لقد بات سلاح الإعلام من أهم الوسائل التي تغير مفاهيم وقيم وأفكار العالم وحتى في احتلال الدول، فقد أدركت دول العالم ذلك جيداً وخاصة في سياستها الاستعمارية والاقتصادية ضد غيرها من الدول ، وباتت وسائل الإعلام منابر لإدارة المعارك السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والنفسية..ونستطيع القول: إن المعركة اليوم بين الحق والباطل في الأرض هي معركة مدارة إعلامياً حتى وإن كانت تأخذ شكل الدمار والخراب ولا يخفى على أحد أن اليهود وأعوانهم في العالم منذ البداية يحاولون السيطرة على العالم من خلال وسيلتين هامتين هما: المال والإعلام، فنجدهم إما مالكون لأهم وسائل الإعلام العالمية أو مؤثرين في سياساتها.
وهاهوالمجتمع الفلسطيني في مواجهة دائمة مع وسائل الإعلام هذه منذ عشرات السنين، وهو اليوم يملك صحفاً يومية وأسبوعية متعددة المشارب والسياسات، وإذاعات ومحطات تلفزيونية خاصة وعامة، ومحطات فضائية، ووكالات أنباء وطنية والعديد من المؤسسات الإعلامية كوزارة الإعلام وهيئة الاستعلامات ونقابة للصحفيين وأقساماً أكاديمية للصحافة والإعلام في أغلب الجامعات وقانوناً للطبع والنشر أقر من شأن تطبيقه أن ينظم الحالة الإعلامية العامة..وكادراً إعلامياً متنوعاً .
ونتساءل هنا: أين موقع إعلامنا من معركتنا مع العدو الإسرائيلي وخصوصاً بعد نقل السفارة الأمريكية للقدس ؟ وهل أدركنا نحن الفلسطينين خطورة الإعلام وبنينا مواقف وسياسات على هذا الإدراك ؟ هذه الاسئلة وغيرها يحملها د. وسيم وني لعدد من والصحفيين والإعلاميين الفلسطينين فكان التحقيق التالي :
مساندة الإعلام الفلسطيني لأبناء شعبنا الفلسطيني بعد نقل السفارة الأمريكية للقدس
دعم الإعلام الفلسطيني والعربي لأبناء شعبنا الفلسطيني من أهم الأسلحة التي نحارب بها هذا الشيطان الإسرائيلي وفي هذا الموضوع يشير الإعلامي " فايز أبو عيد" أن الإعلام الفلسطيني بمختلف مشاربه وانتماءاته كان له الدور الفاعل والكبير في تسليط الضوء على مثالب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كما استطاع هذا الإعلام حشد الرأي العام العربي والدولي وتجيشيه من خلال التوعية بأهمية القدس الوطنية والتاريخية وخطورة القرار الأميركي على المنطقة، والتأكيد على البعد الإنساني والقومي للقضية الفلسطينية، وعلى أن القدس عاصمة لفلسطين ومهد الديانات السماوية، وتشكل رمزية لنموذج التعايش السلمي بين الأديان.
حول ذلك أكد الكاتب السياسي " علي بدوان أن المساندة تتم بفضح حقيقة الموقف الأمريكي، وتفنيده، وإبراز تعارضه مع الشرعية والقانون الدولي، وإجراء مقابلات على الأرض مع مواطني المدينة، وبثها وتوزيعها إعلامياً، وتأمين تغطية واسعة لها، فأصحاب المدينة ومواطنيها الأصليين هم اًصحاب ومقرري مُستقبلها.
وفي هذه النقطة ينوه الإعلامي " زهير الخطيب" إلى أن ما قدمته وسائل الإعلام الفلسطينية بشكل عام للقضية الفلسطينية كبير جدا وهام ، وفي مسيرات العودة والرفض العارم لنقل السفارات الى القدس المحتلة كان الإعلام الفلسطيني والصحفيون كتائب مجندة في المعركة بقلمه وكاميراته ليكون سنداً قوياً لأعدل قضية عرفها التاريخ، وذلك من خلال توضيح معاناة الشعب الفلسطيني في معركته مع العدو، وإبراز مواقف بطولية وطنية، وحشد الرأي العام تجاه المقاومة إضافة الى فضح ممارسات العدو وعملائه.
