“ الحرية والكرامة صنوان .. والإعتقال السياسي وصمة عار “

بقلم: فراس الطيراوي

الحرية والكرامة صنوان بل توأمان لا ينفصلان، فحرّيّة الإنسان تولد معه ، وكرامته هي من إرهاصات وجوده .. أي من حين اكتشاف حمله .. ألم يقل ربّنا جلّ وعلا في محكم كتابه العزيز  : ( .. ولقد كرّمنا بني آدم)
وقال الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " متى استعبدتم الناس ، وقد ولدتهم أمّهاتهم أحراراً .؟! "
إن الاعتقال التعسفي للناشطين السياسيين والحقوقيين والاعلاميين  وناشطي المجتمع المدني سواء في الضفة أو غزة أو في أي بقعة من بقاع الأرض مرفوض ومدان جملة وتفصيلا لانه امتهان لكرامة الإنسان وإحتقار لآدميته.
 وإن التنوع والتعدد من المقومات الأساسية في أي مجتمع إنساني ،والاختلاف سنة من سنن الله أيضا، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم (وهو مرجع اجماع العرب والمسلمين قاطبة من حيث البلاغة والبديع والبيان أيا كانت معتقداتهم وانتماءاتهم)، نذكر منها على سبيل المثال (  وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود 118)، وفي نفس الوقت حرية التعبير عن الرأي حق إنساني كفلته كافة الدساتير والقوانين الدولية، وأكدت على احترام هذا الحق وعدم المساس به، بينما يَعدّه الإسلام حق وواجب في ذات الوقت استدلالاً بالآية الكريمة (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) التوبة، آية (71)، ويرى البعض إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع لا يقتصر على الأمور الدينية والعبادية والعقائدية فحسب، بل يمتد ليشمل النشاط الإنساني في التفكير والنقد والمعارضة والتقييم في شؤون السياسة والثقافة والاقتصاد.
وبذلك يعتبر هذا الحق والواجب مقدس لا يمكن مصادرته أو التضييق عليه، ومن يعمل على خلاف ذلك فانه يؤسس إلى الاستبداد والدكتاتورية.
حقا ان اعتقال الناشطة النسوية سماح ابو غياض في سجون حماس ، أو اعتقال اَي ناشط سياسي في الضفة الغربية جريمة وطنية تمزق النسيج الوطني والاجتماعي، وتتنافى مع الشريعة السمحاء، والقيم والتراث النضالي والاخلاقي المديد لشعبنا الفلسطيني البطل، ولا يخدم في نهاية المطاف سوى الإحتلال الصهيوني الغاشم.
  و إن هذه السياسة المقيتة تشكل هدراً لشرعة حقوق الإنسان وبشكل خاص الحقوق المدنية والسياسية التي تعتبر قواعد قانونية آمرة وجزء من النظام الدولي العام وحقوق أساسية تتعلق بحق المواطن وكرامته الإنسانية.
وقد فرض الانقسام اللعين بين شقي الوطن البيئة لذلك، و قيوداً واسعة على الحريات الشخصية والسياسية والإعلامية، وحرمت بالتالي الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه وحرياته الأساسية، وفتحت الباب على مصراعيه أمام الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على كافة الأصعدة وبشكل خاص الاعتقال السياسي.
أعتقد كما يعتقد آخرون أن اخطر ما تمر به القضية الفلسطينية في الوقت الراهن الانقسام اللعين الذي هو بحد ذاته وصمة عار ، بل كارثة ودمار .. تهدد مع مرور الوقت بسلخ طرفي الوطن وإضعاف الانتماء الوطني وبالتالي إضعاف الموقف الفلسطيني عربيا ودوليا، وخاصة بعد قرار  ( ترامب) الاعتراف  بالقدس عاصمة موحدة لكيان الاغتصاب الصهيوني ونقل سفارة أمريكا اليها . وإذا تم قراءة الظروف الموضوعية من تردي الموقف العربي والانحياز الامريكي لصالح إسرائيل يتضح أن الوسيلة الوحيدة لمنع انهيار المشروع الوطني وضياع تضحيات الشعب الفلسطيني يتطلب مواقف ناضجة وتضحيات بالمصالح الفئوية.
يجب العمل بكل ثمن للخروج من هذه الحالة وعلى الأطراف المختلفة قبول التضحية من اجل إنهاء حالة الابتزاز السياسي والتشرذم والاستقطاب. يجب إطلاق سراح أي مواطن سواء في الضفة أو غزة دون تأخير إن لم يكن معتقل على جرم ارتكبه هو وليس غيره أو تقديمه لمحاكمة عادلة. يجب البدء فورا في علاج هذا الجرح الذي يدمي القلب والله والوطن من وراء القصد.

بقلم : فراس الطيراوي عضو الأمانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام / شيكاغو.
[email protected]