مُنذ أن دَخل الرّئيس عَبّاس المُستشفَى الإستِشَاري ويتِم إعَادة السّؤال المطرُوح مُنذ عِدّة سَنوات، لمَاذا لَم يُعيّن الرّئيس نَائبًا لَه؟ أمَام هَذا السّؤال لا أحَد يُجيب، وكَأنّ الإجَابة خَارج السّيادة الفِلسطينِية، وقَد تكُون هَذه هِي الحَقيقة. مُنذ أكثَر مِن عَام تنبّأتُ بأنّ عبّاس آخِر رَئيس للسّلطَة، وفِي ظِل التّصرِيحَات المُتضَاربة مِن قَادة لفَتح وقَادة فِي السّلطَة الفِلسطِينية يقُول عَبّاس زَكِي:"لا سُلطة بعَد الرّئيس عَبّاس، وسنُعيد الإعتِبار لمُنظّمة التّحرير الفِلسطِينية"، وتتوَالى التّصرِيحَات حَول مَرض عبّاس وبالتّأكيد هِي مُتضارِبة أيضًا مَا بَين تصرِيحات إدَارة المُستشفى وتصرِيحَات بَعض مسؤُولي السّلطة، هَذا بالإضَافة إلى بَعض التّسريبات التي تنقِلها الصّحافة الإسرَائيلية حَول صِحّة الرّئيس وخُطورة حَالته، فيقُول الطّيراوي رَئيس جِهاز المُخابرات العَامة سابقًا، وعُضو اللجنَة المَركزية لحَركة فَتح أنّ وَضع الرّئيس لَيس عَلى ما يُرام وهُو لا يُمارس مَهامه، ويجِب عَقد الإطَار المُؤقت لمُنظمة التّحرير للخُروج مِن هَذه الحَالة، أمّا عزّام الأحمَد، فيقُول أنّه عِند حُدوث طَارئ فإنّ سَليم الزّعنُون رَئيس المَجلس الوَطني سَيتولّى مَهام الرّئيس فِي الفَترة الإنتقَالية.
الواقِع الفِلسطِيني والأيقُونة الفِلسطينية فِي حَالة مُضطَربة قَلقة مُتناقِضَة تنُم عَن تخبّط وعَن فَشل كَان فِي المَرحلة السّابقة وأضفَى هَذا الفَشل وُجوده وواقِعه عَلى كُلّ مَا هُو موجُود حَاليًا، بالقَطع لا أحَد يتشفّى بالمَرض، والأعماَر بيَد الله، ولكِن هَل فعلًا الرّئيس عبّاس هُو الذي امتنَع عَن تَعيين نائبًا له للسّلطة، أم أنذ تعيين نائبًا لرِئاسة السّلطة قد يكُون خَارج صَلاحِياته وإن كَان هُو طرفًا مِن عِدة أطرَاف فِي صِياغة السّلطة ووجُودها، بالتّأكيد أنّ السّلطة التي أنجبتهَا أوسلُو ووقّعتها مُنظمة التّحرير هِي طَرف فَقط مِن عِدّة أطرَاف أُخرى إقلِيمية ودَولية، إسرَائيلية وأمرِيكية وأورُوبية، وبالتّالي مُستقبل السّلطة أو أيّ قَرارات تتعلّق بوجُود السّلطة أو مَساراتِها ليسَت تَحت السّيطرة والسّيادة للنّظام السّياسي الفِلسطيني، حتّى كُل ما وقّعه عبّاس من قرَارات بحقّ غزّة سَواء رَواتب أو حِصار أو كُهرباء أو غُيره فُهي ليسَت قَرار عبّاسي مُطلق، بل نِسبي أيضًا، فالدّول المَانحة سَابقًا أبدَت امتعَاظها مِن صَرف الرّواتب لمُوظّفي غزّة، هَذا فِي الشّق الخدماتي والتّوجّهات السّياسية المُلحقة بِذلك. العُقوبات عَلى غزّة وإن وقّعها عبّاس فهِي إرَادة إقلِيمية ودَوليّة أيضًا تتعلّق بمُستقبل وتصوّر الحَل السّياسي للقَضية الفِلسطينية بكَامِلها، فالسّلمية انطَلقت مِن غزّة تمَاشيًا مَع تِلك المُتغيّرات الطّارئة التي حَدثت والتي أحدَثتها العُقوبات والحِصار أيضًا، والمُؤتمر الدّولي والإنسَاني الذي حَضرته أمِريكا ولم تحضُره السّلطة بشَأن غزّة أيضًا في نِطاق هَذا التّصور، سُفن فكّ الحِصار والمُساعدات التي تنهَال على غزّة بعد يَوم الإثنين الأسوَد، وإن كَان لَها الجَانب