كيف يمكن لنا مواجهة العداء الامريكي السافر ضد كل ما يمس قضيتنا الفلسطينية ونحن ممزقين كليا وعلى جميع الاصعدة فنحن نهاجم امريكا لأنها اوقفت دعمها للاونروا مما يهدد وجود هذه المنظمة الدولية وما يعنيه هذا الوجود للقضية الشعب الفلسطيني وقضية اللاجئين كأخطر مآسي القضية واهم ما يقلق الاحتلال على وجوده, فالقضية برمتها تقوم على الشعب وإرادته ووجوده بينما تسعى اسرائيل وأمريكا ومنظومة الحلفاء الامبرياليين للتخلص من الشعب كأساس للتخلص من القضية برمتها, الامر الى هنا عادي وطبيعي ان يمارس الاعداء كل سلوك ممكن يوصلهم الى اهدافهم لكن الامر يصبح في غاية الخطورة حين نتوقف نحن عن دعم ذواتنا بذواتنا وحين تصبح مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بلا جدوى وتتحول الى حبر على ورق, فقد سبق ولأكثر من دورة ان تحولت قرارات المجلس المركزي والوطني واللجنة التنفيذية الى محض اوراق في ادراج لا احد يهتم بإعادة فتحها او التذكير بها من جديد ومنذ خرج الشقيري من مؤتمر القمة العربي في الخرطوم محتجا على عدم الاستجابة لمطالبه بمنع الانفراد العربي بالحل الى اليوم الذي اصبح فيه العرب وسطاء بيننا وبين دولة الاحتلال وجيشها, بيننا وبين راعية الاحتلال وادارتها, الى ان انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الاخيرة هذا العام في قاعة احمد الشقيري وكان الامر لم يكن مصادفة فكل ما تأسست عليه منظمة التحرير على يد احمد الشقيري اصبح حبرا وقد يكون بعد كل هذه السنين حتى بلا ورق وسينساه من يعشقون النسيان.
المجلس الوطني الفلسطيني اعاد التاكيد على قرارات المجلس المركزي وأصدر قرارا واضحا ومحددا بإعادة صرف الرواتب لقطاع غزة ووقف العقوبات ضد شعبنا هناك, لكن شيئا من هذا لم يحدث ولم يهتم احد بتحويل هذا القرار الى واقع وحتى كل عضو في المجلس نفسه الذين عادوا كل الى بيوتهم مكتفين باللقب الذي حصلوا عليه متناسين عن قصد او غير قصد ان المجلس الوطني هو برلمان الشعب الفلسطيني وان اعضاء البرلمان يمثلون الشعب وقضاياه ولا يمثلون السلطة وان مهمتهم هي التشريع والمراقبة, فأين هم اعضاء هذا المجلس وأين هي الفصائل التي قبلت الحضور وحصلت على عضوية اللجنة التنفيذية واعتبرت نفسها حققت انجازا بإقرار رفع العقوبات عن غزة, ومن سيسائل العالم الامبريالي اليوم الذي يحاصر غزة ويفرض عليها العقوبات ونحن من نفعل ذلك باسم الشعب والثورة ومن خلال منظمة التحرير الفلسطينية التي من المفترض انها مؤسسة الثورة الفلسطينية الاولى وحامي حمى الشعب والوطن.
في غزة آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والمشردين وقد لا نجانب الحقيقة ان قلنا ان المعاناة هناك طالت كل بيت وكل فرد فلسطيني وان ما يجري لا يعمق الانقسام فقط بل ويشرعن هذا الانقسام وبعد ان كان انقساما سياسيا محدودا بين حركتي فتح وحماس بات انقساما حادا بين الضفة وغزة ولم يعد بإمكان جماهير غزة ان تقبل اي مبررات لوقوعها تحت عقاب الشعب ومؤسسات ثورته خصوصا وان احدا من اعضاء هذا المجلس او من الفصائل المشاركة حتى لم يحاول السعي لتنفيذ القرار الممكن تنفيذه فقط وبالتالي فمن اين لنا ان نصدق ان ايا من القرارات الاخرى ستجد طريقها الى الحياة ومن اين لنا ان نصدق انه سيجري " تعليق " الاعتراف بإسرائيل وهو بكل الاحوال ليس الغاء ولا سحبا لهذا الاعتراف ومن اين لنا ان نصدق انه سيجري وقف التنسيق الامني او تنفيذ المقاطعة وصولا الى العصيان المدني ومن اين لنا ان نصدق ان هناك شيء اسمه المقاومة الشعبية التي تحدث عنها المجلس الوطني اذا كان القرار الذي نملكه والمتعلق بقوت شعبنا وصموده نصر على عدم تنفيذه ولا نجد من يحتج علنا على ذلك ولا تقدم حكومة الوفاق الوطني اي مبرر لفعلتها ولم يحاسب رئيسها ولا وزير ماليتها على عدم تنفيذ هذا القرار فمن اين اذن ستأتي حكاية الوحدة الوطنية التي باتت ممجوجة وغير مستساغة حتى على مسامع أطفالنا, ومن يمكنه اليوم التحدث عن وحدة الوطن والشعب وكيف يمكن لفكرة الدولة في غزة ان لا تتدحرج رويدا رويدا حتى تصبح مطلبا شعبيا فلسطينيا في غزة وتدير الضفة رأسها بعيدا وكان الامر لا يخص احد في الضفة وبالتأكيد لن تكون للجليل والمثلث والنقب اية علاقة وسوف يكون امر مخيمات اللجوء محض حكاية من التاريخ بعد أن بات من في سوريا منثورين بكل بقاع الارض وبات البحث عن جنسية اخرى للفلسطيني في لبنان غاية وأمنية ليس بعدها امنية ولم يعد في العراق مخيم ولا في ليبيا لاجيء واليمن ما عادت اليمن والهجرة باتت طوعية ولم يعد للحلم الوطني في الذهن الفردي وجود حتى لو ظلت حكاية العقل الجمعي قائمة في اللفظ على طريقة قرارات المجلس الوطني وسائر مؤسسات ما كان يسمى الثورة الفلسطينية.
