القرارات التي صدرت عن قمتي مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم أول أمس الخميس وقرارات قمة بلدان التعاون الإسلامي في إسطنبول يوم امس الجمعة والتي جاءت رداً على الجرائم الإسرائيلية بحق مسيرات العودة السلمية من قطاع غزة تجاه حدود أرضهم المحتلة والمغتصبة عام 48 والتي خلفت 110 شهداء والآلآف الجرحى،وكذلك رداً على قيام الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها من تل ابيب الى القدس،لم ترتق الى المستوى المطلوب،وبقيت تراوح مكانها كالعادة ما بين الشعارات والبيانات والخطابة والبلاغة والإنشاء،حيث أقصى ما خرجت به القمتين،هو الدعوة الى تشكيل لجنة تحقيق دولية من خبراء دوليين مستقلين،وهذه الدعوة كان قد جرى المصادقة عليها من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي انعقد في جنيف صباح الجمعة امس ونالت اغلبية 29 صوتاً وامتناع 14 دولة عن التصويت واعتراض أمريكا وأستراليا،ففي الوقت الذي كانت تغلب السطحية وضعف الموقف على اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب،كنا نعول على ان تكون قمة بلدان التعاون الإسلامي التي دعا اليها الرئيس التركي أردوغان في اسطنبول أكثر عملية واكثر حزماً في مواجهة إسرائيل وأمريكا،ولكن حالة الضعف في قمة وزراء الخارجية العرب،إنسحبت على قمة بلدان التعاون الإسلامي في إسطنبول،لكي تتحول القمة الى منبر بكائيات وندب وخطب نارية،دون التطرق الى خطوات عملية او مواقف جذرية،فعندما يعجز العرب والمسلمون عن معاقبة أمريكا وقطع العلاقات معها ،فحتماً سيكونوا عاجزين عن معاقبة غواتمالا التي تبعتها في نقل سفارتها،ومن بعدها البارغواي التي تتهيأ لنقل سفارتها هي الأخرى،وهذا سينسحب على بقية الدول التي تستعد لنقل سفارتها من تل أبيب الى القدس،وبدا روحاني الرئيس الإيراني وجبران باسيل وزير الخارجية اللبناني يغردان خارج السرب،فالأول دعا بشكل عملي الى تحويل الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كيوم عالمي للقدس إلى يوم تعمّ فيه التظاهرات عواصم العالم الإسلامي،والمغتربات التي يستطيع المسلمون التجمّع والتحرك فيها لأجل القدس وفلسطين،بينما كان موقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بالنيابة عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دعوة لدعم خيار المقاومة كخيار وحيد يُعيد الحقوق بالقوة من كيان غاصب لا يفهم إلا لغة القوة،الموقف الوحيد الذي يلاقي التحديات التي تواجه فلسطين والفلسطينيين.ومما تجدر الإشارة إليه بأن مجلس وزراء الخارجية العرب وبلدان مجلس التعاون الإسلامي،ما قبل نقل السفارة الأمريكية عقدتا قمتين في القاهرة وإسطنبول لنفس الغاية والهدف،مع بند جديد في جدول الأعمال،ألا وهو الجرائم الإسرائيلية بحق مسيرات العودة السلمية من قطاع غزة،ونقل السفارة أصبح واقعاً وإسرائيل مستمرة في جرائمها،بل أنها وصفت قرارات مجلس حقوق الإنسان المتعلقة بتشكيل لجنة تحقيق دولية من خبراء مستقلين للنظر في جرائمها،بالحماقة والنفاق،دلالة على مدى استهتارها بالقانون والشرعية الدولية والإستخفاف بالعرب والمسلمين.
هذه القمم العربية والإسلامية التي تعيد انتاج نفسها على مستوى البقاء في دائرة الشعارات والتنظير والإنشاء المكرر والخطب والعنتريات الفارغة دون أية خطوات عملية رادعة،تثبت لنا بشكل قاطع وبالملموس انه يجب علينا ان لا نعول على النظام الرسمي العربي في اتخاذ قرارات ذات بعد وطابع استراتيجي في مواجهة الاحتلال وجرائمه والمشروع الأمريكي لتصفية وشطب القضية الفلسطينية،والتي كانت اولى ترجماته نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس والإحتفال بذلك يوم الإثنين الماضي،وليكن رد مجلس الجامعة العربية الذي انعقد في القاهرة أول أمس الخميس ،الإيعاز الى الأمانة العامة لتشكيل لجان قانونية واقتصادية وسياسية لكيفية مواجهة المشروع الأمريكي،وكذلك الدعوة الى تشكيل لجنة تحقيق دولية في الجريمة الإسرائيلية بالقتل المتعمد للمتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة مع فلسطين المحتلة عام 1948،والقول بان عملية النقل للسفارة الأمريكية مضرة للسلام في المنطقة،هو أقصى ما عبرت عنه الدبلوماسية العربية في إجتماعها وكأنها تؤكد على ما قاله وزير الخارجية البحراني خالد بن احمد قبيل عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت على القرار الفلسطيني برفض القرار الأمريكي اعتبار القدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال،حينما قال بانه يجب على العرب أن لا يختلفوا ويتصارعوا على قضية فرعية،والمقصود هنا قضية القدس،وعليهم توحيد جهودهم ضد العدو المشترك الإفتراضي ايران.
