تتفاعل وتتصاعد المقاومة الشعبية في غزة يوما بعد يوم وجمعة بعد جمعة من خلال فعاليات مسيرة العودة الكبرى وتتطور اساليب المواجهة مع المحتل وقواته المتحصنة على التلال المحيطة والمشرفة على حدود القطاع , ومع تطور المواجهة ودخولها مراحل معقدة بدأت اسرائيل تقلق اكثر واكثر وتضع في حساباتها سناريوهات اكثر عنفا واكثر ضراوة قد تقع خلال الايام القادمة مع تقدم المتظاهرين الفلسطينيين نحو السلك الزائل في اشارة الى ان اسرائيل قد تخشي مذيد من التقدم ومزيد من الاحداث الدراماتيكية الايام القادمة وخاصة بما يواكب حدث نقل السفارة الامريكية الى القدس وذكري النكبة وبالتالي فقدان قدرتها على الردع وخاصة انها استخدمت القوة حسب التقارير حتى الان الا انها فشلت في اعاقة او منع المتظاهرين الفلسطينيين من الوصول او الاقتراب مسافة صفر من الشلك الفاصل وهذا ما بدا بالفعل يشغل بال اسرائيل على اعلي المستويات العسكرية والسياسية والامنية .
ما يقلق اسرائيل اليوم انها باتت غير قادرة على مواجهة الشباب الفلسطيني والتصدي لأساليب المواجهة التي ابتدعوها وطوروها وحققت تفوق على ترسانتهم العسكرية وكشفت ان اسرائيل دولة مجرمة , لجأت طائرات الاحتلال الاسرائيلي منذ فترة الى استهداف بعض المواقع في غزة ردا على ازالة السلك الشائك في تطور واضح وكبير فيعلى طبيعة المواجهة وهذا ما يوحي بان اسرائيل على وشك توسيع استهدافها الحربي لمواقع ومنشئات قد تصل في القريب الى عملية عسكرية على حدود غزة وليس مستبعدا ان تتدحرج الامور لأبعد من ذلك , الجيش الاسرائيلي قال انه انتقل من لغة التهديد الى التنفيذ وقال انه يتوقع قيام حماس بعملية عسكرية تحت غطاء المظاهرات على الحدود ,كثير من الكتاب والمحللين السياسيين الإسرائيليين اكدوا ان الايام القادمة ايام قد تكون دامية بين الطرفين وهذا ما جاء في تحليل الكاتب الاسرائيلي الون بن مائير والذي قال " "في حال استمرت هذه المظاهرات حتى منتصف الشهر المقبل، كما خططت حركة حماس فإنه من المرجح أن يُقتل المزيد من الفلسطينيين بينما يزيد احتمال قيام إسرائيل بغزو غزة للمرة الرابعة في محاولة منها لإنهاء الأزمة". الا انني لا اتوقع حرب كبيرة بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية هنا في غزة لكن المتوقع حسب تقديري ان تقدم اسرائيل على عملية عسكرية ذات اهداف محددة تحت دواعي احترازية لإحباط فعاليات يوم النكبة ومناسبة نقل سفارة امريكا الي القدس مع الاستمرار في استهداف بعض المواقع داخل القطاع لإرباك صفوف المقاومة الفلسطينية.
هناك ثلاث اسباب تجعلنا نرجح اقدام اسرائيل على عملية عسكرية احترازية محدودة بغزة تأتي على شكل احتلال بضع كيلومترات على طول الحدود مع غزة واحتلال مخيمات العودة الخمس التي يتجمع فيها الفلسطينيين كل جمعة تحت غطاء ناري كثيف جدا وبالتالي ازالة كل الخيام والمواقع التي اقامها النشطاء الفلسطينيين واتخاذ مواقع لدباباتهم وعرباتهم المجنزرة واقامة مواقع عسكرية متقدمة دون خشية ان تجر تلك العملية لمواجهة شاملة بين إسرائيل والمقاومة في غزة, والسبب الاول هو خوف اسرائيل من تأكل قوة الردع امام الفلسطينيين و بالتالي تصبح عاجزة عن وقف تنامي تلك المظاهرات ما ينذر بمزيد من التظاهرات المشابهة و ينذر باستمرار تلك التظاهرات لتأخذ شكل مواجهة تستنزف قوة اسرائيل العسكرية التي لا تعتاد عليها في المواجهة وبالتالي احداث خسائر اقتصادية وزراعية وامنية وخسائر في سمعة اسرائيل امام العالم ,السبب الثاني الذي يجعلنا نتوقع تلك العملية هو رغبة اسرائيل في انهاء مسيرة العودة قبل الرابع عشر من مايو أي مناسبة النكبة لتتفرغ اسرائيل لمواجهة تظاهرات الضفة الغربية وبالتالي تنزع عنصر شمولية المواجهة مع جيشها في كل مكان حتي قد تصل الى الداخل المحتل عام 1948, والسبب الثالث هو سبب سياسي محض فقد لا تريد اسرائيل ان تحقق حماس مزيد من التعاطف الاقليمي والدولي الرسمي والشعبي طويل الامد بسبب طريقة قمع إسرائيل لتلك المسيرات واستخدامها اسلحة تعرف اسرائيل انها ممنوع استخدامها ضد المدنيين على نطاق واسع وهذا قد يجر اسرائيل يوما من الايام لمحكمة الجنايات الدولية حتي في ظل الغطاء الدولي الذي توفره لها الولايات المتحدة وبعض حلفائها في مجلس الامن.
ليس مستبعدا ان تفعل اسرائيل ذلك بدلا من اقدمها على عملية عسكرية في عمق غزة علي شكل حرب رابعة تفرض فيها اسرائيل قواعد اللعبة من جديد على المقاومة الفلسطينية وهذا مستبعد بسبب عدم رغبة اسرائيل في مواجهة كبيرة اليوم مع المقاومة الفلسطينية وفي ذات الوقت فأن اسرائيل اليوم في حاجة لمزيد من الهدوء لتحقق اهدافها بالاحتفاء بالنصر التاريخي الذي كانت تنتظره بقيام الولايات المتحدة بنقل سفارتها الى القدس في او ل تطبيق فعلي لقرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ديسمبر الماضي ولا تريد تشويش على ذلك , وليس مستبعدا ان تقدم اسرائيل خلال عمليتها المتوقعة هذه على ابعد من عملية عسكرية احترازية مؤقتة يكون الهدف منها تمرير يوم نقل السفارة الامريكية للقدس بلا مزيد من المواجهات التي لن تكون الا سببا لمزيد من الكراهية لإسرائيل بالعالم وبتوسيع مساحة المنطقة العازلة على طول حدود قطاع غزة وزراعتها بالألغام والمجسات التي تنبئ بتقدم الافراد او الجماعات الفلسطينية فوق الارض وتحت الارض .
د.هاني العقاد
[email protected]