مسيرة العودة واعادة التقيم

بقلم: عباس الجمعة

أراد المعسكر الصهيو- أميركي أن يحتفل بالذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين بشكل مختلف عما عداه وسبقه، حيث اتسمت هذه الفترة بمحاولة أميركية فعلية وجادة من أجل تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، تصفية تدفن حقوق الفلسطينيين وآمالهم وتكرس الاحتلال كياناً نهائياً يستحوذ كامل أرض فلسطين التاريخية باستثناء قطاع غزة، تصفية بدأت بإعلان أميركا القدس عاصمة لإسرائيل ونقل الكتلة الاستيطانية المسمى بالسفارة الامريكية الى القدس ، الا ان مسيرات العودة في غزة والهبة الشعبية في الضفة والقدس ووقفة ابناء فلسطين عام 48  اكد لهم ان فلسطين ستبقى عربية ، وان دماء الشهداء التي تعمدت بالدم الاحمر القاني اثبتت مجدداً حقيقة الصراع مع الاحتلال، فالشهداء الذين سقطوا رسموا خريطة طريق جديدة الى الوطن التاريخي للفلسطينيين، صحيح ان الثمن غالي، لكنها هذه المرة تخرج عن كل اطار مرسوم لتضع في الحال خروج الشعب في ذكرى نكبتهم لتقول للعالم اين قرارات شرعيتكم الدولية .

لم تعد المسألة ان نكتشف العدوانية الصهيونية المكتشفة اصلا منذ زمن عصابات الهاجاناة والارغون الاجراميتين، والتي ما تزال تؤكدها مجموعات الاجرام والارهاب الصهيونية منذ النكبة الفلسطينية 1948 وحتى مسيرة ذكرى السبعين للنكبة ، فالمجتمع الفلسطيني يعيش حالة تطور نوعي هي خلاصة مرحلة مختلفة من التعبير ، لكن هذه الدماء دليل على أن السبعين عاماً لم تفلح في محو خريطة فلسطين ولم تنجح في استيلاد جيل لا يعرف أحجار القدس حجراً حجراً، ومفاتيح البيوت العتيقة التي حملها الأجداد إلى الأبناء، هذه الدماء دليل وعي ينتقل بالنسغ وحليب الرضاعة، ودليل بشر أن فلسطين ستبقى فلسطين والقدس عاصمتها الأبدية جيلاً بعد جيل.‏

وفي ظل هذه الاوضاع نجد الموقف العربي المتفرج ، وتطبيع العلاقات بينما البعض يؤكد حق إسرائيل التاريخي في فلسطين، واعتبار إسرائيل دولة تقوم على أرضها وأن لها الحق في الدفاع عن نفسها على حد قول وزير خارجية البحرين في موقف وقح قبيح تعدى في قبحه كل قبح، فهؤلاء العرب فلم يعلموا ان فلسطين اغتصبت أرض فلسطين، وشرد شعبها في اصقاع الأرض الواسعة بمباركة بريطانية وامريكية واستعمارية ، وقامت قوات الاحتلال بهدم البيوت وسجنت آلاف المقاومين وشردت الملايين وصادرت الأراضي والبيوت وبنت المستعمرات وحاصرت السكان ومنعت عنهم سبل العيش وكل ذلك بمباركة غربية استعمارية وبغطاء وحماية أميركية ، الا ان الشعب الفلسطيني لم ينسى بيارات الليمون وسهول الجليل وحجارة الأقصى وعبق بيت لحم والتاريخ.‏

كل العهود والمواثيق المخطوطة على أطنان الورق في منظمة الأمم المتحدة انتهكتها حكومة الاحتلال ومازالت، دون أن ترفع المنظمة الدولية وثيقة واحدة في وجهها، كل جرائم الحرب ارتكبتها سلطات الاحتلال على مرأى ومسمع العالم الذي أبدى في أحسن الأحوال قلقاً لا نعلم على من، ليس هذا فحسب بل تم اتهام الضحية بجريمة المحتل القاتل ويعاقب عليها شعب فلسطين.‏

وفي ظل الظروف التي نعيشها وفي حضرة الشهداء و الجرحى لا معنى للكلام، ولكن السؤال يجب ان يكون امام المعنيين هناك تقييم لما جرى بعيدا عن المبالغة ، رغم قناعتنا إن يوم الخامس عشر من أيار وما شهده من تحد لأسلاك الاحتلال الشائكة وحقول ألغامه ورصاصه الحي بصدور عارية هو رسالة واضحة لإسرائيل ومن يقف وراءها أن تقادم الزمن لا يغير في معادلة الإصرار على تحرير الأرض والعودة .

ختاما : ان ما شهدناه من اندفاع بطولي لدى الشهداء على بعد عدة أمتار من الأسلاك الشائكة كان الرصاص الحي باستقبالهم بدماء باردة من قبل الكيان الصهيوني، تتطلب وقفة امام مسيرات العودة واعادة التقيم ، رغم ان هذه الفاعلية الشعبية اكدت على المصير والمستقبل الوطني ، وأن الشعب الفلسطيني اليوم يؤكد بدمائه أن لا خيار أمامه إلا الوحدة الوطنية والتمسك بحق العودة إلى فلسطين ورفض لكل المشاريع التي تحاول الالتفاف على حقه بالعودة إلى دياره او محاولة البعض صنع بدائل عن كيانه السياسي وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية ، فليعمل الجميع على تطبيق قرارات المجلس الوطني الفلسطيني والحفاظ على المشروع الوطني ، لأن دماء الشهداء لن تذهب هدرا بل سوف تعطي دفعا إضافياً للإصرار الفلسطيني وإعطاء إجماع عربي وأممي على حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .

 

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي