واضح أنه من بعد الإعتراف الأمريكي بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال ونقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس والإحتفال بذلك...فإسرائيل تريد ان تستثمر ذلك سياسياً،ولذلك أتت الخطة الحكومية الإسرائيلية المعنونة "بدمج سكان القدس العربية في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي"،والتي رصد لها مبلغ 2 مليار شيكل على مدار خمس سنوات 2018 - 2023 ،من اجل فرض وتكريس واقع جديد في المدينة يقوم على سلب المقدسيون العرب لأرضهم ومقدساتهم وبما يخدم الرؤيا والرواية الإسرائيلية.وهذه الخطة لم تأت فقط من أجل استكمال السيطرة على ما تبقى من الحيز المكاني الجغرافي المتبقي للمقدسيين،والمعتمد على تقطيع اوصال البلدات العربية المقدسية عبر شبكة الشوارع الإلتفافية وربط البؤر الإستيطانية داخل جدار الفصل العنصري مع الأخرى،خارج جدار الفصل العنصري،بما يمكن من ربط القدس العربية مع شطرها الغربي والداخل الفلسطيني بشبكة انفاق وقطارات خفيفة وسريعة،وكذلك عمليات الضم للكتل الإستيطانية الكبرى من جنوب غربها ، تكتل" غوش عتصيون" وحتى شمال شرقها،تكتل " معاليه ادوميم"،حيث تصبح مساحتها 10% من مساحة الضفة الغربية،وما يترتب على ذلك من ضخ ل 150 ألف مستوطن اليها،وإخراج اكثر من 100 ألف فلسطيني مقدسي من حدودها، القرى والبلدات الفلسطينية الواقعة خارج جدار الفصل العنصري،وهذا بالملموس يعني تغير الطابع الديمغرافي للمدينة بشكل كبير لصالح المستوطنين.
المهم في هذه الخطة الحكومية الإسرائيلية ،هي التركيز على أسرلة المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس بشكل كامل ونهائي،وبما يصفي التعليم الفلسطيني في المدينة،وعملية الأسرلة للمنهاج،تعني فعلياً أسرلة الوعي والسيطرة على الذاكرة الجمعية لطلبتنا،اللبنات الأساسية لبناء المجتمع،والمسألة لن تقتصر على " كي" و "تقزيم" الوعي،بل المحتل يريد أن ينتقل الى مرحلة التخريب الكلي للوعي،أي تطويع هذا الوعي و" صهره" لكي يضمن ما يسميه بعملية الإندماج.
وفي التحليل الملموس لمركبات هذه الخطة،نجد انه تم تخصيص 715 مليون شيكل من أجل بناء مدارس جديدة،والعمل على صيانة الأبنية القائمة،وفتح صفوف للتعليم التكنولوجي،وكذلك تنشيط التعليم للفتيات في إلإطار المهني والتكنولوجي،وعلى تعليم اللغة العبرية والأنشطة اللا منهجية خارج الإطار التعليمي الرسمي.وكذلك لربط الطلبة المقدسيين بالتعليم الإسرائيلي بشكل كامل،تم تخصيص مبلغ 260 مليون شيكل للتعليم العالي، وبما يسمح ل 500 طالب عربي بالتعلم المجاني في المؤسسات التعليمية الإسرائيلية،أي تنفيذ خطة الدمج للأسرلة والتهويد.
