صفقة القرن تسير على قدمٍ وساق والمستهدف غزة، أما الضفة فمفروغ من أمرها.
هَل هِي حَالة تخبّط أم إفلَاس، أم حَالة مَنهجيّة أم مُمنهَجة ما تسِير عَليه الدّرامَاتِيكا عَلى السّاحة الفِلسطينيّة والحِراك الإقلِيمي والدّولي. بِداية هَذا الذي يبدُو تخَبطًا أو إفلاسًا أو هَلوسةً ما بَين الدّعوة لمَسيرة العَودة ومَا بين مَسِيرة فكّ الحِصَار. هُناك إزدِواجية فِي المَعايير والمَقاييس والأهدَاف أيضًا. فِي كلّ الأحوَال هَذا الحِراك الذي بَدأ مِن يَوم الأرض إلى ذُروته يَوم الإثنَين 14-5 وهُو يَوم النّكبة ويَوم إفتِتاح سِفَارة أمِيركا فِي القُدس، وهُو اليَوم الدّامي الذي خلّف ضَحيّته تراكُميّة في مَسيرة الشّهداء والجَرحى وصَلت إلى 63 شَهيدًا وأكثَر مِن 2000 جَريح، وبالحِسَابات مِن يَوم الأرض إلى يَومنا هَذا دَفع الشّعب الفِلسطيني مَا يُقارب مِن 153 شهيدًا وحَوالي 4000 جَريح.
لِماذا تحرّكت دِول الإقليِم وتَحرّكت الأُمم المُتحدَة وتحرّكت مُنظّمة التّعاون الإسلامِية؟ أهِي المرّة الأُولى التي يتعرّض فِيها الشّعب الفِلسطيني لِمثل تِلك المَكائد وعَمليّات القَتل؟ فالتّاريخ يُحدّثنا عن الكَثير على مَدار سَنوات النّكبة ومَا قَبلها، لمَاذا تحرّك العَالم تعَاطفًا وتآزرًا إنسانيًا مَع الشّعب الفِلسطيني فِي غزّة؟ أهي لسلميّة المَسيرة؟ فلقد حَدث أن نَادى محمُود عبّاس بالسّلمية مُنذ عدّة سَنوات، وللأسَف كَانت هُناك عَمليّات قَتل للمَدنيين فِي الضّفة الغَربية وحَرق لعَائلات بكَاملها، وهُناك تقرِير غُولدستون الذي يتحدّث عَن مَذابح العدوّ الإسرَائيلي تُجاه سكّان غزّة. لمَاذا تحرّك العَالم ولَم يتحرّك فِي مَذابح 2014م فِي غَزة و2012 و2008؟. الأمِين العَام للأمَم المُتحدة يقبَل بإدَانة الإحتِلال مِن خِلال الجَمعيّة العَامة، وبالرّغم مِن أنّه لا أمَل لتَمرير أي إدَانة للعَدوّ الإسرَائيلي مِن خَلال مَجلس الأمن بِسَبب الفِيتو الأمرِيكي. المُهم أنّ البَعض يتحدّث عَن أنّ هُناك تناقضًا بائنًا بين دول الإقلِيم وأميركا في قَضية القُدس وقَضية حِصَار غزّة، وهُناك تناقُض بَائن بينَ السّلطة وعُقوبَاتها وإجرَاءات محمُود عَباس عَليها وإسرَائيل التي تجِد ِمن تِلك العُقوبات وحدّتها مَا قد يُفجّر الوَضع في وجهِها وفِي وَجه دِول الإقليم، وقَد تتغيّر الأورَاق وتختلِف المُعادلات، وخَاصةً إذا أخَذت مَسِيرة العَودة نوعًا مِن الجِديّة لتُهدّد عَمليًا الجُغرافيا الأمنيّة لإسرَائيل، وقَد تأخُذ الأمُور أبعادًا أُخرى غَير التّهديد المَعنوي لدَولة الإحتِلال مِن خِلال مَسيرات خِلال أسَابيع مَاضية لا تتجَاوز بِضعة مِن الآلاف، وكَيف إذا تَحرّكت مَليونية مِن الشّعب الفِلسطيني فِي غزة واكتَمل النّضُوج والوَعي المَرحلي لتتحرّك تِلك الجُموع مِن مُخيّمات الضّفة الغَربية ولِبنان والأردُن وسُوريا كَاسرة حَاجز الخَوف والطّوق الأمني، أعتقِد أنّ كُل المُعادلات سَوف تتغيّر.
