الوقفة الإحتجاجية التي جرت في مدينة حيفا يوم الجمعة الماضي،والتي هتف فيها أبناء شعبنا نصرة لأهلهم وشعبهم في غزة والقدس،رداً على الجرائم التي ارتكبها المحتل بحق مسيرات العودة السلمية التي انطلقت من غزة نحو أراضي فلسطين التاريخية المحتلة عام 48،لكي يُذكروا العالم المنافق بواجباته تجاه مأساة شعبنا المستمرة منذ سبعين عاماً،حيث لم يجر إعادتهم الى أرضهم التي طردوا وهجروا منها قصراً بفعل العصابات الصهيونية،رغم وجود قرار أممي بذلك يحمل الرقم (194)،تلك المسيرات التي خلفت 120شهيداً واكثر من 12000 جريح،وأيضاً هتف أبناء شعبنا في حيفا للقدس عاصمة الدولة الفلسطينية،التي أقدمت الإدارة الأمريكية المتطرفة على اصدار قرار رئاسي يعتبرها عاصمة لدولة الإحتلال،وكذلك نقل سفارتها من تل ابيب الى القدس،هذه الوقفة،وقفة العز والكرامة،لم ترق للإحتلال وأجهزة مخابراته وشرطته،حيث عمدوا الى قمع المعتصمين والمحتجين بوحشية غير مسبوقة،مما ادي الى إصابة العديد منهم بجروح استدعت نقلهم للمشافي،وكذلك جرى اعتقال 21 من المشاركين فيها،متوهماً ومعتقداً الإحتلال بان هذا القمع الوحشي والإعتقالات،من شانها كسر إرادة المحتجين وإرهابهم،ولكن يوم المحكمة وجد المحتل،بأن هذا الشعب وهؤلاء الشباب،لديهم إصرار عالٍ على المقاومة وتحدي الجلاد والمحتل،ومكثوا بأعداد كبيرة امام المحكمة يهتفون لنصرة غزة والقدس، وقالوا " ما بترهبنا الإعتقالات"،وكانت أصوات حناجرهم تصل الى الشباب والصبايا داخل محكمة الإحتلال،ولكي تنتصر إرادتهم على الجلاد،ويتم إطلاق سراحهم رغم انف اجهزة مخابرات الإحتلال،التي لها باع طويل في تزييف وتزوير الحقائق وتلفيق التهم بحق المحتجين والمعتقلين.
ما هو مرعب ومخيف للمحتل في مظاهرة حيفا نصرة لغزة والقدس،أن الإحتلال كان يعتقد بعد سبعين عاماً من الإحتلال،أنه نجح في تطويع العقل الفلسطيني وفي أسرلة و"صهر" وعي شعبنا هناك،وبأن هذا الشعب سينصهر ويذوب في المجتمع الإسرائيلي،ويتفكك الى مجموعات سكانية،تبدد بشكل نهائي هويته الوطنية،وبما يمنع تشكله كأقلية قومية،تحافظ على وجدوها وذاتها ...وليكتشف هذا المحتل عقم نظريات قادته البائسة من بن غورين وحتي نتنياهو وبينت،فالصغار من أبناء شعبنا لن ولم ينسو..بل هم أكثر وعياً لقضيتهم ولحقوقهم ...وعمليات صهرهم وتطويعهم لن تنجح ...بل هذا الشعب يؤكد على أنه صاحب قضية لن تشطبها لا صفقة ترامب ولا نقل السفارات من تل ابيب الى القدس ولا مؤامرات بن سلمان ولا بن زايد ولا بن احمد وباقي جوقة المنهارين من القادة العرب.
أن تهتف حيفا لغزة وللقدس،ليس بالشيء الغريب والمفاجىء،فشعبنا وإن اختلفت الأولويات يواجه نفس المصير وله نفس الهدف، فغزة التي تعاني من حصار وتجويع منذ احد عشر عاماً،وضع شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48-،ليس بأحسن حال منها،حيث محاولات تذوب الهوية الوطنية لشعبنا تجري بشكل مكثف،من اجل دمج شعبنا هناك في المجتمع والإقتصاد الصهيوني،وكذلك مخططات اقتلاعه لم تتوقف،فمن مشروع المستوطن المتطرف أريه كنج لتهويد الجليل في اذار /1976،وما نتج عن ذلك من انتفاضة شعبية عمدت بالدم ،ليكون يوم الأرض الخالد الى مخطط تهويد النقب،مشروع "برافر" التهجيري الإقتلاعي،فهدم المنازل والقرى العربية لم يتوقف،فقرية العربية هدمت للمرة المائة وخمسة وعشرون،وكذلك قرية ام الحيران،وهناك عشرات القرى المسماة بعرف الإحتلال غير معترف بها مهددة بالهدم،ناهيك عن الهدم الجماعي للمنازل الفلسطينية في قلنسوة وغيرها.
