ثمّة مَا هُو مُهم أن نُعيد حِسابَاتنا بالقَرار السّياسي الذي اتّخذه المرحُوم جَلالة الملك حُسين بفَك ارتِباط الضّفة عن المَملكة الأردُنية الهَاشمية عَام 1988م وهُو قَرار سِياسي وليسَ دُستُوري، حَيث تنُص المَادة الأولى فِي الدّستُور الأردُني عَلى أنّ:"المَملكة الأردُنية الهَاشمية دَولة عَربيّة مُستقِلة، ذَات سِيادة مُلكها لا يتجزّأ، ولَا يُنزل عَن شَيء مِنه"، أي الوَضع الدّستُوري لضَم الضّفّة الغَربية بَعد عَام 1948م إلى الأردُن مَازَال قَائمًا، وليسَ من الضّرُوري الآن أن نَسرِد تَاريخيًا كَيف تم الضّم، وكَيف تحوّلت تِلك القِطعة مِن فِلسطين مِن إسم فِلسطين إلى إسم "الضّفة الغَربية لنَهر الأردُن"، تِلك التّسمية التي أتَت فِي أعقَاب النّكبة عَام 1948م وآليّاتُها كَانت اجتِماع العَائِلات الكُبرى والعَشائِر الكُبرى فِي الضّفة الغَربيّة بالمَلك عَبد الله ومُطالبَته بضَمّ ما تَبقّى مِن أرض فِلسطين إلى شَرق الأردُن، ومُوافقَة إسرَائِيل ولكِن بشُروط، أن تطلُب الأردُن مِن القُوّات المَصريّة في القُدس الإنسِحَاب مِن تِلك المَناطِق، وتَحدِيد خَطّ الهُدنَة، العَائلات التي طَلبت الإنضِمَام إلى المَملكَة الأُردُنية الهَاشِمية هِي المُناوءَة والمُعارِضَة لآل الحُسينِي. أُنجِز الضّم بينَ الضّفتين والوِحدة بَين الضّفتين تَحت رَاية المَملكَة الأردُنية الهَاشِمية عَام 1950م. كَما قُلت لَسنا هُنا بصَدَد نِقَاش فِي التّاريخ بقَدر مَا نُريد أن نستِحضَره الآن لطَرح السّؤال الآتِي: لو بقيَت الضّفة الغَربية تَحتَ السّيادة الأردُنية التي اعتَرفَت إسرَائِيل بِهَا مَا بَعد نَكسَة 1967م حَيثُ بقيَت الجِنسيّة الأردُنيّة سَاريَة للمُواطنِين وبقيَت الحَركَة التّجاريّة والمَعابِر مفتُوحة، هَل كَان هُناك تَمدّد للإستِيطان بهَذا القَدر وبَهذِه الكَثافة، أم كَان هُناك دَولة ذَات سِيادة تُدافِع عَن أرَاضِيهَا وسُكّانها وحُدُودها؟ مِن المُهم الإجَابة عَلى هَذا السّؤال.
أمَام فَشَل حَلّ الدّولتين تحرّكت بَعض العَائلات والقَبائل إلى عمّان مُنذ عَام وحَدث لِقاء مَع القِيادة الأردُنية مُطالِبة بعَودة الضّفة الغَربية إلى الأردُن، ونُريد أن نُنوّه هُنا أنّ الأرضِيّة مَازَالت خَصبَة لَدى سُكّان الضّفة كمُيول اقتِصَادي وَولاء وعَشائر نَحو الشّرق، ولكِن نُريد أن نَطرَح وَثيقة تَاريخيّة أيضًا تدعّم ما سَبق، بأنّ الضّفة لو بَقيت تَحت الإدَارة الأُردنيّة لمَا حَدث التّهويد للقُدس ولمَا سيطَر الاستِيطَان عَلى 60% مِن الضّفة الغَربية. الاتّفاق الذي حَصَل بَين المَلك حُسين وَوزير خَارجية إسرَائِيل عَام 1987م، الإتّفاق ينُص عَلى إعَادة الضّفة الغَربية للأُردن، ولكِن تعطّل تنفِيذ هَذا الإتّفاق بمُعارضة اسحَاق شَامِير وبرَفض مُنظّمة التّحرير لهَذا الإتّفاق ودَعوة الجَامعة العَربية للضّغط عَلى الأُردن لفكّ الإرتِباط، سَببَان مُعطّلان لهَذا الإتّفاق، التقَيا فِي نُقطة وَاحدة، فاضطّر المَلك حُسين رحِمه الله نتِيجة الضّغط مِن الجَامعة العَربية وضَغط مُنظمة