فِي هَذا التّوقيت الصّعب والمُهمّ الذِي يُكرّس فِيه القَائِد الوَطَني محمّد دَحلَان كُل مجهُوداته وعَقله وفِكره وكُل ما يملِك مِن امكانيّات لتخفِيف وَطأة الأزَمَات الوَطنيّة والمَعيشيّة التي يعيشُها شَعبنا والتي لم يسبِق لَها مَثيل بتآلف عِدّة قُوى تَستهدف غزّة وأهلَها والقُدس والقَضيّة الفِلسطينية بِما فِي ذَلك رَئيس السّلطة محمُود عبّاس، تُعاد الأسطُوانة مِن جَديد بتحمِيل محمّد دَحلان مسؤُولية الإنقِلاب عَلى أردُوغان قَبل عِدّة شُهور، ويَأتي ذَلك عَلى لِسان وَزير خَارجية تُركيا. لشَيء مِن الأهميّة يأتِي هَذا اللّغو فِي هَذا التّوقِيت لتُعاد تِلك الإتّهامَات ليخرُج بِذلك مِن دَائرة الدّوائر الإعلاميّة الهَادفة والمُغرضَة والأفرَاد الموتُورين إلى الدّائرة الرّسمية لتُركيا فِي حِين أنّ تُركيا مِن خِلال التّحقيقات السّابقة لم يثبُت تورّط دَحلان أو دِول إقليميّة فِي الشّأن الدّاخلي التّركي، فتُركيا مُنذ تسلّم أردُوغان للحُكم وتسلّم حِزب العَدالة والتّنمية مَقالِيد السّلطة تُعاني مِن نَهج إستئصَالي لا يُؤمن بحريّة الرّأي والشّراكة، هِي تِلك القَاعدة للإخوَان المُسلمين أينمَا ذهَبت أو رَحلت أو أقَمت. تُركيا تُعاني مِن إشكَاليات دَاخلية فِي نِظامِها السّياسي وتُركيا لا تختلِف على أيّ نِظام آخَر عِندما يشعُر أنّه نِظَام استبدَادي دِكتاتُوري ليَرحّل جَميع مَشاكله لتدخّل خَارجي أو أفرَاد مِن الخَارج، فتُركيا وشعبُها لا ينقصهَا الفِهم لفِهم طَبيعة نِظام أردُوغان الذي يلعَب عَلى جَميع الحِبال بثَوب الإسلام والإسلامِيين، أمّا مَا يهمّنا نَحن كفِلسطينيين مَاذا فعَلت تُركيا للفِلسطينيّين ومَا هِي طَبيعة عَلاقاتِها مع إسرَائيل لكَي نفهَم طَبيعة الدّور التّركي، مِن الوَهم أن نقتِنع بجَميع البَالونات التي أطلقَها أردُوغان حَول فكّ الحِصار وسفِينة مَرمَرة وشُروطه لفك حِصَار غزّة، فهل تمّ فَك حِصَار غزّة، بالتّأكيد لا، بالعَكس فِي تِلك الآونَة أو بَعدها بشُهور تمّت مُناورَات عَسكريّة استراتيجيّة بين إسرائِيل وتُركيا.
شَيء مفضُوح أن يتّبع نِظام أردُوغان تِلك المقُولات التي تتحدّث عن أنّ دَحلان قد يكُون مسؤُولًا عَن ثُقب الأوزُون، ومسؤُول عَن انصِهار مِياه القُطب الجَليدي، ولكن الحَقيقة بائِنة، ما هُو دَور دَحلان فِي انقاَذ الحَالة الفِلسطينية المُتردّية، ومَا هِي مُساهمَاته الإيجَابية البَناءّة نحو وِحدة الشّعب الفِلسطيني ووِحدة فَتح ووِحدة القُوى الفَاعلة، ومَا هُو دَورة الإيجَابي فِي مُحادثات القَاهرة واتّفاق المُصالحة فِي أكتُوبر المَاضي، دَحلان همّه الوَحيد والشّاغر الأكبَر لَه هُموم شَعبه والمُخيّمات الفِلسطينية والفُقراء، يمرّ عَلى إعلان دَولة إسرائيل صَديقة تُركيا 70 عَام مِن تَهجير الشّعب الفِلسطيني وعَدم استجَابتِها لمَطالِب هَذا الشّعب المشرُوعة، مَاذا فَعل أردُوغان حَفيد الخِلافة العُثمانيّة المهزُومة، فَفلسطِين احتلّت نتِيجة هَزيمة العُثمانيين، وعَلى نِظام أردُوغان أن يعتَرف للشّعب الفِلسطيني ويعتذِر لَه لأنّه فرّط في أرض فِلسطين، ومسؤُولية أخلاقيّة وتَاريخيّة على كُل أحفَاد الإمبراطُورية العُثمانيّة الحَالة اللائنسَانية التي يعيشُها الشّعب الفِلسطيني.