هذا وقد شدد د.رائد حسين حسنين المحاضر في الجامعات الفلسطينية على أن الإعلام مرآة عاكسة لمجريات الأمور وعنصر فاعل في صقل مكونات الوعي والرأي العام، واستطاع العدو الصهيوني التأثير والإقناع للرأي العام العالمي معتمداً وسيلة الخداع لمحاربة الحقائق التاريخية للقضية الفلسطينية، مما جعل الإعلام العربي والفلسطيني دوماً في دائرة رد الفعل وهذا الأسلوب غير مؤثر في مواجهة الإعلام الصهيوني وأصبح محامياً فاشلاً لقضية عادلة. بالرغم من ذلك، نجد الإعلام الفلسطيني لديه الإصرار على مواصلة مشوارها الوطني في حمل هموم الوطن والمواطن ونقل رسالتهم محلياً وعربياً ودولياً، وعمل على عرض الحقيقة لدحض الرواية الصهيونية الزائفة وأثبت للعالم أن الشعب الفلسطيني يستحق الحياة، وحمل العبء في تعبئة الجماهير وتوعيتها بالأخطار التي تحيق بها وبقضيتها.
مظاهر قصور الإعلام الفلسطيني في دعم ومساندة قضية القدس
لا يستطيع أحد إنكار أو تجاهل ما قدمته وسائل الإعلام الفلسطينية بشكل عام للقضية الفلسطينية و آخرها في مسيرات العودة حيث حاولت الدخول في معركة تحقيق الصبر ومساندة الحق الفلسطيني الساطع وفي الحقيقة من حقنا كإعلاميين وبكل موضوعية أن نقول إن الإعلام الفلسطيني كان جيشاً في المعركة بقلمه وكاميراته وتمكن بشكل عام أن يكون سنداً قوياً لأعدل قضية عرفها التاريخ.
من جانبه أعرب علي بدوان عن اعتقاده بأن قضية القدس تحتاج الى اعلام مبادر، جرىء، يواكب الحدث، ويبتعد عن الإرتجالية، ويقدم المعلومة، بالصوت والصورة والوثيقة.
وحول مظاهر قصور الإعلام الفلسطيني يرى د.رائد حسين حسنين أن رغم سهولة الاتصال والتواصل اليوم إلا أن هناك العديد من المعيقات التي أثرت على عمل الإعلام الفلسطيني منها عوامل ذاتية وموضوعية، فالعامل الذاتي يعتبر من أكبر التحديات والمعيقات لنقل الرسالة حيث شهدت فلسطين حالة فريدة من الحصار والانقسام فرضه وجود الاحتلال مما أثّر على مضمون الرسالة الإعلامية واعتراها بعض القصور وجعلها تحمل وجهةً سياسيةً حزبية مما عمّق الانقسام وخلق حالة من الإرباك وأضعف قوة التأثير للرسالة الإعلامية، أما العامل الموضوعي فهو فقدان الثقة بالرسالة الإعلامية الفلسطينية وتحولها إلى قضية ثانوية في الإعلام العربي والدولي ولم يعد الإعلام يتفق ويجتمع على رواية واحدة من أجل القضية الفلسطينية التي تهم العرب وأحرار العالم.
فيما لاحظ زهير الخطيب أنه برغم ما حققته وسائل الإعلام الفلسطيني على صعيد دعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة ماتتعرض له القدس، إلا أن مظاهر قصور واضحة وخطيرة وقعت ما كان ينبغي لها الظهور لشعب يقارع عدواً شرساً ولعل أهم هذه المظاهرغياب الخطاب الرسمي الإعلامي حيث كثيراً ما كانت معالم التناقض والتباين ظاهرة في وسائل الإعلام في خطابات وتصريحات رموز السلطة الوطنية وإن كانت الشواهد والمواقف متكررة لدرجة أنها أصبحت ظاهرة مقلقة، وكذلك الأمر تناقض الخطاب الفصائلي فيما بينه من جهة وبين الخطاب الرسمي من جهة أخرى مما يدلل على الصورة المهزوزة عالمي.
