دائما نعم ... دائما ولكن

بقلم: عدنان الصباح

قبل اقل من أربعة شهور أنهى المجلس المركزي الفلسطيني أعماله برام الله بعديد القرارات كان أهمها اعتبار التزامات أوسلو غير قائمة, الوقف الفوري للتنسيق الأمني مع جيش الاحتلال والانفكاك من التبعية الاقتصادية لدولة الاحتلال, تعليق الاعتراف بإسرائيل الى حين ..., وتكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تنفيذ ذلك وقد كان واضحا صياغة قرار وقف التنسيق الامني بورود كلمة فورا الا ان هذه الفورا مضى عليها قرابة الشهور الأربعة دون ان تظهر أية دلائل او نوايا لتنفيذ ذلك على الإطلاق, وقد قال الجميع في حينها ان تنفيذ قرارات المجلس المركزي سيضع أولئك الذين عارضوا حضوره في مأزق لأنها تلبي الحدود الدنيا لإرادة شعبنا في الرد على غطرسة الاحتلال وحاميته الولايات المتحدة الامريكية, واليوم يعاود المجلس الوطني الفلسطيني إصدار نفس القرارات وإعادة تكليف نفس الجهة بالعمل على تنفيذها دون ان يسال حتى عن أسباب تعطيل التنفيذ مع ان المفترض ان يكون دور المجلس الوطني هو المسائلة وتحديدا مسائلة اعضاء اللجنة التنفيذية التي من المفترض ان تقدم جردا سنويا عن نشاطها للمجلس ذاته وان يجري محاسبتها بناء على ذلك ومع ان المجلس غاب عن الانعقاد 22 عاما بالتمام والكمال الا انه لم يأت ابدا على ذكر الحساب والمحاسبة وكأنه أراد ان يقول ان أداء قيادته كان ناجحا مائة بالمائة للحد الذي لا تجوز فيه المسائلة حتى.

وعودة مرة اخرى الى ما تبقى من قرارات صدرت عن الدورة 23 للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله وفي مقدمتها اختيار اعضاء الهيئات القيادية في اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والتي اعادت نفس الأسماء الى الواجهة بتعديل طفيف لا يدل ابدا على اي مسعى للتغيير او للانتقال الى مرحلة جديدة فقد غاب مرة اخرى عن التعيين اي تفكير بدماء جديدة وبجيل شبابي في الأربعينات او الخمسينات من العمر واذا عاد المجلس الوطني للغياب مرة اخرى عقدين من الزمن فستتجاوز أعمار بعض اعضاء اللجنة التنفيذية ومعظم أعضاء المجلس المركزي المائة عام دون ان يحاسبهم احد او يسائلهم احد ودون حتى ان يكون هناك منطق للمحاسبة والمسائلة لعجائز تجاوزوا المائة عام فالعرف والمنطق وأخلاق البشر ترفض ذلك عداك عن حقوق البشر التي تنص عليها سائر المواثيق والأنظمة والشرائع بما في ذلك الشرائع السماوية حتى فسيترك امرهم الى الله سبحانه وتعالي ليحاسبهم على أفعالهم ويبقى أمر رعيتهم بيده سبحانه ولا احد سواه وكذا لم يكترث احد على ما يبدو لصراخ القيادي الفلسطيني نبيل عمرو بأهمية اللجوء الى الانتخاب باختيار الهيئات القيادية ولو من باب تثبيت النهج حتى للمستقبل وتم الاكتفاء بالتسمية والتصفيق كالعادة.

رغم ان المجلس أعاد التأكيد على موضوعة المصالحة الا انه لم يعط الامر ما يستحق من اهمية وترك الامر برمته كما كان ولم يبادر لتشكيل لجنة من أعضائه وغير أعضائه عند الحاجة تضم الجميع للعمل على تحقيق هذه المصالحة وكشف خباياها للشعب الذي لم يعد يدري حقيقة الحوارات والخلافات ومن هي الجهة المعطلة فعلا وهو يستمع لأطراف تتهم بعضها على وسائل الإعلام ولا نعرف ماذا تقول ولا ماذا تفعل في الخفاء وقد أصبح واضحا ان مواصلة اعتبار الأزمة القائمة هي فقط بين حماس وفتح أمر غير واقعي فقد طال الانقسام كل الشعب والوطن على الأرض وفي واقع الامر مما يحتم مشاركة الجميع بموضوعة الانتهاء من ملف المصالحة الممعن بالابتعاد وتكريس الانقسام اكثر فأكثر دون ان نفعل شيئا حقيقيا ينهي ذلك ونحن ندرك جيدا ان استمرار الأزمة الداخلية سوف تجعل من كل قراراتنا حبرا على ورق وسنبقى منشغلين بها تاركين لاعداءنا حق الانشغال بنا كما يحلو لهم من نهب وتهويد وتدمير وقتل وتشريد وإلغاء وشطب لنا ولقضيتنا.

