رغم أن إسرائيل لا تحتاج هدنة جديدة مع حماس , ولكنها تستدرج حماس لهدنة بأقل ثمن وأقل تكاليف من الهدنة السابقة والتي لا تزال سارية المفعول بالنسبة لحماس وباقي الفصائل , فإسرائيل تعلم قوة رغبة حماس والفصائل بهدنة طويلة الأمد , وتعلم أيضا تمسك الفصائل وحماس بهشاش وفتات الهدنة التي تم التوقيع عليها في القاهرة قبل أربعة سنوات , فحديث إسرائيل عن الهدنة عبر وسائل الإعلام ليس من أجل هدنة بحد ذاتها , إنما من أجل بقاء وإستمرار مفهوم الهدنة في أدبيات الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس .
ومن هنا نستطيع أن نقول أن إسرائيل تستدرج حماس لهدنة بدون ثمن , وحتى لو كانت هذه الهدنة مجرد كلام فهي ترسخ مفهوم الهدنة بالنسبة لإسرائيل ومدى قبولها بالنسبة لحماس , وتعبر أيضا عن حالة إقصاء واضحة لباقي الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة والتي من المفترض أن تشارك في صناعة القرار وإدارة الصراع .
عندما نتحدث عن هدنة فنحن نتحدث ونعقب ونحلل بناء على أخبار منشورة عبر وسائل الإعلام , ولكن في الواقع لا زالت الفصائل الفلسطينية في غزة متمسكة بالهدنة التي تم التوقيع عليها في القاهرة قبل أربعة سنوات , ورغم أن إسرائيل خرقت الهدنة عشرات المرات وأيضا لم توفي بوعودها للفصائل وخاصة "الميناء والمطار" لا تزال الفصائل متمسكة بالهدنة , ولكن السؤال هنا , الحديث في هذا الوقت عن هدنة جديدة هل هو برغبة من حماس أم برغبة من إسرائيل ؟ بالتأكيد برغبة من حماس لأساب كثيرة ولكنني سأعتمد على سببين رئيسيين وهما .
أولا : إسرائيل لا زالت تتمتع بتمسك الفصائل بالهدنة القديمة بدون ثمن , ولا حاجة لها بإبرام إتفاق هدنة جديدة قد يكلفها ثمن ولو كان اقل القليل , فهي تعلم تماما أن الهدنة سارية المفعول على أرض الواقع من قبل الفصائل الفلسطينية ووسط خروقات يومية لها من قبل إسرائيل , فكيف إسرائيل تبحث عن مكسب فوق الشجرة وبيدها مكسب فعال ومضمون .
ثانيا : في هذا الوقت الراهن وبعد فشل المصالحة حماس تبحث عن البدائل للسلطة ولمنظمة التحرير ولحركة فتح , ووسط هذا الجو التنافسي فهي معنية بالهدوء بينها وبين إسرائيل كي تتفرغ لما هو أهم من الصراع مع إسرائيل حسب أدبياتهم وهو الصراع مع السلطة , ولم تستكفي حماس بأنها تتمسك مع الفصائل بهدنة هشة بدون مقابل ولا إنجاز سياسي أو إقتصادي , ولكنها تبحث عن هدنة طويلة الأمد الهدف منها حجب الاصوات التي تنادي من داخل إسرائيل بالقضاء على حماس في غزة بكل أشكال العنف , وأيضا خلق مساحة هادئة تتيح لها التفكير والتخطيط لكيفية التعاطي مع الإقليم وتسويق أفكارها ومشروع دولة غزة وجميع البدائل عن السلطة وفتح .
من الواضح جدا أن هناك حالة تناغم واضحة بين إسرائيل وحماس بالنيابة عن الفصائل , وهذا التناغم يتمثل في ثلاث محاور أساسية بما يخص الهدنة , المحور الأول هو تمسك حماس بالهدنة القديمة رغم أنها بدون ثمن , ورغم أنها تم إختراقها عشرات المرات من الجانب الإسرائيلي , والمحور الثاني هو سلوك حماس الأمني في غزة وحفاظها على الهدوء بينها وبين إسرائيل ومنع إطلاق الصواريخ , والنداء بالمقاومة السلمية .. إلخ . هذا بحد ذاته يعبر عن هدنة وإن كانت غير موقع عليها رسميا , المحور الثالث هو الرسائل المتبادلة في الوقت الراهن بين حماس وإسرائيل في موضوع الهدنة , ورغم أنها لا زالت رسائل متبادلة ولكنها تعبر عن رغبة شديدة في قبول الطرفين لأي إتفاق هدنة في الأيام القادمة .
برأيي أن إسرائيل تعلم تماما أن الهدنة حاضرة في أدبيات حركة حماس سواء في السابق أو الحاضر أو المستقبل , ولكنها تستدرج حماس عبر رسائل لها بأن تجاهر في قبولها بهدنة بدون ثمن , فإسرائيل معنية أن تجاهر حماس بقبول هدنة جديدة على غرار الهدنة القديمة والتي لا تزال متمسكة فيها حتى اللحظة .
بقلم/ أشرف صالح