العلاقات التركية الاسرائيليه... مد ... وجزر ... فهل نشهد تغير استراتيجي في المواقف التركية تجاه إسرائيل

بقلم: علي ابوحبله

لم تستمر القطيعة بين تركيا وإسرائيل طويلا والتي بدأت بعد إعدام إسرائيل لتسعة من الناشطين الأتراك الذين كانوا في طريقهم الى غزة على ظهر سفينة مرمره بهدف كسر الحصار المفروض على غزه , وكما كان متوقعا توصل الطرفان التركي والإسرائيلي فيما بينهم في 26 يونيو/حزيران 2016 إلى إبرام اتفاق لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما في روما خلال اجتماع بين وفدي البلدين.
وبحسب الاتفاق فإن تل أبيب ستسمح لأنقرة بإدخال المساعدات المطلوبة للقطاع مقابل سحب تركيا شرطها رفع الحصار عن غزة، وينص الاتفاق على إتاحة المجال أمام تركيا لبناء محطة لتوليد الطاقة ومنشأة لتحلية المياه ومستشفى في غزة.
كما تلتزم تركيا بسحب جميع الدعاوى القضائية ضد الجيش الإسرائيلي وجنوده من المحاكم، من ثم تقوم تل أبيب بدفع تعويضات لضحايا سفينة مرمرة. وتضيف المصادر أن الاتفاق بين الجانبين لا يضمن لتل أبيب أو لحماس أي حصانة من مهاجمة أحدهما الآخر وبحسب الاتفاق لن توقف أنقرة علاقاتها مع حركة حماس.
يذكر أن أنقرة وضعت 3 شروط للتطبيع: اعتذار علني عن الهجوم وتعويضات مالية للضحايا ورفع الحصار عن قطاع غزة.ويبدو أنه تم تنفيذ الشرطين الأولين في شكل جزئي من خلال الاتفاق على دفع إسرائيل 21 مليون دولار أمريكي تعويضا لذوي ضحايا سفينة "مرمرة" التركية، وللجرحى الذين أصيبوا خلال الاقتحام، ومن خلال إيصال المساعدات التركية إلى سكان غزة عبر ميناء أسدود بدل إرسالها إلى القطاع المحاصر بشكل مباشر.
ولم تكد تهدأ العلاقات بين تركيا وإسرائيل حتى تصدّى رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، للاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة، وقامت تركيا بطرد السفير الإسرائيلي حيث أبلغت الخارجية التركية السفير الإسرائيلي لدى أنقرة أن "عودته إلى بلاده لفترة سيكون مناسباً" ويأتي طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة في أعقاب سحب تركيا لسفيريها في تل أبيب وواشنطن في أعقاب المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، أمس، وأسفرت عن استشهاد 61 وإصابة 2770 من المشاركين في فعاليات مسيرة العودة الكبرى عند السياج المحيط بقطاع غزة. وأعلنت تركيا الحداد ثلاثة أيام على أرواح الشهداء الذين سقطوا في غزة أمس.
هذا التصعيد الذي تشهده العلاقات التركية الاسرائيليه هل ينتهي كل ذلك لاحقاً وتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي بين الجانبين كما حصل عقب حادثة سفينة مرمره . و«لبعض الوقت»، في إشارة واضحة إلى هذه النتيجة، وتأكيد عليها.

