عن الشهيدة المُسِنة ذهبية أبو وراشد

بقلم: علي بدوان

زيتونة عتيقة راسخة الجذور من فلسطين، عادت باستشهادها إلى الأرض تنبت من جديد. الشهيدة المُسنة اللاجئة الفلسطينية ذهبية فهد أبوراشد، ذات الأعوام الخمسة وثمانين، من مواطني مخيم اليرموك.

الحاجة ذهبية فهد أبوراشد، ولِدَت على تراب الأرض المقدسة في فلسطين. فلسطين التي أمَرَ الأنبياء بحمايتها والذود عنها. ولِدَت تحديداً في بلدة الطيرة قضاء مدينة حيفا، والتي يُطلق عليها أهالي الجليل أيضاً مُسمى طيرة الكرمل، أو طيرة اللوز، وخرجت من فلسطين عام النكبة وعمرها خمسة عشر عاماً، فذاقت مرارة التشرد، والتهجير، وذل وهوان النكبة، مرارة النكبة الكبرى، التي عادت وتجرعتها حتى الاستشهاد تحت أنقاض الأبنية التي طالها التدمير قبل ظهر يوم الخميس الواقع في السابع عشر من مايو 2018 الجاري، في محنة فلسطينيي سوريا في مسارات المقتلة السورية. واستشهد معها تحت الأنقاض، كل من: كمال النابلسي- عدي النابلسي- بلال النابلسي- بيان النابلسي وطفلة رضيعة. وائل السرساوي- وضياء العايدي، وياسين المغربي.. وتم دفنها في منزلها.

هي وكل الشهداء، شهداء فلسطين في كل مكان، من غزة إلى الضفة والقدس إلى الداخل المحتل عام 1948 إلى اليرموك، أشجار زيتون فلسطينية مُباركة في الأرض المقدسة فلسطين، أشجار زيتونٍ مباركة لا شرقية، ولا غربية، يكاد زيتها يضيء (شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ. نُّورٌ عَلَى.نُورٍ. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ. وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) صدق الله العظيم. آثَرَت البقاء في منزلها في مخيم اليرموك، بالقرب من جامع فلسطين، حتى آخر نفس، ورفضت الخروج من دارها في اليرموك رغم كل الأهوال، والفظائع، والمعارك، والقذائف، والحمم، التي تساقطت على مُختلف مناطق مخيم اليرموك خلال السنوات الماضية، وخاصة خلال الشهر الأخير. فقد كانت في وعيها العميق والعفوي لا تُريد أن تُكرر نكبة العام 1948.

الحاجة ذهبية فهد أبو راشد، حالة فلسطينية، وطنية، خالصة، من عجينة وطينة الوطن والبلاد الفلسطينية، طينة حيفا وكرملها، تَحمِلُ معها عطر زعتر الكرمل الأخضر الجبلي، ورائحة الميرمية والنعنع الفلسطيني البري، وهي التي طالما أطلقت زغارديها، ومنذ العام 1965 لقوافل الشهداء من مُختلف القوى والفصائل، والتي كانت تَمُرُ من أمام دارها ليُصلى على جثامينهم في مسجد فلسطين في اليرموك، وقد صلى على قوافل الشهداء أكثر من مرة في ذات المسجد الرئيس الراحل ياسر عرفات سنوات العمل الفدائي الفلسطيني.

الحاجة المُسنة ذهبية فهد أبو راشد شقيقة المرحوم أبو عمر صاحب فرن أبو راشد في مخيم اليرموك، الذي اعتذر عن خبز الكعك والحلويات في الأعياد والمناسبات سنوات الإنتفاضتين الأولى والثانية، مؤكداً أن الكعك والحلويات ستكون في فلسطين مع فجر العودة.

وجع، وآلام، ودمعة حزن، وذل اللجوء وهوان التشرد، محنة اليرموك، وفلسطينيي سوريا، التي ستبقى مرسومة، في قصة مابعد النكبة، رواية مُدوّنة في سَفَر الكفاح الضاري، طويل النفس، لشعب فلسطين في الداخل والشتات، من أجل الحرية والعودة الى فلسطين طال الزمن أم قصر.

بقلم/ علي بدوان