التّحرير أن يُعلن في بَيان سِياسي فكّ الإرتِباط مَع الضّفة الغَربيّة. تَحرّكت مُنظمَة التّحرير للضّغط عَلى المَملكة الأُردنية الهَاشمية بقَرارَات مُؤتمر القِمة فِي الرّباط عَام 1974م الذي اعتَرف بمُنظّمة التّحرير مُمثلًا شَرعيًا ووحِيدًا للشّعب الفِلسطيني، فِي تِلك الفَترة قدّمَت مُنظّمة التّحرير تنازُلات واعتِماد للخَط السّياسي والتّعامل مع الأطرُوحات الدّولية تبويبًا للإعتِراف بِها وليسَ الإعتِراف بحُقوق الشّعب الفِلسطيني أولًا كاللّاجئين والقُدس، وهَذا مَا حَصَل فعلًا بالاعِتراف بالقَرار 242 و338 وبداَية الإتّصَالات مَع الإسرَائيليين، أي شَخصيّات إسرائيلية في تُونس والنّرويج والدّينمارك ورُومانيا، مَع وعُود أن تعتَرف أمِيركا والعَالم بمُنظمة التّحرير الفِلسطينية.
إعلان الإستِقلال عَام 1988م ووُعود أمريكيّة بالتّعامل مَع مُنظمة التّحرير وقُبول الدّولة في الضّفة الغربيّة وغزّة، هذه الأهدَاف التي مَهّد لَها المَجلس الوَطني عَام 1974م بقُبول الحلّ المَرحلي والنّقاط العَشر، أي تَوالَت بَعدَها الإتّصالات إلى باكُورة إعلان الإستِقلال أي الإعتِراف بإسرَائيل أيضًا كدَولَة عَلى 78% مِن أرَاضِي فِلسطِين. دَخلَت مُنظّمة التّحرير أوسلُو، ولا نُريد أن نتحدّث كثيرًا عَن مَظاهِر أوسلُو ونتائِجها العَجيبة الغَربية المُدمّرة، حَيث الاستِيطَان وتهوِيد القُدس وفَشل حلّ الدّولتين والإنقسَام الفِلسطيني الفِلسطيني الذي يُهدّد وِحدة ما تبقّى مِن أرض الوَطن، إلى تَبويب لفَتح مَشَاريع قَديمة جَديدة إلى مَا يُشاع الآن وهُو الأقرَب لمَا يُسمّى صَفقة القرن، أي ضمّ الضفّة الغربيّة لإسرَائيل وهُو إحتِمال، أو عَودة رَوابط مُدن مُلحَقة أمنيًا واقتصاديًا وإداريًا بالمَملكة الأُردنية الهاشِمية، وتوسّع لقِطاع غزّة نَحو الشّرق لعدّة كيلومِترات أو الجنُوب هَذا ما يُطرح، فِي دَولة ليسَت بدَولة، بل تَحت الوِصَاية. بالتّأكيد أنّ الشّعب الِفلسطيني يرفُض هَذا المَنطق، ولكِن مِن الخَطأ الاسترَاتيجي أن َضغَطت مُنظمة التّحرير بفَك الإرتِباط مَع الأردُن، فالدّولة الفِلسطينية كَانت يُمكن أن تُحقق بَعد استِرجَاع الضّفة الغَربية للأردُن واسترجَاع غزّة لمَصر، وقد يكُون هُناك طَرح مُشابه طَرحه السّادات فِي كَامب دِيفيد، والذي عَارضه الفِلسطينيون أيضًا. مُنظّمة التَحرير للآن لم تَستطِع الحِفاظ عَلى الحُقوق الفِلسطينية ولم تِستطِع حِماية الانسَان الفِلسطيني والتّاريخ الفِلسطيني عَلى الأرض الفِلسطينية، والأقوِياء هُم الذين يستطِيعون تَوفير الحِماية، فالأردُن ومِصر كانَتا قادِرتِين عَلى حِماية تِلك الأرض مِن التّهويد، إلّا أّنّ نَرجِسيات قِيادة مُنظمة التّحرير غلّبت المَصلحة الذّاتية كَونها قِيادة واطَار يستنفِع مِنه عَن مَصالح الشّعب الفِلسطيني، تَحت حُجّة الكِيانية الفِلسطينية المُستقلّة! والتي هِي الآن تَحت الإحتِلال وكَما قَال محمُود عَباس: إننَا نَسير تَحت حِذاء مُستوطنة أو مُجنّدة إسرائيلية، وكَما قَال أيضًا: لن نبقَى نَعيش كَوسَطاء مَالييّن.