مِن حقّ القائِد الوَطني دَحلان أن يرفَع دَعوات قَضائِية ضِد هَذا النّظام، ولكِن أُريد أن أقُول أنّه مِن حَق كُل الشّعوب التي تضَرّرت مِن نِظام أردُوغان أن ترفَع قَضَايا ضِد هَذا النّظام الذي تدخّل في شُؤون كُل الدّول العَربية، فهُو مسؤُول عَن القَتل فِي لِيبيَا عَام 2011 وهُو مسؤُول عَن القَتل والدّمار في سُوريا والعِراق ومِصر، وهُو داعِم للإرهَاب فِي نَفس الوَقت وفِي شَراكة مَع الإسرائِيليّين، فمَازال نِظام أردُوغان يَحتلّ الأرض العَربية فِي شَمال سُوريا، ولازَالت تُركيا تَحتل لِواء الإسكندرُون العَربي.
عن أي تدخّل يتحدّث أردوغان، فالشيطنة تأتي من هذا النّظام الإقصائي الفاشي، ولم تأتي من قبل محمد دحلان أو دول تساهم في بناء الإنسانية ولا تساهم بالقتل والدّمار، ونريد أن نذكّر بطبيعة العلاقات التركية الإسرائيلية:
1- إعترَفت تُركيا بإسرائِيل بَعد إيرَان كثَانِي دَولة إسلاميّة فِي مَارس 1949م أمّا إيرَان فاعتَرفَت بإسرَائِيل عَام 1948م وتمّ وَقف العَلاقَات وطَرد السّفير بِثورة الخُميني الإسلاميّة فِي إيران.
2- تعَاون فِي الشّؤون الإستراتيجيّة والعَسكرية والدّبلوماسِية فِي مَنطقة الشّرق الأوسَط.
3- تَشهَد العَلاقَات تَوتّرًا دُبلوماسيا بخُصوص حِصار غَزة وسِياسَات إسرَائيل فِي القُدس.
4- وقّع بِن غُوريون رَئيس وُزراء إسرائِيل مَع عَدنان مَندريس عَام 1958م إتّفاقية ضِد التّطرّف ونُفوذ الإتّحاد السّوفيتي فِي الدّول العَربية والشّرق الأوسَط.
5- فِي عَام 1986م تطوّرت العَلاقات الدّبلوماسِية مِن قنَاصل إلى سُفراء وتمثِيل كَامل عَام 1991م.
6- عَام 1996م وقّعَت حُكومة تُركيا وإسرَائِيل إتّفاقية تَعاوُن عَسكري.
7- تكوِين مجمُوعة واحِدة للبَحث الإستراتِيجي بينهُما.
8- تَدريبَات بَحريّة وجَويّة عَام 1998م.
9- تُزوّد إسرَائيل تُركيَا بالسّلاح المُتطوّر والقُبة الحَديديّة وسِلاح الطَيران والصّوارِيخ البلَاستيّة ودَبّابة الميركَافَا.
10- يَنَاير 2000م إتّفاقيّة التّجارة الحُرَة.
كَيف نَفهم العَلاقات التّركية الإسرَائِيليّة مِن وِجهَة نَظر شَرق أوسطِية أو إسلامِيّة أو بِصفَتِها صَاحِبة الإمبراطُوريّة العُثمانِية الغَابرة والتي لاقَت نِهَايتَها فِي الحَرب العَالميّة الأُولى وتَحول تُركيا إلى دَولَة عَلمَانية بِقيادة أتاتُورك، وهَل تُركيا مسؤُولة عَن ضَياع فِلسطين وإقَامة المشرُوع الصّهيُوني الذي بُني على الإنتِداب البرِيطَاني، وهَل هُناك مِن عُقدة الضّمير لدَى الأترَاك تُجاه الشّعب الفِلسطِيني كَما هِي عُقدَة الأَلمَان تُجاه اليهُود نَتيجة مَا يُسمّى مَحَارق اليَهود فِي ألمانيا، أم تقُود تُركيا مَصَالحها مَع الغَرب وتوَازنات المُعادلات فِي مَنطقة الشّرق الأوسَط وكَما ظَهَر أخِيرًا فِي الأزمَة السّورية والكُردية العِراقِية واللّيبية كَما أسلَفنا سَابقًا.
الشّعب الفِلسطِيني لَدَيه مِن التّجربة والذّكَاء أن يفهَم ويعرِف الغثّ من السّمين، فدَحلان لم يكُن يومًا عُنصرًا سَلبيًا أمَام الأزمَات العَربية، بل وَحدويًا لا يتدخّل فِي شُؤونِها الدّاخلية، وكُل همّه وهمّه الوَحِيد، تجنِيد كُل الإمكَانياّت لخدَمة شَعبه وقَضَاياه مُكرّسًا جُهُوده مِن عدّة سَنَوات مَضَت لتخفِيف وَطأة الحِصَار عَلى قِطَاع غَزّة واستفرَاد محمُود عَبّاس بالقَرار السّياسِي والسّلطات الثّلاث، حَيث أصبَحت الحَالة الإستبدَاديّة تُهدّد المَصير الفِلسطينِي والشّعب الفِلسطِيني، وهَذا هُو دَور دَحَلان الذي سيُخلّده التّاريخ فِي أشدّ الأزَمَات وأحلَكِها التي يُواجهُها شَعبُه.
سميح خلف