عيد المقاومة والتحرير في لبنان مناسبة وطنية وتاريخية

بقلم: عباس الجمعة

انتصار المقاومة الوطنية والاسلاميه في لبنان سيظل مطبوعا في ذاكرة العالم وذاكرة صانعيه, , التي تمكنت من تحقيق انتصارين متتاليبن بكفاحها الوطني التحرري وبصمود الشعب اللبناني حيث لقنت العدو الصهيوني دروسا لن ينساها , وما زال هذا النصر العظيم يشكل انتصارات بمواجهة القوى الامبريالية والصهيونيه والرجعية وعصاباتهم من قوى الارهاب التكفيري الذين يحاولوا من خلال مشاريعهم التفتيتية للمنطقة يجرّون أذيال الهزيمة والخيبة والعار، مما يفتح آفاقا جديدة , ويعزز القناعات لدى كل منا بحتمية تحرير الارض والانسان.
الشعب الفلسطيني لا يقل عطاء عن شقيقه الشعب اللبناني، أُدرك أن الظروف في لبنان هي غيرها في فلسطين, الا ان النضال الثوري هو فن ,كذلك هو الانتصار على معيقات استمرار الكفاح وابتكار الأساليب الملائمة والمواءمة لظروف النضال، ، حيث يتصدى الشعب الفلسطيني بمقاومته الشعبيه وبأرادته الحية للاحتلال والاستيطان في الضفة والقدس ، بينما تستمر مسيرات العودة بمقاومة شعبية وابتكارات نضالية في قطاع غزة الى جانب التمسك بالمقاومة بكافة اشكالها ، لإن الإنسان العربي الفلسطيني في حقيقته الجوهرية إنسان نوعي لا يقبل الضيم والذل ومستعد لدفع حياته ثمنا للدفاع عن ارضه ووطنه وقضيته ، ولذا فان إمكانيات الصمود لدى هذا الشعب العظيم وقدرته على مواجهة التحديات.
من هنا ونحن نقف امام ذكرى انتصار المقاومة وتحرير اغلبية اراضي الجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني باستثناء مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، هذا الانتصار العظيم ، يعيدنا إلى الأذهان صورة هزيمة الاحتلال الصهيوني وعملائه من جنوب لبنان بعد الضربات الموجعة التي وجهتها لهم المقاومة الوطنية اللبنانية، حيث ستبقى راسخة في وجدان الشعوب العربيه وقواها الحية وفي ذهن الشعب الفلسطيني الذي حقق مجموعة من الانتصارات بصموده وعطائه غلى ارض فلسطين المحتلة .
لقد شكلت المقاومة في لبنان انجازا كبيرا بسبب الطريقة التي تم بها والحفاظ عليه إضافة إلى تحصينه شعبيا وسياسيا وهذا ما تحقق من خلال إدارة المقاومة للصراع بحكمة وعقلانية ، حيث أثبتت أنها قادرة على صنع النصر ، وستبقى رغم كلّ الظروف المأساوية قادرة على مسك سيناريوهات المستقبل ورؤية الاتجاهات كافة، واستخلاص العبر والدروس لخدمة الحاضر والفعل في المستقبل.
عيد المقاومة والتحرير هو مناسبة وطنية وتاريخية لإحياء وتخليد بطولات عشرات آلاف الشباب والرجال والنساء الذين تشكلت منهم قوى المقاومة والذين تحدروا من مشارب سياسية وعقائدية ومنابت اجتماعية مختلفة منذ تجربة الفدائيين التي قادها الشهيد معروف سعد في حرب فلسطين وصولا الى تجربة جبهة المقاومة الوطنيه اللبنانية وتجربة المقاومة الوطنية والاسلامية ، وما بينهما مساهمات ريادية لمقاومين شيوعيين ويساريين وقوميين وسواهم من مناضلي الفصائل الفلسطينية والاحزاب اللبنانية الوطنية.
لذلك نقول ان التحرير والانتصار كان ثمرة تراكم انتصارات وانجازات وتضحيات جليلة لأجيال من المقاومين وهو شكل اول هزيمة ساحقة للعدو منذ النكبة وقد ثبت نتيجته الحاسمة بحصيلة حرب تموز التي سحقت هيبة الردع الصهيونية ، كما اثبتت المقاومة انها قادرة على مواجهة الاحتلال الصهيوني والارهاب التكفيري ولا تنتظر شكرا من احد رغم كل التضحيات التي تقدمها ، هذه المقاومة بتضحياتها وبتواضعها وتفانيها هي كنز وطني وقومي تظهر قيمته التحديات الوجودية الراهنة كنموذج لحقيقة هذا الكنز الثمين .
اليوم ومع القوة العملاقة للمقاومة يبدو لبنان دولة فاعلة في المنطقة، حيث تتلاقي روافد المقاومة التي تتصدى للإرهاب ولداعميه دفاعا عن التاريخ والجغرافيا وعن الإرث الحضاري العظيم لمنطقة هي مهد الديانات في العالم وتغتني كنوزها الحضارية والثقافية بذلك التنوع الحاضر في شراكة الحياة وفي نسيج الثقافة الشعبية والتقاليد التي توارثها الناس في تحركهم المشترك ضد المخاطر والتحديات على مر الزمان، كما يقف لبنان الى جانب فلسطين في مواجهة التحديات حيث يرسم الشعب الفلسطيني بالدم خريطة وطنه ويسعى بأمثولة كفاحية لتغير وقائع الأمس ، وهو يقطع الطريق على كل محاولات الإجهاض والطمس والتجاوز لأهدافه الوطنية وصولاً لتجسيد الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ،وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
