لعله التوقيت الفلسطيني الدائم

بقلم: تحسين يقين

لنفترض جدلا، ان التحالفات القائمة في منطقتنا والعالم، ليست بالشكل والمضمون الذي يبدو؛ ففي عالم السياسة في جميع مستوياتها وخصوصا الدولية، فإنه دوما هناك ما هو فوق الطاولة، وتحتها، وليس في ذلك اكتشافا.

لعل تلك حقيقة لا افتراض، فلماذا نصرف وقتنا منشغلين بما هو مؤقت، مخففين الاهتمام بما هو دائم: نحن وهذه الأرض الجميلة!

يذهب المتحالفون، أفرادا وحكومات ونبقى نحن؛ وأظننا كفلسطينيين تعلمنا الدروس، لذلك فإن تقوية البقاء هنا بكافة أشكاله هو الحقيقة التي ستظل صخرتنا، مهما تعاقبت علينا الممالك والدول والغزاة؛ فهل ترك أجدادنا ترك بناء السلاسل الجبلية لحفظ تراب الجبال، وجلسوا منشغلين بأخبار الحلفاء؟

لنا أن نسمع ونتابع ونحلل، ولكن علينا أن نعمل، منشدين لتاريخ عريق، ومستقبل قادم، تلك هي السيرورة والصيرورة!

لذلك، فإنني أحب كل من يتحدث عن الأرض، زراعة وصناعة حتى ولو كانت بدائية وبسيطة؛ فما نحن غير هويتنا وخصوصية الأرض_الوطن، والطبيعة الأجمل!

ثم قلي لماذا قضى الشهداء؟ ولماذا أصيب الجرحى؟ ولماذا يقبع المعتقلين في سجون الاحتلال؟ أليس بسبب هذه الأرض التي نزهد بها، بل ونبيعها، لننضم للمستهلكين. لقد ظهرت خلال العقدين ونصف الأخيرين ثقافة اجتماعية سيئة هي ثقافة بيع الأراضي، فكثر التجار والسماسرة، وقل المزارعون والزراعة.

هل ننفخ في كربة مقطوعة!

لعلنا نتأمل توزيع السكان، ونتذكر تقسيماتهم، وكيف كانت القرية مصدر قوة للوطن، وكيف في ظل التحولات، صارت شيئا آخر!

تلك قصة طويلة شهدناها وشاهدناها، نحن له شهود، وضحايا و(صناع) لها للأسف!

هل يعرف الجيل الجديد الورد الجوري؟ والأزهار البرية التي كنا نعرفها زهرة زهرة؟

إذن سيمرون مرورا سريعا على الأغنية الجميلة التي تبدأ ب "احبك أحبك..وأحب كل من يحبك..وأحب الورد الجوري عمنو بلون خدك"..

هذا ما أخشاه فعلا على قضيتنا، وليست الأحلاف غير الواضحة؛ فماذا سنقول بعد سنوات حينما نكتشف ما يدور تحت الطاولة سرا؟ وكيف استمر مسلسل التخويف في منطقتنا لسرقة مواردنا!

للدول الكبرى والإقليمية لعبها ومصالحها، ولا ضرورة للتفصيل!

من الذين نحبهم دكتور سلام فيّاض الذي رأس الحكومة ذات يوم صعب، والذي لم ينقطع فعلا عن الأرض، لفطرته السليمة، فكل حديث له عن قرب أو عن بعد تظهر ثقافة الأرض وثمارها في حديثه، فإن حدثنا في الربيع تمنى شتوة تجر القناة، وإن حدثنا في الشتاء تمنى وفرة الماء؛ فاللغة لدية فلسطينية إلى آخر مدى..

ليس اللغة فقط، بل التوقيت لديه، كما لدينا هنا، هو التوقيت الفلسطيني..

-       للأسف، سيفوتني موسم التوت هذا العام، ولكن إن شاء الله سيكون لي من موسم التين نصيب. وأما الصبر البلدي، فهو تحصيل حاصل. يا ريت لو نرجع نربط الوقت بالمواسم الزراعية، عوضا عن الساعات السويسرية. هيك العدوين بيعرفوا إنَّا مش مستعجلين، وإنها الأرض بوصلتنا الوحيدة والباقي تفاصيل وشوشرة وغبرة، ليس إلا.