ومن طبيعة القرارات المتخذة في القمتين،يتضح بان قضية القدس والقضية الفلسطينية لم تعد لهما الأولية بالنسبة للعرب والمسلمين،وبأن القدس ليس لها بعدها التاريخي وطابعها القانوني ومكانتها الروحانية والدينية لأمة تزيد عن مليار ونصف مليار مسلم،وحاول وزير خارجية السلطة الفلسطينية الدكتور رياض المالكي ان يرفع من السقف في اجتماع مجلس الجامعة العربية اول امس الخميس على مستوى وزراء الخارجية العرب بالدعوة الى عملية استدعاء جماعي وليس سحب للسفراء العرب من واشنطن،ودعوة السفراء الأمريكان في الدول العربية للإجتماع بهم للإعراب عن رفض تلك الدول للخطوة الأمريكية،ولكن هذا الطلب فوق قدرة وطاقة النظام الرسمي المنخور والمتعفن،والمنخرط جزء كبير منه في المشروع الأمريكي والموافق عليه ضمناً،وإن جاء الرفض علني للإستهلاك المحلي ولإمتصاص نقمة الشعوب والجماهير العربية،ولذلك رفض اقتراح المالكي،ولتبقى المواقف الأوروبية والدولية متقدمة على مواقف النظام الرسمي العربي،حيث سحبت كل من جنوب افريقيا وايرلندا وبلجيكا سفرائها من تل أبيب،واستدعت تركيا سفيرها للتشاور..نحن ندرك تماماً أنه لا يمكن التعويل على النظام الرسمي العربي لا في قضية القدس ولا اللاجئين ولا غيرها من القضايا العربية الكبرى...ولكن اذا كان هذا حال النظام الرسمي العربي الذي أصبح يستمرىء الإهانة،والذي وصل أيضاً الى حد فقدان كل الحيل الكلامية التي كان يبرر اللجوء اليها منذ سبعين عاماً أمام الأمة العربية والشعب الفلسطيني من القضية الفلسطينية،حيل الواقعية والعقلانية والإعتدال،لأن التطرف والمقاومة تضران بالحقوق الفلسطينية والعربية...!!؟؟،ولكن في ظل حالة الإنكشاف والعري الكامل للنظام الرسمي العربي،فالجميع يسأل أين القوى والأحزاب العربية بكل مكوناتها ومركباتها السياسية دينية ووطنية وقومية وتقدمية ويسارية،مما يحدث من مشاريع لتصفية القضية الفلسطينية،وجرائم يومية يرتكبها الإحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني؟؟؟ ...فالرهان كان على ان تقوم القوى والأحزاب العربية بدورها في تعبأة وتاطير وحشد وتنظيم الجماهير العربية واستنهاض هممها وتفجير طاقاتها في قضية مفصلية كقضية القدس،ولكن وجدنا ان تلك الأحزاب في ظل غياب حواملها التنظيمية وهلامية اوضاعها وتكلس وتنمط قياداتها لم تتمكن من حشد مسيرات او تظاهرات شعبية بزخم جماهيري كبير،مما عكس أزمة تلك الأحزاب والتنظيمات،بحيث ظهرت مشلولة وكسيحة،وفي ذيل الحركة لا في مقدمتها،ومتلقية للحدث لا صانعة له،ليس لديها أية مبادرات او إبداعات،وهي لا تريد ان تعترف بالحقيقة المرة،حالها كحال النظام الرسمي العربي،بأنها شاخت وتكسحت فعلاً وممارسة وبرامجها لم تعد تجذب الجماهير ولا تعبر عن طموحاتها،فأضحت احزاباَ طاردة حتى لعناصرها،والتيبس والتكلس لم يصب أغصانها فقط،بل جذورها،لا يمكن الرهان عليها في المعارك الكبرى.
والخلاصة نقول بان هذا الواقع العربي المزري،بإفلاس نظامه الرسمي وتعفنه،وتكسح البديل المعارض قوى واحزاب ومؤسسات مجتمع مدني وغياب دوره،وكذلك الأزمة التي تعيشها القيادة الفلسطينية وانعدام أفاق الخيارات امامها،نتيجة لتشبثها بخيار المفاوضات العبثي،الذي اوصلنا الى ما نحن فيه من ضعف وانهيار وتفكك،وتعمق ازمات الأحزاب والقوى السياسية،والتي تقضي وقتاً اطول في التحريض على بعضها البعض ،وكذلك الردح والردح المضاد،وعدم الموائمة ما بين شعاراتها الكبيرة النظرية والترجمة العملية لها،وكثرة كلامها وتهديداتها الفارغة وقلة فعلها،وعدم تحقيق الوحدة فيما بينها،يجعلني متيقن في كل ما ذكرت انه ليس فقط امريكا وغواتمالا،لن تكونا الوحيدتين في نقل سفارتيهما من تل أبيب الى القدس،بل عقد السبحة سينفرط،فها هي البارغواي تستعد لنقل سفارتها والحبل على الجرار،وقرارت القمم العربية والإسلامية،تبقى فقط حبر مقيد على مستندات مقيدة،وانشاء مكرر يعبر عن حالة انهيار وإفلاس عربي غير مسبوقة.
بقلم/ راسم عبيدات