مع دنوّ ذكرى النكبة التي تحمل في طيّاتها قسطاً عظيماً من الألم و الوهن ، يتساءل الكثيرون من أنصار السياسة و المقرّبين من الساحة الفلسطينية عن الوضع الذي يعيشه قُطبا الصراع الممتد منذ أكثر من سبعين عاماً ، و هما القطب الفلسطيني و داعموه إنْ وُجِدوا ، و القطب الإسرائيلي و من لفّ لفيفهم ..
يبدو أنّ الأجواء الإسرائيلية في الذكرى السبعين لقيام دولتهم المزعومة ، ليست على ما يُرام ، و ذلك رغم كل المحاولات الإسرائيلية التي يسعى صُنّاعها إلى إظهار إسرائيل اليوم بمظهر المُنتشي الذي يحيا حياة طبيعية بين جيرانه الذين يحبهم و يحبونه ، فالوفود العربية تصل إلى إسرائيل تباعاً للمشاركة في ماراثون القدس المحتلة للدراجات ، إحياءً لذكرى قيام الدولة العبرية ، و بالتالي استثمرت إسرائيل هذه الخيانة العربية استثماراً جيداً ، فراحت تسوّق نفسها في الأوساط الإعلامية بأنّها صديقة العرب ، و بأنّ المواطنين العرب لا يمانعون التطبيع معها و إقامة أفضل العلاقات معها على كافة الصّعد ..
و كم حاولت إسرائيل كذلك استثمار الطراوة السعودية في العلاقات بين تل أبيب و الرياض التي راحت أبدت استعدادها على دخول التطبيع من أوسع أبوابه ، و لعل مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى سدّة الحكم صبّ كثيراً في صالح هذا الكيان ، لاسيما أنه سارع إلى اتخاذ قرارين مهمّين بالنسبة لإسرائيل ، لم تكن تحلم بهما على مدار سبعين عاماً ، أما قراره الأول فهو عزمه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس و اعترافه بالقدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي ، و أمّا القرار الثاني فهو قراره الأخير بالانسحاب من اتفاقية البرنامج النووي الإيراني الذي كانت إسرائيل من أوائل المصفّقين و المطبّلين لهذا القرار ..
و رغم كل هذه الظروف التي تصب في صالح كيان الاحتلال ، إلّا أنّه و في ذات الوقت ، يقاسي آلاماً كثيرة تعكّر عليه أجواء الاحتفال في ذكرى ولادته ، و تأتي مسيرات العودة في مقدمة هذه المنغّصات ، فلا يخفى على أحدٍ قط مدى الارتباك الذي صنعته هذه المسيرات في عقر الاحتلال ، إذ أنه قد فقد زمام المبادرة ، و أصبح الجميع يستجدون الفلسطينيين هناك من أجل إيقافها مقابل تحقيق بعض المطالب ..
هذا و إنّ إسرائيل تشعر بقلق عميق من المسيرة الكبرى التي يعتزم الفلسطينيون القيام بها في ذكرى النكبة ، و ملامح الخوف و الهلع واضحة للعيان على وجوه المسؤولين العسكريين و السياسيين الإسرائيليين ، فإسرائيل لم تعتد يوماً على مثل هذه المواقف التي وضعتها في زاوية حرجة لم تألفها من قبل ، فالشعب الفلسطيني اليوم يقول لإسرائيل بأنّ حق العودة هو حق مقدّس لا تراجع عنه ، و بأنّ تضحيات مسيرات العودة هي نقطة البداية و عنوان المقال ، و بأن السطور القادمة تحمل في ثناياها الكثير من المفاجآت التي لم يتوقعها الصهاينة ، و قد قال يحيى السنوار بأنّ النمر المحاصر في غزة قد استفاق من سباته و لن يتمكن أحد من ثنيه عن مشروعه في نيل الحقوق و الثوابت الوطنية ، و في مقدمتها مدينة القدس و حق العودة ..
كذلك لو نظرنا إلى الوضع الإسرائيلي على الجبهة السورية ، فإننا ندرك أن الأوضاع هناك لا تسير على ما يرام أيضاً ، و ذلك بعدما شهدت هضبة الجولان السوري المحتل أمس الأربعاء ، إطلاق صواريخ من سورية لم يُعرف حجم الأضرار الناجمة عنها ، و لكنّ الأمر المُجْمَع عليه هو أنّ سيارات الإسعاف هرعت إلى المكان ، و ناشدت الحكومة الإسرائيلية السكان بالنزول إلى الملاجئ ، و بغضّ النظر عن ذلك فإنّ حالة القلق و الارتباك تبدو واضحة في تلك الجبهة ، لاسيما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يجري مباحثات اليوم في موسكو مع المسؤولين الروس ، و ملف سورية على جدول الأعمال ..
و على صعيد المواقف الدولية ، فإنّ هناك تقدماً إيحابياً ملحوظاً في مواقف بعض الدول تجاه القضية الفلسطينية ، فدول أوروبية متعددة تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين ، و البرلمان الأوروبي منزعج تماماً من التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة ، و الحصار المستمر هناك ، و قد طالب مؤخراً برفع هذا الحصار ، و ضرورة أن توقف إسرائيل استهدافها للمتظاهرين العُزّل عند السياج الحدودي مع قطاع غزة ، و استخدامها للقوة المفرطة بحقهم ، و قد أصدر قراراً بأغلبية ساحقة بخصوص هذا الشأن ..
إذاً هي منغّصات كثيرة .. تعكر الأوساط الإسرائيلية في ذكرى قيام دولتهم ، و ذلك على الرغم من وجود بعض الفُرَج التي تحاول إسرائيل التشبّث بها لرفع معنويات مواطنيها ، و الظهور بمظهر اللاعب الذكي الذي يُمسك بخيوط اللعبة و مفاصل المنطقة بشكل ثابت .. و لكنْ .. هيهات يا إسرائيل ..
بقلم/ عبدالسلام فايز