وفي إطار تعليقه على مظاهر قصور الإعلام الفلسطيني في دعم ومساندة قضية القدس قال فايز أبو عيد أن الإعلام الفلسطيني استطاع العمل على تجييش الرأي العام وخلق حالة من التعاطف الكبير تجاه قضية القدس والقضية الفلسطينية، كما عمل على الاستفادة من ردات الفعل العربية والأوروبية الرافضة لقرار ترمب، من خلال اللجوء إلى نشاط إعلامي متميز وخلاق ونشيط لتوجيه الرأي العام في صالح القضية الفلسطيني.
الإعلاميون والمثقفون الفلسطينيون في الشتات ودورهم في حشد التأييد وإقناع الغرب بأهمية ومكانة القدس
رغم ما حققته وسائل الإعلام على صعيد دعم صمود الشعب الفلسطيني خلال انتفاضة الأقصى إلا أن مظاهر قصور واضحة وخطيرة وقعت ما كان ينبغي لها الظهور لشعب يقارع عدواً شرساً وهنا قال زهير الخطيب أنني اعتقد ان هناك قصورا واضحا في هذا الاتجاه، هناك تناقض واضح في مضامين الرسالة الإعلامية نفسها وخاصة تجاه العمل المقاوم الفلسطيني، فتارةً يوصف الكفاح الفلسطيني بالإرهاب وأخرى بالعمل الاستشهادي وأخرى بأنه ضد مصلحة الوطن، هذا الانقلاب في اللفظ هو انعكاسٌ طبيعيٌ لحالة اللامعرفة الموجودة في أروقة اتخاذ القرار الفلسطيني الرسمي كذلك حالة التخبط وعدم الرؤية الواضحة للمطلوب.
بدوره أعتبر فايز أبو عيد أن غياب الخطاب الإعلامي الفلسطيني الموحد، والانقسام الفلسطيني، وعدم وجود إطار سياسي وقيمي ناظم، يحوّل أو يصهر جميع هذه المؤسسات في بوتقة واحدة تؤدي عملاً واحداً، تلك الأسباب تعتبر من أهم مظاهر قصور الاعلام الفلسطيني ليس فقط في دعم ومساندة قضية القدس بل ينسحب ذلك على جميع ملفات القضية الفلسطيني.
وحول هذا الموضوع أردف د.رائد حسين حسنين بالقول أنه للأسف الشديد، لم يستطع الإعلام من القيام بدوره وهذا يعود بالأساس للأسباب الذاتية والموضوعية سالفة الذكر في الإجابة عن السؤال السابق.
في حين علق علي بدوان قائلاً : الغرب كمؤسسات قيادية ليس بحاجة لإقناع، فهو يدرك حقيقة الوضع، لذلك رفض الموقف الأميركي بنقل السفارة، إنما المطلوب هو التأثير على قطات الجمهور الأوربي، والأميركي، عبر دور إعلامي مبادر في مواجهة الإعلام الصهيوني المتغلغل في العالم وخاصة في اوربا والولايات المتحدة.
توصيات ومقترحات للارتقاء بدور الإعلام الفلسطيني لنصرة قضيتنا الفلسطينية
برغم ما حققته وسائل الإعلام على صعيد دعم صمود الشعب الفلسطيني ضد قرار نقل السفارة وتهويد القدس إلا أن مظاهر قصور واضحة وخطيرة وقعت ما كان ينبغي لها الظهور لشعب يقارع عدواً شرساً حيث طالب د.رائد حسين حسنين بوضع خطة إعلامية موحدة وتكثيف النشاط الإعلامي وتوحيد الخطاب الإعلامي حول الإجراءات الصهيونية بعيداً عن التوجهات الحزبية الضيقة. علينا تعزيز مضامين الرسائل الإعلامية من الناحية النفسية والعاطفية ودعمها بالحقائق. تشكيل إعلام مقاوم موحد يخاطب العالم بعدة لغات لنقل الصورة عن مدينة القدس والقضية الفلسطينية ودحض الرواية الصهيونية.