ولذلك نجد بان الحرب مستعرة على المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس،حيث يتزايد فتح الصفوف في المدارس التي تعلم منهاج إسرائيلي،وكذلك فتح مدارس جديدة،بما فيها ذلك مدارس تكنولوجية ومهنية،وهناك تراجع في أعداد الطلبة الذي يتقدمون لإمتحان الثانوية العامة الفلسطيني لصالح " البجروت" الإسرائيلي،وللأسف هذه الخطة لا يشارك في تنفيذها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية الاحتلال والأجهزة الأمنية والشرطية وجهاز المخابرات العامة " الشاباك" ،بل جزء من هذه الخطة التنفيذية أدوات عربية،يجري توظيفها في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وفي المدارس،متساوقة وجزء من هذه الخطة،حيث سياسة الترغيب والترهيب،المدارس التي تعلم وفق المنهاج الإسرائيلي تغدق عليها الأموال،وحتى لو كان التعليم فارغ وبدون مضمون،والمدارس التي تستمر في التعليم وفق المنهاج الفلسطيني، تحرم من الأموال،او تقنن الى أقصى حد،ناهيك عن التهديد بإستهداف من لا يتجابون مع هذه الخطة في أرزاقهم،والمؤسف بأن هناك من هم مشبعون بالفكر الصهيوني من الموظفين في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي،ويشاركون في هذا المخطط،ناهيك ان هناك متعهدين من بعض المنتفعين في المجتمع المحلي،من يتولون الدفاع عن أسرلة المنهاج في مدينة القدس،مقايضة الوعي والثقافة الوطنية،بمصالح اقتصادية ضيقة.
والمتتبع لما يحدث هنا نجد بأن شرطة الاحتلال الجماهيرية،أصبح وجودها في الكثير من مدارسنا في القدس شيء طبيعي،وليمتد هذا الوجود الى بعض المدارس الخاصة.. حيث وافقت بعض المدارس الخاصة في مدينة القدس المحتلة خلال الشهر الجاري، على إجراء تدريبات لطلابها في مجال الإنقاذ في أوقات الطوارئ، وهي تدريبات تجري ضمن برنامج إسرائيلي أمني مشترك بين جيش الاحتلال ووزارة الحرب الإسرائيلية ووزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، وبالتعاون مع شركة إنقاذ إسرائيلية خاصة باسم “ماجين- מגן”، في خطوة تعكس خطورة التنازلات التي تنساق إليها مدارس القدس الخاصة.
وهذه التدريبات تشمل تدريب طلاب الصف العاشر في مدارس القدس الخاصة على كيفية التصرف والإنقاذ في حالات الطوارئ كالكوارث مثل الزلازل أو الحروب. ويستمر التدريب لمدة يومين متتاليين، يمرّ في نهايتهما الطلبة بامتحان، ومن ثمّ توّزع عليهم شهادات، ويطلب منهم تعبئة تقييم إلكتروني لقياس مدى استفادتهم من التدريب.
والأمور تخطت ذلك الى قيام العديد من مدراء المدارس الحكومية في أخذ الطلاب والطالبات لزيارات تطبيعية مع مؤسسات تعليمية إسرائيلية،أنشطة رياضية وفنية وعلمية وغيرها،والمدراء أنفسهم لتلك المدارس يشاركون في أنشطة ورحل جماعية مع مدراء يهود.ولم يتورع عن هذه الممارسة بعض مدراء المدارس الخاصة.
وفي الوقت الذي نشهد فيه هذه الهجمة الكبيرة والواسعة على العملية التعليمية في مدينة القدس،نجد ان المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية،مدارس الأوقاف،أضحى جزء منها طارد وليس مستقبل للطلبة والمدرسين،ومدارس دار الأيتام نموذجاً،والمسألة ليست مرتبطة بإجراءات وسياسات الاحتلال،فهناك خلل ذاتي تتحمله التربية والتعليم الفلسطينية،ليس على صعيد الرواتب للطاقم التعليمي،بل المستوى الأكاديمي المتدني،والذي شجع على هجرة الطلبة من تلك المدارس للمدارس البلدية الحكومية والمدارس الأهلية والخاصة.
نحن ندرك تماماً بان نقص الأموال وعدم تخصيص أموال وصناديق للعملية التعليمية في القدس،يسهل من عملية الإختراق والتوسع في المنهاج الإسرائيلي في المدينة،فالقمم العربية والإسلامية التي تتحدث عن دعم صمود المقدسيين في مدينتهم،لا نجد لها انعكاسات مالية واقتصادية على أرض الواقع،ولكن هذا لا يعني اعفاء السلطة ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية والقوى والمؤسسات المقدسية واتحاد لجان أولياء الأمور من مسؤولياتهم في حماية العملية التعليمية والمنهاج الفلسطيني في مدينة القدس،فالخطر الآن جدي وداهم ويطال العقل والفكر والوعي.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
28/5/2018
0524533879
[email protected]