خرج علينا بالأمس رياض المالكي وزير الخارجية وشؤون المغتربين بأضحوكة جديدة بعد ثلاث سنوات مارس خلالها أقصى درجات الخداع والتدليس ، وذلك بما يسمى الإحالة لحالة الملف الفلسطيني لمحكمة الجنايات الدولية مقدماً بذلك دليلاً قاطعاً على كذب هذه المنظومة الهزيلة الخادعة للشعب الفلسطيني ومصداقية ما تطرقنا إليه خلال الفترة الماضية من خلال عدة مقالات سلطنا الضوء خلالها على العبث والتضليل الذي يمارسه رياض المالكي .
فمنذ أكثر من ثلاث سنوات وتحديدا منذ انضمام فلسطين لهذه المحكمة ، خرج علينا المسؤولين الفلسطينيين كثيرا بإدعاءات كاذبة وفاجرة، منها تقديم ملفات لمحكمة الجنايات الدولية ، وذلك من أجل فتح تحقيق في جرائم الإحتلال الإسرائيلي التي تم إرتكابها بحق الشعب الفلسطيني خلال المرحلك الماضية ، في حين أنه لم يتم فتح تحقيق واحد من قبل، وبالأمس تم كشف المستور وتأكيد ذلك، وانه لا يوجد من الأصل أي طلب من الجانب الفلسطيني بهذا الخصوص.
ثلاث سنوات مرت من الخداع والكذب والتدليس من الجانب الفلسطيني ، لذلك لا يمكن لنا أن نتوقع شيئا الآن من هذه الزوبعة التي قام بها مهندس الخراب الدبلوماسي من تقديم هذه الإحالة إلى محكمة الجنايات الدولية ، وذلك في محاولة بائسة منه ومن منظومته للتغطية على الكارثة الدبلوماسية التي نجمت عن سلوكياته المشبوهة والتي تمخض عنها ضياع القدس ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها كتجسيد لواقع أنها العاصمة الأبدية لإسرائيل وما تلى ذلك من الإعلانات المتتالية لبعض الدول عن نيتها نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، وذلك لأسباب هامة مبنية على قواعد وقوانين ميثاق روما المنبثق عنه أصلا محكمة الجنايات الدولية أهمها أن إسرائيل ليست عضو في محكمة الجنايات الدولية وتشكل محاكمتها صعوبة بالغة.
ثانيا: أن إسرائيل لا تعترف بوجود دولة فلسطين وتنظر للأمر من الناحية القانونية بأنها أراض متنازع عليها مع السكان الفلسطينيين تحت إدارة وسيطرة إسرائيل.
ثالثا : أن الحالة التي تسمح بمحاكمة إسرائيل على جرائمها هي الحالة القانونية الوحيدة في حالة تحويل ملف الجرائم ضد الفلسطينيين من قبل مجلس الامن في الامم المتحدة ، وللأسف هناك الفيتو الأمريكي الذي يتوارى عن عرقلة أي قرار من هذا القبيل ولن يسمح بتمرير مثل هذا القرار.
رابعا: أن المدعية العامة بحاجة الى إحالة الملف الفلسطيني الى المحكمة الابتدائية في المحكمة للنظر في إمكانية البدء بالتحقيق أم لا ، وفي حالة الموافقة والشروع في بدء التحقيق فإن أي قرارات ستصدر عن هذه المحكمة ستكون غير ملزمة من الناحية القانونية لإسرائيل.
خامساً: إن قوانين محكمة الجنايات الدولية لا تحاكم دول أو حكومات بل هي مختصة بمحاكمة أفراد أو شخصيات إرتكبت جرائم حرب وما شابه ذلك فقط.
سادسا: في حالة إثبات أي من جرائم الحرب على مجرمي حرب من إسرائيل وهذا أمر ليس مستحيل ، ولكن يجب على الحكومة الإسرائيلية التعاون مع هذه المحكمة لتسليم المطلوبين وهذا مستحيل بحد ذاته في طل ما تتصف به دولة الإحتلال بأنها دولة فوق القانون.
كما أنه من الناحية العملية ، فإن إسرائيل لن تسمح بتسليم من تعتبرهم أبطالاً وحققوا إنجازات للشعب اليهودي حسب رؤيتها وقد أثبت التجربة من قبل أنها قادرة على حمايتهم.
سابعا: أن فلسطين ليست دولة عضو في الأمم المتحدة وإنما هي مجرد دولة غير عضو ، أي كمراقب ، وبالتالي لن تسطيع المحكمة محاسبة إسرائيل من الناحية القانونية الدولية حيث استناداً لقوانين المحكمة يجب أن تكون الدولة المقدمة للشكوى هي دولة عضو كامل تتمتع بالسيادة الكاملة على أراضيها، وخصوصا ان القيادة الفلسطينية لم تعلن أصلا بأنها دولة تحت الاحتلال حتى يتم قبول الشكوى بحيثياتها القانونية الكاملة.
ثامنا: حسب ميثاق روما فإن جرائم الحرب لها شروط واضحة للإحالة ، فإذا انطبقت هذه الشروط على الحالة الفلسطينية فكيف ستبرر المحكمة عملية الطعن في مشروع قانونية الإحالة لإسرائيل التي تعمل بكل قوتها وقدراتها من أجل أن تبرر للعالم أنها دولة ديمقراطية وتدافع عن أمنها واستهدافها من قبل جماعات مسلحة متطرفة حسب الإدعاءات الإسرائيلية.