الموقف التركي ما زالت مواقفه مجرد أقوال وتصريحات لم تصل بعد للأفعال التي ترقى لمستوى التحديات والمخاطر التي تتهدد القدس. ولم تترجم الأقوال إلى قرارات وأفعال ترقى لمستوى التحدي الحقيقي لتكريس تركيا كقوة مناوئه للمخطط الصهيو أمريكي
على رغم التهديدات والمواقف «العدائية»، التي تبديها تركيا اردغان تجاه إسرائيل تجد ردود فعل الشارع العربي مؤيده للمواقف التركيه مع تحفظ النخب العربية وتريثها في إطلاق الأحكام والمواقف
وما يدعو النخب للتريث النشاط الاقتصادي البيني بين تركيا واسرائيل ما زال واسعاً وفي ازدهار لافت، إذ بلغ حجم الشراكة التجارية بين الجانبين 4.3 مليار دولار عام 2017. وهو استمرار لواقع توسع العلاقات الاقتصادية في العامين الماضيين، منذ توقيع اتفاقية المصالحة عام 2016. تضمنت هذه الاتفاقية، التي وقعت بعد سنوات عدة من «القطيعة» الدبلوماسية، عدداً من البنود الاقتصادية التي رعت ودفعت مستوى التجارة بينهما، ومن أهم هذه البنود، الاتفاق على تصدير المواد الكيميائية والمشتقات النفطية من إسرائيل إلى تركيا. زاد حجم التجارة بين الجانبين 11 في المئة في العام 2017 مقارنة بالعام السابق
وإن كانت العلاقات التركية- الإسرائيلية تميزت في الماضي في كونها علاقات أمنية في شكل رئيسي، إضافة إلى التجارة والسياحة وقطاع النقل، إلا أنها في أعقاب اعتداء إسرائيل على «قافلة الحرية» (سفينة مرمرة) عام 2010، التي كانت حادثة «رأس الجليد» التي دفعت أخيراً إلى «تحويل» في شكل ومضمون العلاقات بين الجانبين، وابتعادها عن التعاون الأمني مع الإبقاء على النواحي الأخرى كما هي بلا تغييرات تذكر. أحداث مرمرة والأزمة في أعقابها، لم تؤد إلى انفصال اقتصادي بل إلى مواصلة تحفيز المصالح الاقتصادية وإن بموازاة تردٍّ سياسي.
الواضح، مع كل «هبّة غضب» تركية تجاه إسرائيل، التي يعقبها لاحقاً «مصالحة»، لم تدفع أنقرة إلى ترد مواز لكن يسجل في هذا قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده ستعيد النظر في علاقاتها التجارية مع إسرائيل، وذلك استنادا لقرار "المقاطعة"، الذي تمخض عن قمة منظمة التعاون الإسلامي الأخيرة.
وذكر أردوغان أن هذه العلاقات التجارية ستوضع على الطاولة عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا في 24 يونيو، وفقا لما نقلته صحيفة "حريات" عن الرئيس التركي.
كما أشار إلى أن قمة منظمة التعاون الإسلامي دعت في ختام قمة استثنائية في إسطنبول إلى توفير حماية دولية لسكان الأراضي الفلسطينية من خلال إيفاد قوة دولية للحماية، على غرار تلك التي تعمل في كوسوفو والبوسنة والهرسك.
وأضاف أن الدول المشاركة اتفقت أيضا على إنشاء لجنة للتحقيق في "جرائم إسرائيل في قطاع غزة". وارتكبت إسرائيل مؤخرا مجزرة عند حدودها مع غزة بحق فلسطينيين كانوا يشاركون في فعاليات احتجاجية رفضا لنقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل، من تل أبيب إلى مدينة القدس.
في المصالح والعلاقات الاقتصادية، تشير آخر المعطيات الصادرة عن «مركز إسرائيل للتصدير» (مركز رسمي)، إلى أن حجم التجارة بين إسرائيل وتركيا باستثناء الماس وصلت إلى ما يقرب من 4.3 مليار دولار عام 2017، بزيادة قدرها حوالى 11 في المئة مقارنة مع عام 2016، حيث بلغت في حينه 3.9 مليار دولار. الزيادة في التجارة البينية نتيجة لزيادة الواردات وزيادة الصادرات. ارتفعت صادرات إسرائيل من السلع إلى تركيا بنسبة 10 في المئة عام 2017 لتصل إلى 1.4 مليار دولار. وارتفعت الواردات من السلع بنسبة 11 في المئة وبلغت 2.9 مليار دولار - وهو أعلى مستوى مسجل في الواردات من تركيا.