ان ما يعصف في العالم من أحداث تلقي بمزيد من الأعباء الجسام على الشعب الفلسطيني ،وعلى كل القوى والديمقراطية والتقدمية في الوطن العربي والعالم قاطبة , فالإمبريالية المتوحشة والتي تطبق أبشع صور العولمة في سلب وغزو وقهر حرية وإرادة الشعوب منذ احتلال العراق , وصولا الى ما يجري في سوريا وما تفعله حكومة الاحتلال في فلسطين , تجعل إرادة الشعوب وقواها الحية إرادة صلبة وعزيمة لا تلين وهي بذلك تطلق صرخة مدوية لأحلام الحرية والعدالة , والديمقراطية في وجه ظلام العصر , وإمبرياليي العالم وأعوانهم .
ان الشعب الفلسطيني الذي يجسد اليوم ملحمة أسطورية ،اكدت عليها مسيرات الفداء من خلال رسائل مدوية تتصل بمستقبل قضية فلسطين، وتمثل مؤشراً صارخاً على خيارات الشعب الفلسطيني في مواجهة الهجمة الأميركية والتخاذل العربي والبطش الصهيوني، فرغم كل محاولات الإحباط والخطوات العدوانية ، والطوق الخانق المضروب حول عنق الشعب الفلسطيني ومساومته على لقمة العيش وحبة الدواء مقابل التخلي عن خياراته ومواقفه وثوابته، شكلت مسيرات العودة صرخة مدوية في مواجهة المخطط الأميركي ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، حيث عبر عنها الشعب الفلسطيني بلغة الدماء والتضحية، والاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات في مواجهة أي مخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
وفي ظل هذه الظروف أكد الشعب الفلسطيني، بما لا لبس فيه، أنه يقف بالمرصاد لمخطط صفقة القرن، التي يشكل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقبلها الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، محطة تمهيدية في سياق تنفيذها على أرض الواقع، الا ان الدماء التي ارتوت بها أرض فلسطين كان حضورها القوي في واشنطن ودول التطبيع وتل أبيب ، حيث اكدت مسيرات العودة على تمسك الأجيال المتعاقبة بحق العودة، بل الذهاب إلى أعلى درجات التضحية، رغم مرور سبعين عاماً على النكبة، و أن منسوب الأمل بالتحرير لا يزال حياً في النفوس، بل رغم الأسوار والجدر المفروضة التي تطوق من جميع الجهات ارض فلسطين
ان بطولات وتضحيات وابداعات الشعب الفلسطيني وشبابه الثائر شكلت القلب النابض لمسيرات العودة ووقود استمراريتها، حيث أثبتوا قدرتهم على كسر العدو والانتصار عليه، وكشفوا هشاشته وعجزه، وأن آلاته الحربية الإجرامية تتهاوى أمام قبضاتهم وإصرارهم وعزيمتهم.
وامام هذه الاوضاع نرى من الضروري استنهاض دور كافة الاحزاب والقوى العربية المناضلة في معركة اثبات الوجود حتى تبقى بوصلة فلسطين ، بوصلة تحرير الارض والانسان ونحن نسترشد بمواقف الرئيس الخالد جمال عبد الناصر واحمد بن بيله وهواري بومدين وعمر المختار والرئيس الرمز ياسر عرفات ورفيق دربه ابو جهاد الوزير وفارس فلسطين ابو العباس والحكيم جورج حبش ورمز جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية جورج حاوي وسيد الشهداء عباس الموسوي وقائد الانتصارين عماد مغنية وعروسة الجنوب سناء محيدلي ومعروف سعد وكمال جنبلاط ومحمد سعد وغيرهم من القادة ،المؤمنين بوحدة الهدف والمصير،المؤمنين بأن هذه الشعوب يجب أن يكون لها مكانة لائقة بين الأمم، ولذلك ستتمكن حتما من قبر وإفشال مشاريع الفوضى الخلاقة،مشاريع تفتيت الوطن العربي واستباحة جغرافيته، أمة ستفشل مشاريع الشرق الاوسط الكبير والجديد الامريكية، ولن تقبل هذه الشعوب بوجود إسرائيل العصا الغليظة التي تستخدمها أمريكا في ضرب حركة التحرر العربي وقواها الثورية، وشعار الذي يجب ان يبقى هو ، لا خيار إلا النضال والمقاومة ، ولا وطن إلا فلسطين، ولا بديل عن الحقوق العادلة والتاريخية للشعب الفلسطيني في العودة والحرية واقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة بعاصمتها القدس.
ختاما : ان الاحتفال بعيد المقاومة والتحرير اعطى دروس وعبر وما النصر الكبير والعظيم، ونحن أحوج إلى الوحدة من أي وقت آخر، وأن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وجود وليس صراع حدود ، وهو من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها فلسطين وعاصمتها القدس ،وبتحرير كل الاسرى البواسل من سجون الاحتلال، وسنمضي معاً ونحن واثقون من حتمية انتصارنا على القهر والظلم والحصار والاحتلال.

بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي