المجلس الوطني الفلسطيني بين الأهداف والتحديات

بقلم: زهير الشاعر

لا شك بأن الساحة الفلسطينية برمتها باتت تعيش حالة ذهول من إصرار الرئيس الفلسطيني منتهي الولاية وفاقد الشرعية محمود عباس الذي لا زال يمارس الديكتاتورية من خلال التفرد بالقرار الفلسطيني والترهيب وقطع الأرزاق وتكميم الأفواه وقمع الحريات وذلك من أجل إثبات قدرته على تنفيذ ما هو مطلوب منه في هذه المرحلة الحساسة ، وذلك لتهيئة الظروف للمرحلة القادمة قبل رحيله الذي يأمل بأن يكون ناعماً وبدون عنف أو ما يمكن أن يترتب على ذلك من تحديات أمام افراد اسرته من بعد رحيله.
كما أن المجتمع الدولي بات يترقب ما سينجم عنه اجتماع المجلس الوطني ومن هي الشخصيات التي ستتبوأ مناصب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وما هي توجهاتها؟.
هذا لا يغفل حقيقة أنه مما لا شك فيه أن تجديد الشرعيات الفلسطينية هو أمر حيوي ومهم للغاية لا بل بات ضرورياً ، إن تم في سياقات وطنية منطقية وجامعة، ولا يتم في سياق تجيير القرار الفلسطيني لحساب فئة معينة، لا زالت تتحكم بالقوة والمال والنفوذ، خاصة أن هناك الكثير من أسماء الأعضاء الحاليين في هذه المجلس غير الفاعل منه غير اسمه فقط ، هم من الأموات والمغيبين والمأجورين وبعض الأرزقية الذين يتم استخدامهم وقت الحاجة فقط وهذا لا ينتقص من الوطنيين والشرفاء الذين بات حالهم الاستسلامي مثير للدهشة!.
لكن بالمقابل ، هل الظروف مواتية لعقد هذا المجلس بأي شكل من الأشكال؟، ولماذا الآن في ظل التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية من عمق الانقسام ما بين شطري الوطن ومحاصرة قطاع غزة وتجريد معظم أهله من أدنى حقوقهم الإنسانية بما في ذلك لقمة عيشهم؟!..
فهل الظروف باتت مواتية لعقد هذا المجلس حتى لو كان على هيئته القائمة التي لا تحظى بشرعية وإجماع وطني؟، ولماذا لا تكون كذلك في ظل صمت الشارع الفلسطيني الذي لا يمل من النفاق والتصفيق والتطبيل لساسة وقادة مصوا دمه وأهدروا مقدراته وداسوا على كرامته؟!.
إذاً الظروف مواتية بالفعل وقتما شاء لها محمود عباس الذي ينفذ إملاءات محترفة، ودارسة للحالة الفلسطينية سيكولوجياً، وتعلم جيداً حجم وسقف الردود الشعبية على أي خطوات يتخذها حتى لو وصل به الحال لبيع أرض فلسطين بأكملها.
لكن ما الهدف من ذلك ؟ ، الهدف ببساطة هو تسكين المجلس الوطني بأعضاء جدد تم تهيئتهم بالكامل ليكونوا شهود زور على مخرجات هذا المجلس ومن ثم الزج ببعضهم ليستكملوا مسيرة من سبقهم من قادة مفرطين ومتواطئين من جهة ومن جهة أخرى لضمان الحفاظ على مصالح الفريق الحاكم الآن واستمراريته في الحكم مستقبلاً ومنع أي حالة من الفوضى المتوقعة في الساحة الفلسطينية نتيجة موت أو هروب محمود عباس بعد أن ينكشف أمره بدوره التفريطي والمشبوه بما آلت إليه أوضاع الشعب الفلسطيني من مأسي وأوجاع وآلام وضياع الأرض وإهدار كرامة الإنسان.
كما أن لهذا التوجه بلا شك علاقة بالتطورات السياسية في العالم ، خاصة أن هناك صفقة قرن يتم الحديث عنها منذ زمن ، ومن المتوقع أن يتم طرحها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى مدينة القدس لتصبح بذلك عاصمة دولة إسرائيل الموحدة ، وهذا بلا شك يحتاج إلى لجنة تنفيذية فلسطينية هزيلة وتابعة لتوجيهات محمود عباس، ولا تبدي أي اعتراض على ذلك بل تتساوق وتتماشى مع متطلباته التفريطية مقابل حصولهم على منصب ومزايا مضمونة لهم باستمرار.
