خلافة الرئيس محمود عباس تستقطب اهتمام أطراف محلية وإقليمية

بقلم: علي ابوحبله

خلافة الرئيس محمود عباس تستقطب اهتمام أطراف محلية وإقليمية وذلك لغياب الآلية الدستورية المتفق عليها لانتقال السلطة الفلسطينية بسبب الانقسام الحاصل وتوقف عمل المجلس التشريعي لأكثر من عشر سنوات والذي تتوفر عنده آلية الانتقال دستوريا.

هناك حاله من القلق والاهتمام لدى الشارع الفلسطيني وسط هذا الكم من الإشاعات والحملات الاعلاميه حول صحة الرئيس محمود عباس ضمن صراع خفي بين قوى واجنحه فلسطينيه تتصارع فيما بينها وكلا يسعى لملئ الفراغ الذي سيخلفه الرئيس محمود عباس في حال فراغ المنصب الرئاسي
وقد باتت مسالة خلافة الرئيس محمود عباس إحدى ابرز العناوين المطروحة في المشهد الفلسطيني ،فقد أصبح هذا العنوان محط اهتمام قيادات فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ،ويجري تناوله تحت عنوان: بحث إعادة تشكيل وإنتاج القيادة الفلسطينية ،بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، وقيادة السلطة الفلسطينية ، رغم انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني والتوصيات التي خرج بها لم تتضمن التوصيات اليه لعملية انتقال السلطة وترك الباب واسعا للاجتهادات والصراعات علما وبحسب القانون الأساس بنص الماده 37 يعتبر مركز رئيس السلطة الوطنية شاغراً في أي من الحالات الآتية: أ- الوفاة. ب- الاستقالة المقدمة إلى المجلس التشريعي الفلسطيني إذا قبلت بأغلبية ثلثي أعضائه. ج- فقد الأهلية القانونية وذلك بناء على قرار من المحكمة الدستورية العليا وموافقة المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه. إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات السابقة يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمـدة لا تزيد عن ستين يوماً تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني.
والجدیر ذكره أنه قد وقع تطبیقاً عملیاً عقب استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات ان تولى رئيس المجلس التشريعي روحي فتوح الرئاسة لمدة ستين يوما حيث أجريت انتخابات الرئاسة وانتخب الرئيس محمود عباس لرئاسة السلطة
لكن في ظل التعقيدات الفلسطينية بفعل الانقسام وتغييب المجلس التشريعي لأكثر من عشر سنوات فان أي غياب قسري للرئيس تشكل حالة إرباك فلسطيني وحاله من الصراع ، ويأتي الانشغال الفلسطيني بمسالة خلافة عباس ،بالتزامن مع جهود مكثفة تبذلها الولايات المتحدة ، لإخراج “صفقة القرن” إلى العلن ،خلال الأيام اوالاسابيع القادمة،والتي تؤكد ملامح تسريباتها أنها تقوم على “تجميع” مبادرات متعددة ،سبق وتم طرحها أعقاب جمود وتعثر عملية السلام منذ اتفاق اوسلو،ويبدو أن تلك الصفقة لم تخرج عن مضامين تلك المبادرات ،التي تم رفضها ،اذ تندرج بنودها في إطار مفهوم سلام اقتصادي بين الفلسطينيين وإسرائيل ،بدولة فلسطينية جوهرها أكثر من حكم ذاتي واقل من دولة،عمادها مواصلة وتعميق التنسيق الأمني بين أجهزة هذه الدولة مع إسرائيل، هذا التنسيق الذي سجل “نجاحا” منذ اوسلو ،وربما كان العنوان الأبرز العابر لكافة الاتفاقات والتفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية.
مرجعية التعاطي الفلسطيني مع ملف خلافة عباس ،وإعادة ترتيب القيادة الفلسطينية ، يأتي اليوم في سياقيات تحدد ملامح وشروط خليفة الرئيس عباس وهي:
الأول: السقوف التي شكلت مرجعيات لانطلاق السلطة الفلسطينية منذ عام 1993،وهي التفاوض مع إسرائيل، وهو ما يعني غياب اي مشروع يتناقض مع هذه المرجعية، بما في ذلك “مشروع حركة حماس” التي شاركت في المؤسسات المنبثقة عن هذه المرجعية ،سواء في البرلمان الفلسطيني ،أو رئاسة الحكومة الفلسطينية،وبقية أجهزتها ومبادراتها اللاحقة التي شكل الاقتراب من السلطة ومنافستها عنوانا لها ، وخاصة الاعتراف بإسرائيل والدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران.
الثاني: مشهد فلسطيني ،عنوانه الضعف والانقسام وعدم قدرته على إنتاج مشروع وطني فلسطيني يحظى بإجماع شرائح وقطاعات واسعة في ظل “فشل” المصالحة بين فتح حماس، تتزامن مع مشهد عربي وإسلامي لايقل سوءا، يحول دون وجود حاضنة إستراتيجية للفلسطينيين.