حلّ في المرتبة الأولى لاستيراد إسرائيل من تركيا المواد الأولية للمعادن المستخدمة في الصناعات (19 في المئة من مجمل الواردات)، وحلت السيارات والطائرات والقطع البحرية ثانياً بـ18 في المئة، وثالثاً الآلات والمعدات الكهربائية (14 في المئة)، يليها المنسوجات (9 في المئة)، ومن ثم البلاستيك والمطاط (8 في المئة)، والمنتوجات الزراعية (8 في المئة).
الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا هي بمعظمها، أي ما يصل إلى أكثر من 75 في المئة، مواد كيميائية ومشتقات وتكرير نفطي، باعتبار تركيا هي محطة عبور للأسواق الأوروبية (ترانزيت)، فيما بقية الصادرات تتعلق بمنتجات معدنية ومحركات ومعدات كهربائية ومنتجات ورقية للطباعة.
في السنوات الأخيرة، كان هناك بعض الحرارة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، من دون أن تكون هذه النتيجة مرتبطة باتفاق المصالح لعام 2016، بل بعوامل وظروف أخرى، منها الحرب في سوريا ومقصد تركيا كجهة سياحة وترانزيت سياحة للإسرائيلي. بحسب معطيات صحيفة «ذا ماركر» الاقتصادية العبرية، أقلعت من إسرائيل إلى تركيا عام 2012، 4.706 رحلات جوية نقلت ما يزيد على 686.000 إسرائيلي، الأمر الذي شهد زيادة مضطردة عام 2017، وصل إلى 12.4 ألف رحلة جوية، وبما يقرب من 2 مليون سائح إسرائيلي.
على رغم أن إسرائيل ليست وجهة هامة للسياح الأتراك إلا أنها تعمل كجسر للنشاط التجاري التركي باتجاه الدول العربية، الذي بدأ كنتيجة للحرب في سوريا. تطلبت الحرب من المصنعين الأتراك، الذين قاموا بتسويق المنتجات الزراعية التركية إلى الأردن ومنه إلى دول الخليج، أن يجدوا طريقاً يتجاوز سوريا. تم العثور على الطريق من قبل السفن التركية، التي باتت تجلب الشاحنات مع سائقيها الأتراك باتجاه ميناء حيفا، ومنه عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الأردن. ويشمل هذا النشاط ما بين 30 إلى 40 شاحنة في الأسبوع الواحد. العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية التركية في ازدهار مستمر في موازاة ترد في علاقات الطرفين السياسية والتصريحات «الرنانة» المتبادلة. هذا الواقع، دفع وزير الاقتصاد الإسرائيلي، ايلي كوهين، ليهدد أردوغان وتركيا بضرورة الامتناع عن ازدواجية التعاطي مع إسرائيل، بين الموقف العملي والموقف الكلامي: «مع احترامي الكبير لأردوغان، لكن لا يمكنه أن يتمتع بأفضل ما في العالمين في علاقته مع إسرائيل»، في إشارة منه إلى الازدواجية، والتناقض بين كلام تركيا وأفعالها.
ويبقى السؤال هل سنشهد تغير استراتيجي في العلاقات التركيه الاسرائيليه بعد الانتخابات الرئاسيه التركي هام ان تركيا ستعود علاقاتها مع اسرائيل كما عادت عقب حادثة سفينة مرمره هذه الشد والجزر في العلاقات التركيه الاسرائيليه بات يتطلب حسم في المواقف والقرارات لمحاصرة اسرائيل اقتصاديه والضغط على امريكا لعل وعسى ان تتوقف كل القرارات والمشاريع والاجراءات التي تتهدد القدس وفلسطين في ظل غياب قوة ردع استراتجيه اسلاميه وعربيه

المحامي علي ابوحبله /