هذا الأمر لم يكن وليد اللحظة بل بدأ منذ البدء بمحاصرة قطاع غزة عام 2007 ، نتيجة افتعال انقسام وتعميقه ما بين شطري الوطن ، وطرد عضو المجلس التشريعي الرجل القوي محمــد دحلان من حركة فتح ومن اللجنة المركزية ، والعمل على التشهير به وتحميله مسؤولية كل الخطوات التي ترتبت على ذلك ، كما تم إقصاء رئيس الوزراء الفلسطيني السابق د. سلام فياض الذي رفض التساوق مع هذا النهج العباسي المشبوه ، عندما اكتشف بأن عباس كان ينفذ خطة مبرمجة ولا يعمل عملاً وطنياً متكاملاً يخدم المصلحة الوطنية .
أيضاً تم تفريغ السلك الدبلوماسي الفلسطيني بالكامل من أبناء قطاع غزة على مدى السنوات الماضية ، ومحاربة كل النشطاء والشرفاء وإقصاءهم من مراكزهم المهنية وتم محاولة تطويعهم من خلال إذلالهم وتجويعهم وحرمانهم من معاشاتهم ، وأخيراً عندما بزغ نجم العالم الفلسطيني د. عدنان مجلي وبدأ يسطع في الساحة الفلسطينية من خلال علاقاته الدولية وأعماله الخيرية في المجال الصحي والتعليمي ، بدأ نفس فريق محمود عباس الجغرافي الذي جاء إلى الوطن وهو متمسك بفكره العنصري منذ اللحظة الأولى ، واستغلال ذلك وتعميقه بين أبناء الوطن الواحد ، يعمل على إقصاء د. مجلي من المشهد الفلسطيني ومن ذاكرة الفلسطيني. كونه بدأ يفضح إمكانياتهم ويهدد وجودهم وبقائهم في مناصبهم من خلال إمكانياته العليمة والمهنية وعلاقاته الدولية.
هذا يؤكد بأن الشخصيات الفلسطينية الوطنية التي تم محاربتها بشراسة وبدون رحمة طوال الفترة الماضية جميعها كانت توافقية وتعمل بكل قوة من أجل خدمة المجتمع الفلسطيني، والوقوف في وجه محمود عباس وزمرته المارقة لمنعه من التفرد بالقرار الوطني وإذلال المواطن الفلسطيني.
أخيراً ، السؤال الغائب عن الجميع هو لماذا يصر محمود عباس على عقد هذا المجلس داخل المقاطعة في رام الله في حين أن هذا المجلس يتطلب شفافية وحرية الاختيار ؟!، الجواب بلا شك أن محمود عباس يتميز بقدرة فكرية كبيرة جداً على قراءة النفسيات التي يتمتع بها أعضاء هذا المجلس وغيرهم من القيادات الفلسطينية ، وهو إعتاد أن يستخف بهم جميعاً في كل المؤتمرات والمجالس السابقة ، ولكن الأهم من ذلك هو سبب أمني بحث وهو خشيته من عدم توفر الحماية الأمنية اللازمة له إن عقد خارج مدينة رام الله والمقاطعة بالتحديد، وبذلك خشية من أن تصبح احتمالية اغتياله من قِبَل أي من الحضور واردة!.
ختاماً في تقديري أن محمود عباس انتصر بعض الوقت ولم ينتصر بالتأكيد كل الوقت ، كسب الكثير من العز والنفوذ والسلطة والمال ولكنه خسر السمعة والتاريخ ، وخسر القيادة، وحصر نفسه بمعزل عن هموم شعبه ، وما سيترتب على انعقاد المجلس الوطني بهيئته المتوقعة وبالأسماء المطروحة ، بلا شك ، تحديات لم يعهدها المجتمع الفلسطيني من قبل، ولربما يصل الأمر إلى فوضى عارمة ، هذا عوضاً عن إنفصال محتمل لقطاع غزة وتهيئة الظروف بذلك لهجرة ونزوح أهل الضفة نتيجة صراعات مسلحة باتت متوقعة!.

م . زهير الشاعر