أما في القدس،فالوضع هو الأخطر والأصعب،حيث عمليات ومخططات التهويد والأسرلة،تجري بضوء سياسي أمريكي،مخططات تستهدف سلب المقدسيين أرضهم ومقدساتهم،وفرض وقائع جديدة تخدم الرؤيا والرواية الصهيونية.ولعل خطة الحكومة الإسرائيلية الأخيرة التي اتت في الذكرى الواحدة والخمسين لضم القدس،والمخصص لها 2 مليار شيكل،تستهدف لس فقط اسرلة المنهاج والوعي الفلسطيني وتزيفه،بل السيطرة على ما تبقى من حيز جغرافي،وبما يمكن من ربط شرقي المدينة بغربها والداخل الفلسطيني،وكذلك ربط البؤر الإستيطانية مع بعضها البعض،عبر شوارع التفافية تقطع كل اوصال المدينة العربية.
حيفا وكل أبناء شعبنا القابضين على الجمر،الصامدون في وجه كل مخططات الإقتلاع،يتعرض طلبتنا العرب في المؤسسات التعليمية الإسرائيلية الى هجمة شرسة وعمليات تحريض مستمرة من قبل قوى ومنظمات اليمين الصهيوني المتطرفة،فمنظمة "ام ترتسو" الصهيونية المتطرفة تشن حملة تحريض ضد الطلبة العرب في الجامعات الإسرائيلية المتمسكين بهويتهم القومية العروبية،والرافضين للسياسات العنصرية المستهدفة،منعهم من حرية التعبير عن ارائهم ورفض جرائم الإحتلال بحق شعبهم واهلهم،ومنعهم كذلك من احياء مناسباتهم الوطنية.
من بعد انتفاضة او هبة حيفا،فالمحتل بات على قناعة تامة،بأن المارد الفلسطيني،لن يبقى محشوراً في القنينة،بل هذا المارد سيخرج وينطلق،لكي يؤكد على هويته الفلسطينية،وبأن أرض فلسطين لن تتلقح بغير العربية،ومهما مارس اإحتلال من قمع وبطش وتنكيل،فلن ينجح في طرد شعبنا وتهجيره في نكبة ثانية،فشعبنا هناك لديه الوعي الكافي والقدرة للدفاع عن وجوده وأرضه وحقوقه.
انتصار حيفا وشعبنا هناك لقطاع غزة والقدس،ليس بالجديد،فنحن نتذكر جيداً،عندما انتصر اهلنا في مدينة القدس على الة الحرب الصهيونية في معركة البوبات الألكترونية في تموز من العام الماضي،كان الدعم والإسناد المباشرين لأهل القدس من جماهير شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48،وكذلك شارك اهلنا في الداخل الفلسطيني،في العديد من حملات الإغاثة لصالح اهلنا وشعبنا في قطاع غزة،وحتى لم يتوانو عن المشاركة في اسطول كسر الحصار عن قطاع غزة،سفينة "مرمرة التركية".
في الوقفة الإحتجاجية امام السفارة الأمريكية في القدس،كان حضور أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني وقياداته السياسية لافتاً الى جانب اهلنا وشعبنا في مدينة القدس .
في اعتقادي الجازم بان الوقفة الإحتجاجية الكبيرة التي نفذها أبناء شعبنا في حيفا تضامنا مع غزة والقدس،هي ستكون " بروفا" نحو وقفات احتجاجية ومسيرات اوسع واشمل،فشعبنا هناك يعي انه بالقدر الذي يستهدف فيه شعبنا بالحصار والتجويع والقتل البطيء في قطاع غزة،فإنه هو كذلك مستهدف بالإقتلاع والتهجير،وما المشاريع المطروحة عن التبادل الجغرافي والسكاني،والإعتراف بما يسمى بيهودية الدولة،وبان اسرائيل هي الوطن القومي لما يسمى بالشعب اليهودي،هي خطوات في هذا الإتجاه على طريق طرد شعبنا وإقتلاعه.
بقلم/ راسم عبيدات