الثالث: أن شخصية خليفة الرئيس عباس ،تخضع لاعتبارات مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل ودول الإقليم وبالأخص الأردن والسعودية ومصر ،جوهرها قناعة ورغبة وقدرة القائد الجديد على التعاطي مع مشروع السلام المطروح وهو “صفقة القرن”.
في ظل هذه المقاربة،تغيب الفوارق بين الأسماء المرشحة لخلافة عباس ،الا في إطار معايير واعتبارات محددة، ليس من بينها إنتاج مشروع جديد متناقض مع ما هو قائم ،منذ التحولات الفلسطينية بعد أوسلو، وسلم كسر المحرمات،وربما يكون العنوان الأبرز في هذه المعركة أنها تجري في إطار صراع بين تيار الجيل القديم ، من مؤسسي حركة فتح وتيارات شبابية صاعدة، بحيث تنتج قيادات جديدة ولدت ونشأت في فلسطين ، ولم تخض تجربة النضال والعمل ألفصائلي في الساحات الخارجية .
تثير مسالة خلافة الرئيس محمود عباس اهتماما واسعا لدى أطراف محلية واقليمية ودولية وذلك لغياب الآلية الدستورية المتفق عليها لانتقال السلطة في حال شغور موقع رئيس السلطة الفلسطينية بسبب الانقسام الحاصل وتوقف عمل المجلس التشريعي لأكثر من عشر سنوات والذي تتوفر عنده آلية الانتقال دستوريا.
الا أن الغياب والانقسام والتشكيك الحاصل بشرعيته وغياب دور م. ت. ف في تنظيم هذا الانتقال وهي المسؤولة الشرعية الاولى عن السلطة الفلسطينية٬ وعدم تعيين الرئيس نائب له اما لعدم رغبته او بحكم الدستور.
ويتزامن هذا الاهتمام والتساؤل عن مرحلة ما بعد الرئيس مع ما يدور في المنطقة من حروب وصراعات عربيه - عربيه واقليمية مؤثرة على الوضع الاقليمي وكذلك مع قرب طرح الرئيس الامريكي ترامب مبادرته التي تم تسريب الكثير من مضمونها والمسماة صفقة القرن والتي تمس بمصير المشروع الوطني الفلسطيني وبإنشاء الدولة الفلسطينية وبسيادتها على الاراضي الفلسطينية والقدس بشكل خاص.
ومن أجل تقدير الموقف لا بد من القاء الضوء على مراكز القوى المؤثرة بشكل مباشر او غير مباشر على مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس سواء كانت القوى محلية او اقليمية ودور كل مركز وتحالفاته بالتأثير على النتيجة.
أنهكت حالة الصراع العربي -العربي وما يدور بالمنطقة من حروب طاحنة الإجماع العربي في دعم القضية الفلسطينية وإمكانياته٬ سواء بانشغال البعض العربي بالدفاع عن مصالحه والبعض الآخر بالدفاع عن امنه القومي ضد الارهاب المصطنع وما ترتب عن ذلك من ازمات داخليه دفع البعض للتخلي عن المشروع الوطني الفلسطيني وحتى ان البعض ذهب الى تحالفات مع اعداء الامة.
هذه الحالة ودون الدخول في تفاصيلها حدت من الدور العربي الايجابي في التأثير٬ بل بالعكس٬ قد تفرض مصالحها الإقليمية دورا سلبيا على الوضع الفلسطيني. وعليه قد نشهد غيابا عربيا بالتأثير الإيجابي في حال شغور منصب الرئيس الفلسطيني.
ان للاحتلال الإسرائيلي والدور الأمريكي الأثر الفاعل فيما قد يحدث من تغيير في تركيبة السلطة الفلسطينية، أو بقائها سواء تأثير مباشر أو غير مباشر من خلال وجوده كاحتلال، أو من خلال الثغرات الموجودة باتفاقية أوسلو والتي أعطته صلاحيات أمنية وهيمنة على مناطق السلطة الفلسطينية أهلته لتعزيز علاقاته مع شخصيات فلسطينية سياسية وأمنية ومالية تقبل بوجوده وتدخله بالإضافة الى انتشار قواته العسكرية بكافة أراضي الضفة الغربية والتي هي من المفروض أنها أراضي السلطة الفلسطينية. ناهيك عن أطماعه المعلنة بضم الضفة الغربية وبدعم من الإدارة الأمريكية الحالية التي تشاركه الاحتلال عمليا.
إن عدم ترتيب البيت الفلسطيني والانقسام الجغرافي والسياسي هو الأكثر سلبية في التأثير. فالحالة الفلسطينية تتمثل بالتالي
• انقسام جغرافي وسياسي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
• غياب م.ت.ف عن دورها القيادي.
• غياب تام للتنظيمات الفلسطينية المنضوية تحت لواء م.ت.ف.
• ابتعاد الفعاليات السياسية الفلسطينية عن القرار نتيجة الاقصاء السياسي والتفرد.
• عدم اتفاق القوى السياسية الفلسطينية على وضع آلية انتقال السلطة أو تعيين نائب للرئيس.
• غياب اتفاق على اختيار الشخصية الفتحاوية التي تحظى بالإجماع لتولي منصب الرئاسة .

