كثيرة هي الأقوال التي تتعاطف مع أبناء القدس العرب الفلسطينيين، وكثيرة هي الوعودات بتقديم الدعم للمدينة ولأبنائها، ولكن على أرض الواقع ليس هناك جهد فعلي ومدروس لتقديم الدعم لهذه المدينة التي تعاني ما تعانيه من اجراءات الاحتلال الاسرائيلي البغيض.
قبل أقل من اسبوع قررت الحكومة الاسرائيلية تخصيص ميزانية اضافية قدرها مليار شاقل (ما يعادل 320 مليون دولار) لتعزيز التواجد اليهودي في المدينة المقدسة. وهذا المبلغ هو اضافي الى ميزانيات اخرى تخصص للاستيطان من قبل وزارة الاسكان الاسرائيلية، وميزانيات وزارة القدس نفسها، وكذلك هناك تبرعات سخية لمشاريع تهويد القدس تأتي من بلاد المهجر والشتات، ومن اثرياء يهود معروفين. وحتى أن حكومة اسرائيل عندما تقرر المصادقة على أي مشروع استيطاني، فانها ترصد ميزانيات جديدة له، والاكثر اهمية من ذلك أنها توفر الدعم المالي لكل يهودي حتى يستطيع شراء وحدة سكنية بدفعات مالية سهلة جداً، وقد تستمر هذه الدفعات لعشرين عاماً، فالمهم أن الاسرائيلي يستطيع امتلاك شقة، بدلاً من أن يقيم في شقة مستأجرة.
أما المواطن الفلسطيني ابن القدس فانه لا يستطيع احياناً تأمين الاجرة الشهرية لأية شقة يستأجرها إذ أن رسم الايجار الشهري عالٍ يتجاوز الألف دولار، وراتبه لا يصل إلا الى ألف وخمسمائة دولار على الأكثر.. فكيف سيعيش مع عائلته علماً أن هناك مصاريف كهرباء ومياه وهي عالية في القدس، اضافة الى ضريبة المسقفات (الأرنونا) للبلدية الاسرائيلية بالقدس. وهذا يعني أن راتبه سيذهب لتغطية الايجار، ولا يبقى معه أي شيء منه! فكيف سيعيش. وهذا الوضع يجبر الشاب على التغاضي عن الزواج أو اختيار الهجرة الى الخارج.. وبالتالي لا بدّ من معالجة فعّالة لهذه القضية. وقد يتساءل بعضهم كيف تكون ذلك!
والجواب سهل جداً اذا توفرت النوايا الحقيقية لمساعدة ابناء القدس على البقاء وتعزيز انتمائهم لوطنهم، واذا توفرت معها الميزانيات الصحيحة والسليمة ووضعت في ايدٍ أمينة ووفية، هذه الأيادي تشكل شركة مقاولات وطنية تعمل على بناء وحدات سكنية بالمئات، وفي الوقت نفسه تسهل طريقة الدفع مع امكانية توفير تبرعات لأي مشروع من أثرياء أشقاء تخفف من ثمن الوحدة السكنية أو الشقة!
قد يقول أحدهم أن هذا الاقتراح خيالي، وليس واقعياً، ولكن يمكن تنفيذه وتطبيقه لانه لا يعتمد على "التسول"، ولانه يعتمد على تأمين الشقق، وتسهيل أمور الدفع..
إذا أراد أي انسان دعم القدس، فلا بدّ أن يكون دعمه مفيداً وعملياً، وليس اعلامياً.. ولا بدّ من الاشارة الى ان تكاليف شراء شقة صغيرة في القدس تصل الى اربعمائة الف دولار، أي الى اكثر من 300 سنة لتسديد ثمنها اذا استطاع توفير الألف دولار شهرياً.
فكّروا بمشاريع حيوية، لا نطالب بدعم مؤسسات ولا أشخاص، بل نطالب بأن يكون الدعم جاداً ومفيدا وعلى أرض الواقع! والتساؤل الأخير الذي قد يُطرح: هل من مستجيب لهذه الدعوة! كل الامل في ذلك.
جاك يوسف خزمو
الناشر: ورئيس تحرير مجلة البيادر
القدس: 30/5/2018