كَانت أُمنيات الشّعب الفِلسطيني حَتّى بالحلّ الأدنَى فِي الضّفة الغَربية بوِحدة جُغرافية ذَات سِيادة، ولكِن أُسقِط حلّ الدّولتين وأُسقطت المُقاومة والكِفاح المُسلّح، ومَا كَان تَحت بَند التّبريرات والتّعليلات والتبجّحات بالفَشل أن نعتَمد عَلى المُقاومة الذكيّة أو العَقلانيّة وكِلاهُما يُؤديان إلى نَفس الغَرض والنّتيجة، القُدس أُعلنت أمريكيًا أنّها إسرائيلية ومِن حَق إسرَائيل الوِصاية عَلى المُقدّسات فِي المَدينة وهُو يتنَافى مَع تَعهّدات إسرَائيل أمِيركا الآن بالوِصاية الأردُنية عَلى المُقدّسات الإسلَامية والَمسيحية، والإتّفاق المعمُول بِه أيضًا بَين السّلطة ومحمُود عَباس شَخصيًا والعَاهل الأردُني المَلك عَبد الله الثّاني، الحَقيقة مأسَاويّة وقد يكُون مِن المُستحيل إعَادة وِحدة مَا تبقّى مِن أرض الوَطن وهَذا ما فَشلت فِيه مُنظّمة التّحرير وحَماس أيضًا، فكِلاهُما يحمِل برنَامج وكِلاهُما مسؤُول. مِن الغَباء أن نُسلّم بِما يتحدّثون بِه عن المُقاومة الذكيّة أو المُقاومة الشّعبيّة التي تُمنَع فَعاليَاتها مِن أجهِزة الأمن أو المُقاومة السّلميّة المُبرمجة عَلى حُدود غَزة، حَالة توهَان وتردّد وغَثيان، توهَان سِياسي مُصاب بِه النّظام السّياسي الفِلسطيني وخَاصّة السّلطة في رَام الله التي تقُوم بعدّة إجراءَات عِقابية ضِد غَزة، فِي حِين أنّها ليسَت سُلطة وليسَت ذات سِيادة وليسَ لهَا دَخل إلّا َما تقُوم به إسرَائيل مِن جِباية المُقاصّة، وبَعض التبرّعات مِن الدّول المَانحة، والموضُوع يطُول شَرحه، المُهم الآن هَل نبكِي التّاريخ أو نَبكي عَلى التّاريخ أو نلُوم من كَان لهُم رُؤية قَصيرة النّظر ونَرجسيّة أيضًا، في القَانون الدّولي مَازالت الضّفة الغَربية تحتَ المَسؤولية الأردُنية كمَناطِق أحتلّت من الأردُن وهي ذَات سِيادة، ومَازالت غزّة تَحت الوِصَاية المِصريّة أيضًا كمنَاطق أحتلّت في عام 1967م أيضًا، يجِب أن يكُون هُناك عَمليّة إنقاذ لمَا تبقّى مِن أرض فِلسطين، ولن يقدِر عَلى ذلِك إلا تَحالف للقُوى الفِلسطينية فِي الضّفة وغَزة بمُوجب القانُون الدّولي وبمُوجب السّيادة على الحِفاظ عَلى أرض الضّفة وأرض غَزة وبَعد تَحريرهِما يكُون هُناك كَلام آخر، كُونفدرالية أو فِدرالية أو أيّ مُقترحات أخرَى. أمّا إذا كَان هُناك خِيار يُطالب بِه النّخب وأنا أوّلهم، فهُو النّضال مِن أجل الدّولة الوَاحدة، فهَذا قد يختصِر عَلينا الَكثير فِي مشرُوع التّحرير.
سميح خلف