جدا واهمون اولئك الذين يعتقدون باستحالة انفصال غزة وتحولها الى الدولة الفلسطينية المختزلة لكل شعارات وأهداف منظمة احمد الشقيري الذي عاقبه العرب بالطرد عن رئاسة المنظمة لأنه جرؤ على قول لا علنا وبكل وضوح في قمة الخرطوم الشهيرة بقمة اللاءات الثلاث إلا لاء الشقيري الذي رغب بمنعهم من الصلح المنفرد فطردوه, هذه هي المنظمة التي لم يعد لها وجود حقيقي على الأرض منذ استضافت كلينتون لتتنازل عن برنامجها علنا وبلا مقابل اللهم إلا هذا الذي اتى به ترامب من ادارة للظهر لكل ما يمت لفلسطين وشعبها وحقوقه المشروعة وواهمون اولئك الذين يعتقدون ان امم امريكا المتحدة على قاعدة الفيتو سوف تعطي يوما لشعبنا ايا من حقوقه, لكن الأسوأ من كل ما يفعله العالم بنا هو ما نفعله نحن بأنفسنا فلا نحن واصلنا الثورة المسلحة ولا نحن احتفظنا حتى بشعاراتنا وأهدافنا وبرامجنا ولو على الورق ولا نحن نتقن الالتزام بما نقوله علنا ولم نعد نخجل ابدا من فعل عكس ما نعلن الى ان وصل بنا الامر الى الاحتجاج على عقوبات امريكا الاقتصادية في نفس الوقت الذي نفرض به نحن على غزة عقوباتنا ونطالبها بالعودة الى بيت الطاعة مجبرة لا مختارة فهل لا زال لدينا ادنى شك بأننا نحن من يذهب بغزة وأهلها الى المناداة يوما بأنهم يريدون دولة او ايا كان مسماها شريطة ان يجدوا قوت يومهم وقد نحقق نحن بأيدينا ما عجز عنه الجميع بالذهاب بغزة للبحر, وقد نخلص الجميع من غزة الشوكة الاقسى في حلوق كل اعداء شعبنا وبلادنا وقضيتنا والسؤال ألا يوجد من يسال عن مخصصات غزة ... آلا يوجد من يطالب بالخبز لأهل غزة وهناك غزيين قادة في كل الفصائل وكانوا اعضاء مشاركين في المجلس الوطني الأخير وصوتوا على قراراته بما فيها قرار رفع العقوبات وصرف الرواتب لأهلنا في غزة ام ان مخصصات الثوريين لم تتوقف وفقط سيجوع الفقراء والبسطاء والطيبين من اهل غزة ويتكرش كل القادة ايا كانت تلاوينهم دون ان يلتفتوا لجوع ناسهم الذين سيجدون انفسهم يصرخون بصوت واحد لا للوطن الواحد والشعب الواحد والسلطة الواحدة والدم الواحد ونعم للخبز والماء والكهرباء ... نعم لفتح معبر رفح ... نعم لإعادة اعمار البيوت ... نعم لمن يدفع لنا رواتبنا ويشتري لنا خبزنا ودواءنا وغطاء ليلنا وكسوة اجسادنا ولا لكل ما هو دون ذلك, ولا حتى لمصالحة السعداء ببقاء الانقسام.
بكل ما يجري على الارض فان دولة غزة قادمة وبأيدينا لا بيد الاعداء وعلى اكفنا لا بسكاكين الاعداء وكل من يعتقد ان مجرد الشعارات ستجعل من بلادنا وطنا واحدا ومن شعبنا جسدا واحدا فانه واهم والأمر لن يكون غريبا ابدا ان وجدنا اهل غزة يخرجون لا للتظاهر للعودة بل للمطالبة بالاستقلال عن الضفة التي تعاقبهم وهم يرون ما يجري على الارض علنا وعلى رؤوس الاشهاد وهم يرون ان من اجتمعوا تحت قبة الشقيري في رام الله ليعلنوا رفع العقوبات عن غزة عادوا لبيوتهم وأولادهم ولم يخلعوا بزاتهم الرسمية ولم تتغبر ياقات قمصانهم بجوع غزة ولا بدم شهداء غزة ولا بأنات فقراء غزة وكان الضفة صارت ابعد من خزائن الاونروا الأمريكية عن افواه اطفال مخيمات غزة.
بقلم/ عدنان الصباح