أعاد المجلس التأكيد على مبادرة الرئيس في مجلس الأمن وحذا حذو الجامعة العربية والقمة العربية باعتبارها أساسا للعمل السياسي الفلسطيني في المستقبل دون ان يضع آليات للوصول الى ذلك فلا زالت أمريكا حجر الزاوية في ذلك ودون موافقتها لن يكون هناك لا مؤتمر دولي ولا ما يحزنون وبدون ان تجد أمريكا وإسرائيل نفسهم في أزمة ودون ان يدركوا ان مواصلة التنكر لحقوق شعبنا سيشكل خسارة حقيقية لهم على الأرض فإنهم لن يأتوا صاغرين لا لمؤتمر دولي ولا لسواه وسيمعنون اكثر فأكثر بجرائمهم ضد قضيتنا وشعبنا مسلحين دائما بإدراكهم ان لا علاقة لدينا بين القول والفعل وأننا سنبقى منشغلين بمن يحكم هنا ومن يسيطر هناك ومن يصالح من وكيف وعلى أية ارض ومن يسيطر على حكم لا أساس لحكمه أصلا في ظل الاحتلال والحصار والاستيطان وفوضى التدمير والتقسيم الامبريالي للعالم العربي.

إذن مرة اخرى وكما قلنا لقرارات المجلس المركزي نعم لإلغاء الاعتراف بدولة الاحتلال لا لتعليقه ونعم لوقف التنسيق الامني والتبعية الاقتصادية ومقاطعة الاحتلال دولة وجيشا ومخرجات أيا كانت ومرة اخرى ولكن كيف ومتى وبأية آليات ومن هي الجهة التي ستنفذ وعلى أية أرضية وهل سنعود للحديث عن بدائل لما سنقاطعه أم ان المعنيين بالصمود والكفاح وتحقيق النصر وانجاز الحرية لن يبحثوا عن بديل لصبغة شعر هنا او معجون أسنان او أنواع العطور والمكياج فالشعوب التي أنجزت حريتها أتقنت التخلي عن الخبز في سبيل ذلك, ومرة اخرى نعم لمنع أمريكا من القيام بدور الوسيط ولكن كيف سيكون ذلك ونحن لا زلنا نعتبرها جزءا من ذلك ونحن ندرك أننا لسنا أصحاب القوة القادرة على استبعادها ولا نسعى لان نكون كذلك, ومرة اخرى نعم لتجديد الهيئات والمؤسسات وتفعيلها ومرة أخرى ولكن بحاجة نحن للشباب وبحاجة نحن لتفعيل وإعادة المجلس التشريعي للعمل وهو المؤسسة الفلسطينية الوحيدة المنتخبة ديمقراطيا فلماذا لم يجر حتى ذكر مكانتها ودورها واعتبارها وكأنها غير قائمة على الإطلاق.

مرة اخرى نعم الى الأمام ولكن علينا ان ندرك ان كل القرارات ناقصة وميتة دون وحدة شعبنا واستعادة خنادقنا بالكفاح أيا كانت سبل هذا الكفاح والتي بات الجميع يتفق على ان المقاومة الشعبية قادرة على صناعة المعجزات وهي ان وجدت قيادة حقيقية فاعلة وعلى الأرض مشاركة بالفعل لا بالقول وفكرا سياسيا يرافق فعلها متفاعلا لصالح إيصالها حد القدرة على هزيمة أسلحة الاحتلال وجيشه بإسكاتها مرة واحدة والى الأبد وذاك لن يتأتي ابدا الا بامتلاك سلاحنا المقاوم الذي لا يمكن للاحتلال ان يمتلكه ولا ان بتفوق عليه بما يملك من سلاح ناري بوحدة قوانا وشعبنا بهيئة أركان شعبية فاعلة للمقاومة, لا هيئات لتقاسم مقاليد حكم لا وجود له على الأرض, مرة اخرى نعم ولكن بأيدينا موحدين لا بيد عمرو ولا باختلافاتنا, بفعلنا لا بالقرارات والورق سنحدث على الأرض فرقا وننتصر, فلا احد سيفاوضنا ولا احد سيعقد مؤتمرا دوليا ولا احد سيسمع صوتنا ان لم نستطيع إرغامه على فعل ذلك, وحدها إرادة ووحدة 12 مليون فلسطيني في كل بقاع الأرض حتى لو كنا عراة وحفاة وجياع ستتمكن من إسكات كل أسلحة الأعداء النارية ومفاعلاتهم النووية التي ستجد نفسها عاجزة أمام إرادة شعب موحد قرر ان ينتصر دون ارتجاف ولا تراجع منتصرا على ذاته وخلافاته أولا ليتمكن من النصر على الأعداء وتحقيق الحرية للوطن والشعب.

بقلم/ عدنان الصباح