تاسعا: في حال إتخذت المدعية العامة قراراً بفتح ملف تحقيق بعد موافقة المحكمة الابتدائية وتوافر شروط الإحالة بالإثباتات المقدمة سيتم الشروع بفتح تحقيق رسمي من قبل محكمة الجنايات الدولية ، وحتى يتم اتخاذ إجراء بهذا الشأن وإدانة مجرمي حرب إسرائيل، يستوجب هذا الأمر مدة زمنية لا تقل عن عشر سنوات الى 15 سنة لتحقيق هذا الهدف بعد المرور بنجاح في جميع الخطوات القانونية لإثبات الدعوى المقدمة.
عاشراً : إن أي قرار يتخذ من هذه المحكمة ضد إسرائيل بعد 15 سنة على أقل تقدير ، يحق للولايات المتحدة الامريكية القوة العظمى وصاحبة النفوذ، تعطيل تنفيذ القرار لمدة سنة بصفتها عضو دائم في مجلس الأمن وتمتلك حق النقض الفيتو.
الحادي عشر : إن أي قرار إدانة لإسرائيل لن يكون ملزما من الناحية القانونية لأنه يتطلب تعاون من المجتمع الدولي لإجبارها على التعاون مع مقررات المحكمة، وهذا في سياق المعطيات القائمة غير قابل للتنفيذ في وجود دعم مطلق من أمريكا لها وتوافر الدعم المطلق من قبل معظم دول أوروبا التي لن تسمح بالذهاب بعيداً في هذا السياق.
الثاني عشر : إن عامل الزمن هو مصلحة لإسرائيل، ففي حالة إدانة مجرمي حرب من إسرائيل بعد أقل من 15 سنة تكون إسرائيل ابتلعت ما تبقى من أراضي السلطة الفلسطينية والمعادلات العملية على ارض فلسطين قد تغيرت لصالحها وهذا ما شهدته المرحلة الماضية منذ بدء إتفاقية أوسلو حتى يومنا هذا وقد وصلت ذروتها في مرحلة الرئيس محمود عباس الذي أتقن تنفيذ لعبة قتل الوقت بجدارة لصالح تنفيذ هذا المشروع .
الثالث عشر : إن عدنا لمقارنات سابقة إتخذت فيها هذه المحكمة قرارات إدانة ، نجد أنه عجزت تنفيذها عمليا مع رؤساء دول فقيرة تم توجيه تهم إرتكاب جرائم حرب إلا أنهم ضربوا بعرض الحائط هذه القرارات ، إذاً كيف سيتم إلزام إسرائيل وملاحقتها وهي دولة باتت تصول وتجول في علاقاتها الدولية .
الرابع عشر: في حالة قررت هذه المحكمة إدانة لمجرمي حرب من إسرائيل بعد 15 أو 17 سنة، فإن الدعوى ستسقط على المتهمين في حالة الوفاة وهذا متوقع أو رفض إسرائيل تسليمهم بدواعي الامن الدولي وهذا وارد أيضاً ، فماذا ستكون قد حققت فلسطين من وراء هذه المحكمة سوى ضياع الوقت وإهدار المال العام لصالح أفراد هم في الأساس ليسوا محل ثقة وطنية وعليهم ما عليهم من شبهات فساد وشبهات وطنية.
الخامس عشر: إن اللجوء للمحاكم الدولية هو أمر جيد إن توافرت له شروط وأجواء النجاح ، خاصة فينا يتعلق بتماسك الجبهة الداخلية وهذا أمر غير متوفر بالمطلق ، لذلك فإن الأمر لا يعدو سوى محاولة لتحقيق مكاسب إعلامية وإشغال الرأي العام بضجة إعلامية آنية لحرف الأنظار عن تنفيد مخططات أكبر وأخطر، أو لكسب التأييد والتعاطف الدولي من الجانب الانساني وهذا أمر مشكوك فيه، حيث أنه كيف سيتعاطف العالم مع حكومة الشعب الفلسطيني وهي نفسها تمارس قمة القمع والارهاب الإنساني والحصار ضد شعبها مثلما ما يحصل في قطاع غزة ، وتقارير مؤسسات حقوق الانسان الفبسطينية على وجه الخصوص أدانت ممارسات القيادة الفلسطينية ضد شعبها المكلوم في كثير من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة التي تسببت بها حالة الإنقسام الهادفة لتنفيذ تلك المخططات والتي لا تنتهي حتى لو توفرت لها كل الظروف طالما أن الرئيس محمود عباس على رأس هذه المنظومة حيث أنه لا يُؤْمِن بالشراكة بل بالعمل الفردي الموجه والفوقي الذي يصدر الأوامر للتنفيذ فقط.
أخيراً ، من كل ما سبق نجد أن فلسطين وقعت ضحية هذا النهج المتواطئ والمفرط ، وهو الذي لا زال يتحكم بكل مفاصل الحكم فيها، وبالتالي لا محكمة جنايات ستعيد الأمل أو ستصنع الإنسان أو ستوقف إهدار كرامة شعب أو ستساهم في إرساء سلام وسيبقى الحال على ما هو عليه ما لم يخرج الشعب عن صمته وعن سكونه وعن إنهزامه ليقول كلمته إما أن يقبل الإستمرار في حياة الذل والمهانة التي يعيشها وإما أن يختار طريق السلام ولكن السلام العادل الذي يحفظ له حقوقه المشروعة ويصون كرامته وذلك بإختيار مسؤولين أمناء ليقودوا مسيرته!
بقلم/ م. زهير الشاعر