الإنسَاني، فهِي تصُب أيضًا فِي المضمُون السّياسي، فهُناك عَلاقة مُتشابكة بَين القَضَايا الإنسَانيّة والسّياسية والوَطنية التي تتعلّق بالصّراع مَع الإحتِلال. أمّا قِصّة من ينُوب عَن الرّئيس وحَالة التكتّم والتخوّف وهُناك بَعض الأطرَاف فِي الضّفة الغَربية بدَأت تتحرّك فِي اتّجاه تثبِيت وجُودها فِي فَترة مَا بَعد عبّاس بالاتّصال مَع قُوى إقلِيمية وقُوى دَولية، بالتّأكيد أنّ وجُود الرّئيس فِي المُستشفى لا يهمّ رجَال السّلطة بل قد يكُون الإهتِمام بِه أكثَر مِن الإحتِلال ودِول إقلِيمية ودوليّة، فمُستقبل السّلطة ورئِيسها هُو شَأن دَولي وإقلِيمي قَبل أن يكُون شَأن دَاخلي فِلسطيني، فالمسؤُول عَن السّلطة هي تِلك الأطرَاف، ولذلِك حَالة التكتّم هِي الدّراسة العَميقة مِن قِبل تِلك الأطرَاف لمَا بَعد محمُود عبّاس، وقوّة التّأثير الإسرَائيلية فِي الخِيارات التي تَأتي فِي تِلك المَرحلة اللّاحقة، وهُنا لا نستَثني صَفقة القَرن ولا نستثنِي الإعتِراف الأمرِيكي بالقُدس عَاصمة لإسرَائيل، ولا نستثنِي أيضًا خِيار العَاصمة فِي الضّفة الغَربية "أبُو ديس"، كلّ تلك الخِيارات التي قَد يكُون عبّاس زَكي قد صدّق فِيها بأنّ لا سُلطة بَعد محمُود عبّاس، ولكِن هَل ستكُون رَوابط مُدن فِي الضّفة الغَربية؟ وهَل هُناك اعتِراف دَولي بشِبه نِظام سِياسي فِي غَزة ضِمن شُروط مُحدّدة واتّفاقيّات مُحدّدة ترعَاها دِول إقلِيمية لفَك الحِصار عَن غزّة؟ أيّ يسِير الفِلسطينِيون بِما لا يشتهُون نَحو انفِصال الضّفة عَن غَزة، وهُنا قد نتسَائل هَل مُنظّمة التّحرير قَادرة عَلى وَضع برنَامج لوِحدة الشّعب الفِلسطيني ومُواجهة التّحديّات وهَل قَادرة عَلى أن تُعلن نِهاية السّلطة ودَولة تَحت الإحتِلال وتقُوم بكلّ مَا عَليها مِن مَسؤُوليات تُجاه الحَالة المَدنيّة والأمنِية والإجتمَاعية فِي دَاخل الضّفة وغَزة؟ تِلك الأسئِلة مهمّة جدًا، وهِي التي تُعاكس مَا يُمكن التّخطِيط له سَابقًا. بالتّأكيد أنّ الرّئيس لا يقُوم بمهَامه وهُناك حَالة فَراغ الآن تَرعَاها القُوى الإقلِيمية والدّولية وليسَت السّلطة، وكَيف يُمكن أن تُفكر دِول الإقلِيم والمنظُومة الدّولية فِي مُستقبل النّظام السّياسي الفِلسطيني فِي المَرحلة القادِمة، فحَل الدّولتين قَد انتَهى بنِهاية محمُود عَباس، إذًا مَا هُو الحَل المطرُوح، أهِي كِيانية فِلسطينيّة فِي غَزة؟ ذاَت نِظام سِياسي له ضَوابطُه، ونِظام مُلحق وُمضاف للمنظُومة الأمنِية الإسرَائيلية فِي الضّفة الغَربية كَروابط مُدن، ومسؤُولِيات مُشتركَة بَين الأردُن وإسرَائيل حَول تِلك المَنظُومة؟، الوَاقع الفِلسطيني فِي مَتاهة، والبَرنامج الوَطني الفِلسطيني الذي يتحدّثون عَنه أسقطُوه بفشَلهم وبأوسلُو، إذًا محمُود عبّاس عِندما كبّلوه بالعُقوبات تُجاه غزّة كَان ذلك لأنّه لا يَملك شَيئًا ولا حتّى قرارًا سِياسيًا، فهُم يكبّلوه ويعزِلوه أيضًا دَاخل المُستشفى إنتظارًا لِما تُقرّره الدّول الإقلِيمية والمنظُومة الدّولية بشَأن واقِع السّلطة والواقِع السّياسي والوَطني للشّعب الفِلسطيني.
بقلم/ سميح خلف