-       والعنب يا دكتور؟

-       العنب يصلح للاستخدام لأغراض التوقيت، ولكن بعد حظر الاستيراد ليعود تواجده في الأسواق موسميا! المشمش يصلح جدا لقصر موسمه. ولذلك يمكن استخدامه كالتوت لأغراض إعطاء إخطار قصير الأجل وهكذا. ولدي اقتراح بالنسبة للتوقيت اليومي. فعوضا عن التحديد السويسري، نقول، مثلا،  نلتقي تالي النهار أو الضحوية أو بعد الصلاة. وإذا حبينا نمغمغ الأمور ما بنحدد أي صلاة. وهكذا. وكل هذا للإيحاء بأننا مَش مستعجلين. وحتى لما نهدد، بنهدد بالتوت أو بالمشمش.

ولا يقف التوقيت الفلسطيني عند المواسم لدى دكتور سلام فياض، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو وطني؛ متذكرين ما قاله محمود درويش يوما: أنا لغتي!

من إشاراته الذكية التي يمكن أن نقرأها على ضوء ما يشاع من صفقات:

-       هيك العدوين بيعرفوا إنَّا مش مستعجلين، وإنها الأرض بوصلتنا الوحيدة والباقي تفاصيل وشوشرة وغبرة، ليس إلا.

-       وكل هذا للإيحاء بأننا مَش مستعجلين. وحتى لما نهدد، بنهدد بالتوت أو بالمشمش.

لا أجمل من ذلك، وقد نسبنا الحديث لأهله..

هناك في هذه الأرض ما يقوي وجودنا فقط لو أصغينا لنداء الأرض؛ للتأمل، لعلنا نتذكر ما قاله أحمد شوقي:

حسبهم هذه الطلول من عظات من جديد على الدهور ودرس

وإذا فاتك التفات الى الماضي فقد غاب عنك وجه التأسي

إنهما آخر بيتين ختم بهما قصيدته السينية، التي عارض فيها البحتري، في سينيته عندما وصف ايوان كسرى ملك الفرس.

رحل الانجليز عن مصر، وبقيت قصائد شوقي..وهم الذين نفوه الى إسبانيا، وبالرغم من تركيز السينية على رحلته المضنية من السفر الشاق، ومشاهدته الاطلال العربية في غرناطة وقصر الحمراء وحنينه الى بلاده، فإنه أبدع في اختتام القصيدة، مؤكدا على ضرورة تأمل التاريخ!

تاريخنا عريق، وهو طاقة إيجابية كبرى..

مؤخرا استضاف مركز “السياسات ودراسات حل الصراع"  في الجامعة العربية الأمريكية البروفسور توماس تومسون من الدنمارك ،الذي قدم محاضرة بعنوان رواية تاريخ فلسطين القديم "قبل شهر، استعرض فيها "جذور الغنى والتنوّع الثقافي الذي تميّزت به فلسطين نتيجة احتوائها ما يقارب 40 منطقة فرعية صغيرة مختلفة جغرافيًا تعود إلى العصر النحاسي، فإن السجلات التاريخية لم تُوثّق منه سوى المشهد الممتدّ بين الحقبة الرومانية والعثمانية، أمّا قبل ذلك فقد أُغفلت البعثات الأركيولوجية والتوراتية ذكر الممارسات الرعوية التي أنتجت قيمًا سياسيّة ساهمت في تأسيس النظام التراتبي (الهيراركي) للمجتمع الفلسطيني، وهو ما تناوله تومسون المحاضرة مسلّطًا الضوء على العلاقة المتشابكة بين هذه البُنى الزبائنية الرعوية والمناطق الجغرافية الفرعية في فلسطين منذ الألفية الرابعة وحتى الأولى قبل الميلاد، والتي سرد ملامحها من خلال انعكاسها في الكتابات والرُقُم التاريخيّة التي ناقشت تسميات المناطق الجغرافية الفلسطينية، وذلك في ضوء أنماط الاستيطان السائدة في العصرين البرونزي".

تلك الطاقة الكبرى وجدت لها علماء وباحثين من خارج فلسطين، لماذا؟ الجواب هو في العراقة، البداية، والحضارة!

فكيف نخاف؟

نحن مسكونون بالأمل، هكذا غنى محمود درويش يوما:

الأرض، والفلاح، والإصرار،

قل لي: كيف تقهر...

هذي الأقانيم الثلاثة،

كيف تقهر ؟

"عن الصمود" كان عنوان القصيدة!

تحسين يقين

[email protected]