليس جزء منه في الأصل , فليس غريبا أن الفصائل المعارضة هي التي تتمسك بشرعيته , لأنها فصلت بين المعارضة وبين النفي , فالفصائل تدرك تماما أن معارضتها للمجلس الوطني لا تنفي وجودة على رأس منظمة تكتسب الشرعية الدولية والشعبية .
أما حركة حماس فهي تتعامل مع المجلس الوطني بصيغة المعارضة والنفي أيضا , ولا زالت تبحث عن بدائل له , ورغم رفض الفصائل المشاركة في جسم بديل عن منظمة التحرير فلا زالت حركة حماس تهاجم شرعية المنظة ومجلسها الوطني .
ولكن هناك شيئ لفت نظري عبر صحيفة الرسالة التابعة لحركة حماس , في تقرير يظهر إعتراف لحركة حماس بأنها ستفشل في إيجاد جسم بديل لمنظمة التحرير , وهذا التقرير يعبر عن وجهة نظر الصحيفة والتي هي بالأصل تعبر عن وجهة نظر حركة حماس , ويقول هذا التقرير بأن حركة حماس ستعجز عن إيجاد بديل لمنظمة التحرير لأربعة أسباب قوية , ومن أهم هذه الأسباب رفض الفصائل دخول أي جسم بديل عن المنظمة وخاصة حركة الجهاد الإسلامي , وأيضا أي بديل لمنظمة التحرير سيحتاج لغطاء ودعم عربي ودولي , وبالتأكيد هذا لم يحدث في حال وجود بديل , لأن المجتمع العربي والدولي لم ولن يعترف إلا بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني .
وأعتقد أن هذا التقرير هو رسالة من حركة حماس تعبر عن نقلة نوعية في موقفها المتشدد تجاه المجلس الوطني , وهي تحاول أن تبرمج موقفها على درجة تقل شدة وتشنج حتى تصل لمرحلة نسيان الموضوع والخروج منه بأقل الخسائر , فهي أصبحت تدرك تماما أن مشروع البديل عن منظمة التحرير أصبح صعبا للغاية ولا ينسجم مع نسيج الشعب الفلسطين , فالشعب الفلسطيني لا يعرف إلا منظمة التحرير .
رغم أن المجلس الوطني وهو عنوان منظمة التحرير يعاني من حالة ضعف وتشنج وتراجع في صناعة القرار , إلا أنه إنتصر في معركة قبل إنعقادة , وهي معركة نزع الثقة منه , وتجسد هذا الإنتصار بدعم جميع الفصائل لشرعيته رغم أنها معارضة لأداءه .
ومن وجهة نظري أنه سيحقق الإنتصار الأكبر عندما يجدد شبابة لتتدفق الدماء في عروقه , عبر إنتخابات تعيد تشكيله من جديد .
الكاتب الصحفي : أشرف صالح
غزة – فلسطين