في حين أكد علي بدوان على ضرورة تأمين مأسسة الإعلام العربي، وايجاد التشاركية بين عموم المؤسسات القائمة أو التي ستقوم، وبالتالي توحيد الجهد الإعلامي العربي بشكل مدروس لخدمة قضية القدس والقضية الفلسطينية بشكل عام.
أما الإعلامي فايز أبو عيد أشار إلى أن الاعلاميين والناشطين والمثقفين الفلسطينيين في دول الشتات كان لهم الدور الفاعل في تحريك ملف قضية القدس، من خلال توعية الشعوب العربية والغربية بأهمية القدس وخطورة القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، والدفع بتثبيت الحقوق الفلسطينية وترسيخها في الوعي العربي خاصة عند الأجيال الجديدة غير المطلعة على تفاصيل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتأكيد على القرارات الدولية وقطع الطريق أمام أية محاولة للالتفاف على القرارات.
فيما أكد زهير الخطيب أن القدس قضية أجيال حاضرة وقديمة، قضية حضرت بنكبتها ونكستها واحتلال أرضها وهجرة أهلها ونسيانها أخيرا، فهي تذكر في نشرة الأخبار وننساها في نهايتها، نبكي عند مشهد اقتحام الأقصى ونبتسم وكأن شيئا لم يكن، القدس قضية جيل، ودين وشعب وأرض والمتابع لوسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، كلها يلحظ بوضوح غياب القدس وأخبارها وقضاياها بصفتها قضية جوهرية، فنرى الفضائيات العربية والتي تحظى بشهرة واسعة ومشاهدة عالية تتناقل البرامج الغنائية والمسلسلات التركية ومشاهد الفكاهة حتى أصبح مسلسل معين ومجريات أحداثه حديث العائلة وقضية العصر، وبالعودة لقضية القدس نراها تحتل خبرا لا يتعدى ثواني قليلة في أفضل الأحوال لنجد شعبا عربيا لا يعلم عن القدس إلا اسمها .
نظراً لأن المقام لا يستدعي مقالاً إعلامياً صرفاً فإننا نوجز توصيات بأهم النقاط :
- وضع خطة إعلامية عربية موحدة تتابع المستجدات الميدانية والسياسية
- توحيد الخطاب الإعلامي الفلسطيني وتسخير كافة قدراته للتأثير وإقناع الرأي العام العالمي .
- أن لا يبقى الإعلام الفلسطيني والعربي دائماً في دائرة رد الفعل، بل عليه أخذ زمام المبادرة ووقف التغلغل الإعلامي الإسرائيلي في وسائل الإعلام الدولي.
- دعم وسائل الإعلام الفلسطينية بجميع مستلزماته ومتطلباته، كي يكون قادراً تقديم المواد الإعلامية التي تعكس الصورة الحقيقية لمعاناة شعبنا وجرائم الاحتلال
- توحيد المصطلحات الإعلامية وتعميمها
- الاعتماد على متخصصين في صياغة المصطلحات أو ترجمتها
- السعي نحو إنتاج الأخبار وتصديرها بدل الاقتصار على استيرادها
- وضع خطة إعلامية متحركة تتابع المستجدات على ساحة المدينة المقدسة .
- رصد دعم مالي كبير للتعريف بقضية القدس وما يجري فيها من تهويد من خلال إنتاج الأفلام الوثائقية والتقارير المصورة والقصص الإنسانية
- اعتماد منهج دراسي حول القدس يدرس في البلاد العربية لخلق جيل واعي بقضيته
- جعل القدس قضية أساسية جوهرية للعالم العربي والإسلامي
إعداد د وسيم وني مدير مركز رؤية للدراسات والأبحاث في لبنان