وهنا أود التنبيه بأنها مراجعات تجربتي الخاصة قد يتفق معها آخرون وقد لا يتفقوا وليست لها علاقة بحزب أو جماعة أو عالم منظرأو فيلسوف أو نظرية لعلها تفيد وهي ليست جاهزة مسبقا وأردت أن تكون علي سجيتها أجلس في أي وقت أحس بأنه مخرجا وممرا للحكمة والتذكر وهذه الطريقة الغريبة في كتابة المراجعات هي ما أقتنع أنها تعطي الحقائق دون تزوير للعقل والتاريخ للذات والمجموع...
الفكرة الأولى
آمنا في عمر مبكر وفي المراحل الأولى للعمل السياسي بديكتاتورية البروليتاريا وبغض النظر عن ماهية المصطلح وعلاقته بالطبقة العاملة فهو إيمان وإعتقاد راسخ له منظريه ونظرياتهم وأيضا تبريراتهم وشروحهم الإجتماعية والفلسفية ودافعنا عنه بمنتهى العقلانية وأحيانا بمنتهى الشراسة وكان مريحا للنفس وإحساسا بالفخر بعد تشرب مقولات الأولين من رفاق الدرب و كان غير المتعصبين فكريا يتباهون بفرع الشيوعية الآخر وهو الإشتراكية الجميل والمتفتحين فكريا كانوا مناصرين لفكرة الإجتماعي والعدالة الإجتماعية تماما كالجماعات الدينية التي تأخذ ما يعجبها من آيات وأحاديث تتزين بها وبقناعتها تحت عنوانها الكبير وهو القناعة بشمولية الفكر الديني وفي تشابه شمولي وديكتاتورية التدين والمتدينين وليس الدين نفسه.وبالمناسبة التشابه شديد جدا بين الشيوعيين والمتدينين في الإعتقاد بالنظرية أو ما يطلق عليه الأيديولوجيا وما تفرز أنظمة هذه الأحزاب أو الأفكار من شمولية.
في حقبة ما قبل إنتصار الرأسمالية وسموها الفكر الليبرالي كان هناك من يفكر ويطالع أدبيات أخرى جديدة وطالعنا مثلهم وبدأنا نرى بعضا جوهريا في هذه الأفكار فهي علي الأقل تنفي تهمة الإلحاد الملاحقة دوما للشيوعيين مناصري الطبقة الكادحة وكما قلنا ديكتاتورية الحزب الواحد البروليتارية والديمقراطية المركزية داخل الحزب كما سميت وطبعا ليس في البرلمان لأنه كان لونا واحدا من الفكر ولا يوجد أخرون.
وبدأت ملامح جوهرية التعددية سواء الليبرالية أو الرأسمالية واقتصاد السوق تأخذ اهتمام كثير من اليساريين وأكثرها تأثيرا هي "التعددية" التي تعطي هامشا أوسع لحرية الرأي والحرية الفكرية بشكل خاص والمشاركة والعقل الجماعي المنصهر من الاختلافات في فكر السوق وفكر الاشتراكية والعدالة الاجتماعية وحتي الراحة والطمأنينة العقائدية للمتدينين لخدمة المواطن والمجتمع.
بإنتصار الرأسمالية بدأت العقود الاجتماعية تنفرط من الفكر وتجنح نحو الذاتية التي هي فرز الرأسمالية وأصبحت المشاريع الاستثمارية والمؤسسات الأهلية وارتفاع الرواتب والمخصصات لمن يعمل بها تجذب أعدادا كبيرة من اليساريين ومنهم من تخلى كلية عن أفكاره وقناعاته وغاص في كسب المال والنفوذ داخل الأحزاب اليسارية ويدعي بقاؤه على عقيدته الشيوعية تداريا خلفها لكنهم إغتنوا وأصبحوا رأسماليين كبار وانتزعوا معهم بعض مؤسسات أحزابهم وغادروا يتلهون في مسنقع الدولار الذي يحسدهم عليه الفقراء المساكين المتمسكين بفكرهم حتى بالجوع وتغيرت الأحوال وأصبح المتعولمون الرأسماليون الجدد سادة العمل السياسي وأباطرة الاستثمار ولا تعرف لهم ملامح من فكرهم وجوعهم القديم في ملبسهم وسياراتهم وفيلاتهم وحساباتهم في البنوك وتعاطيهم حتى مع مشاريع تستهدف مجتمعنا يبررونها بالحرية والتعددية وصاروا منافسين لرفاقهم المعدومين الذين تمسكوا بمبادئهم وظلوا فقراء رغم أنهم لو أعطيت الفرصة لهم لأصبحوا مثلهم ولكن علي ما يبدو هو قصر ذيل وعدم معرفة وامكانية لتطوير ذاتهم أو تلبسهم في حياء الشرق وقلة حيلتهم تجاه تابوهات المجتمع وأنا أحد شخوص هذه الجملة الأخيرة ..... يتبع
د. طلال الشريف