في مرحلة غياب الرئيس وغياب الخليفة الشرعي لشغور الموقع٬ وحالة التشكيك بشرعية المجلس التشريعي وعدم التوافق على المرحلة الانتقالية بتولي رئيس المجلس التشريعي المرحلة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات والذي ستتمسك به حماس المسيطرة على قطاع غزة والتي سترفضه فتح قطعا وستتمسك
بدور منظمة التحرير الفلسطينية بالولاية وهذا من شانه ان يزيد في تعقيدات الوضع الداخلي الفلسطيني وسيؤدي ذلك إبتداء إعلان حماس الولاية وبالتالي الانفصال عن الضفة الغربية. أما الوضع بالضفة الغربية يخشى من صراع بين مركزية فتح والرأسمال الفلسطيني من جهة ومن جهة أخرى سيفتح باب صراع ما بين مراكز القوى داخل حركة فتح نفسها.
فرأس المال الفلسطيني المتحالف مع القوى الأكاديمية والمقبول إسرائيليا وأمريكيا وأوروبيا سيحاول بزج نفسه لإشغال الموقع الا ان فرصته تبقى ضئيلة لغياب قوته العسكرية وضبط الأوضاع أما فتحاويا هناك صراع بين قوى ترى في نفسها أنها الأحق بالرئاسة ويمكن ان يطلق عليه صراع الاجنحه ،
وأمام هذه المعطيات في ظل وجود القوى الفلسطينية المتنافسة التي ليس لديها أي قدرة على بسط نفوذها على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة٬ وهنا يبرز السيناريو الأهم والأخطر وتسعى حكومة الاحتلال لتجييرها بما يخدم أهدافها ، فإسرائيل تعلن عبر كل قياداتها وعبر سلوكياتها وإجراءاتها السياسية والعسكرية ومن خلال أدبيات الحركة الصهيونية بالإضافة إلى تحالفاتها الدولية لضم أراضي المستوطنات ألمقامه على أراضي الضفة الغربية وتم اقرار مشروع قانون في الكنيست خاص بضم مستوطنات الضفة٬ بعد الاعلان الأخير للإدارة الامريكية بالاعتراف بمدينة القدس العاصمة الأبدية والموحدة لها٬ ونقل السفاره الامريكيه للقدس واعتبار المناطق الفلسطينية تجمعات سكانية تخضع لسلطة حكم ذاتي مع صلاحيات امنيه واسعه لسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وعليه وفي ظل الصراع الفلسطيني - الفلسطيني وبغياب الرئيس الفلسطيني أمد الله في عمره وتحت ذريعة منع الفوضى ستعيد إسرائيل نشر قواتها حول مدن الضفة مع الإبقاء على الاجهزة الامنية وبعض المؤسسات العاملة ولها عمل مباشر مع الجمهور الفلسطيني بالإضافة الى تفعيل دور المجالس البلدية المنتخبة لتحل محل السلطة بمرجعية وتنسيق الادارة المدنية الاسرائيلية مدعومة بالموقف الامريكي ومشروعه المسمى بصفقة القرن.
وهذا لا يعني ان القضية انتهت وإنما يعني أن نضال الشعب الفلسطيني باق حتى زوال الاحتلال.

المحامي علي ابوحبله