مَسيرة العَودة التي أُعلِن عَنها عَلى أنّها مَسيرة فَك الحِصار بَعد ذلك، مَع وجُود رَمزي لتِلك المَسيرة عَلى أطرَاف السّلك الشّائك، وتَهديد بأنّها ستكُون مَليونية يَوم النّكسة في 5-6، قد يكُون هَذا التّهديد يُرافق إنذَار لكُل مَا تمّ الإتفَاق عَليه مَع دُول الإقلِيم وإسرَائيل لتخفِيف أو لفكّ جُزئي عَن قِطاع غزة، وتضَع صِدق النّوايا في المحَك، بالتّأكيد أنّ مَا يحدُث فِي السّاحة الفِلسطينية إنقلابًا إذا جَاز التّعبير عَلى كُل البَرامج السّابقة وإن كَانت حَماس قَد نوّهت عَن إمكَانية العَودة للعَمل المُسلح، وبحِسابات الرّبح والخَسارة، لقد أثبتَت حَماس وجُودها السّياسي والعَسكري مِن خِلال مُواجهتِها مَع إسرَائيل، ولكِن لم تُحقق أيّ نتائِج عَلى المُستوى الوَطني، فالحِصار قد ازدَاد، وأضِيف إليه حِصار محمُود عَباس، وربّما السلميّة هي تَبويب جَديد لحَماس التي تقُود كُل القُوى فِي غزّة مَبني عَلى مِيثاقها وقنَاعتِها بأنّ المُناخات الإقلِيمية والدّولية لا تسمَح بمَا كَان مسمُوح به فِي فَترة السّتينات والتّوازن الدّولي، ولذلِك كَانت السّلميّة هِي خِيارها لقَطف ثِمار هَذا التّحرك بفَك الحِصار عَن غزة وفَك الحِصار عَنها أيضًأ، فالمَعبر قَد فتَح لمُدّة شَهر ورُبما يزِيد عَن ذلِك، والمُساعدات بدأت تنهَال عَلى قِطاع غزّة، ومُؤتمر هُنا ومؤتمَر هُناك، وتحرّك دَولي لحِماية الشّعب الفِلسطيني الذي طَالب به عبّاس مُنذ عَام 2014م. قد تكُون كَلمة الحِماية عَاطفية وقطف ثِمار سِياسيّة أكثر مِنها واقعيّة، فكَيف يُمكن تأمِين الحِماية للشّعب الفِلسطيني؟ وكلِمة حِماية كَلمة جَامعة وشَاملة غير مُجزأة، أهِي توفِير الحِماية للشّعب الفِلسطيني دَاخل غزّة والضّفة، وتوفِير الحِماية للشّعب الفِلسطيني دَاخل أرَاضي 1948م، أم توفِير الحِماية للشّعب الفِلسطيني الذي يُلاقي سُوء المُعاملة دَاخل دِول الشّتات، كَيف يُمكن توفِير الحِماية للشّعب الفِلسطيني؟، أمّا إذا اقتصَر مفهُوم الحِماية على الضّفة وغَزة، أيُمكن توفِير الحِماية للشّعب الفِلسطيني عَلى 550 حَاجز تقطَع أوصَال الضّفة الغَربية، أم كَيف يُمكن توفِير الحِماية في الدّاخل السّكاني في ظل وجود 850 ألف مستوطِن دَاخل الضفة، أم توفِير الحِماية عَلى المَعابر غَرب نَهر الأردُن أم إيرِز أم رَفح؟ كَيف يُمكن توفِير الحِماية للشّعب الفِلسطيني؟!. أعتقِد أنّ الحِماية تتم عَلى أرض أو عَلى حُدود أرض ذَات سِيادة بين الطّرف الضّعيف والقَوي، أي يُمكن توفِير الحِماية مثلًا عَلى خَط الهُدنة الذي يجِب أن يُطالب بِه الفِلسطينيين يين غزّة والإحتِلال، هَذا مُمكن، ولكِن هُناك ثمَن للمُطالبة بقُوّات دَولية وحِماية دَوليّة، هَذا الحَال ينطبِق عَلى قِطاع غَزة ولا يُمكن أن يُطبّق فِي الضّفة الغَربية، ثمَن الحِماية الدّولية هِي الهُدنة الدّائمة أو الإعتِراف أو المُفاوضَات مَع الإحتِلال، فهَل كافّة أنواع النّظام السّياسي اتّفقت عَلى المُفاوضَات مَع الإسرائِيليين وأوّلهم حَماس؟ ولأنّ السّلطة فِي حَالة تعَامل مَع الإحتِلال وهَذا الكَلام بالنّسبة لهَا تَحصِيل حاصِل. تبقَى الأمُور مُهمّة بالنّسبة لغَزة، التغيّر فِي المَوقف الدّولي والإقليِمي تُجاه حَماس وتُجاه غزّة بشكلٍ عَام يُعطي مَدلولًا واحدًا، أنّ هُناك تحرّك شَامل لفكّ شِيفرة القضيّة الفِلسطينية وتجزِئتها ووَضع حُلول لَها إنسانيّة وإقتصَادية لتُعطي مَدلولًا سِياسيًا مُجزّءً للمَشروع الوَطني، أو مَا كَان يُسمى قديمًا المشرُوع الوَطني. وَصَل الحَال بالشّعب الفِلسطيني فِي غَزة أن يطلُب الحُرية الإقتصَادية وحُريّة التحرّك وحُرية رغِيف الخُبز وهَذا ما وصَلت إليه الأمُور، إذًا الحِماية الدّولية لا تتِم إلّا في إطَار إتّفاق شَامل يبيّن الخَريطة السّياسية للدّولة، هَذا في إطَار حَل الدّولتين وهُو غَير مُمكن الآن، أمّا المُمكن كَما قُلت هُو وَضع قُوات دَولية عَلى حُدود قِطاع غَزة، أي تجمِيد سِلاح المُقاومة والبِدء فِي عَملية سِياسية أخرَى قَد تُنتج كِيانية فِلسطينية قَد ينظُر لَها البَعض عَلى أنّها كِيانية مَرحلية وينظُر لَها البَعض كَكيانية استراتِيجية ونِهائية.
بقلم/ سميح خلف