يمر الأردن الآن بأزمة غير مسبوقة أساسها فقدان الثقة بمؤسسات الدولة وتَغـَوُّل الحكم على الشعب بشكل غير مسبوق في تاريخ الأردن ، والتلاعب بمقدرات البلد السياسية والإقتصادية لصالح الفساد الكبير.
الحكم الأردني الآن في مواجهة جيل جديد من الشباب الأردني الغاضب والعاطل عن العمل والمُهْمَل في وطنه من قـِبَل نظامٍ تَحالفَ منذ البداية مع طبقة من الفاسدين وأبنائهم وبناتهم وإعتبر أن هذا هو الأردن وأن أولئك هم اللذين يحق لهم فقط إدارة البلد والتحكم في مقدراتها، وهذه هي النتيجة.
غـَضَب الأردنيين ليس إنفعاليا وليس نتيجة لقانون الضرائب الجديد والجائر حصرا ، فذلك كان القشة التي قصمت ظهر البعير. غضب الأردنيين هو نتيجة تراكم الكوارث الإقتصادية نتيجةً للفساد والإفساد وتدمير الأسس الدستورية للنظام السياسي الأردني مما أفقد الشعب القدرة على الرقابة والمحاسبة من خلال سلطة تشريعية قوية ومستقلة، والقدرة على الإحتكام والتقاضي من خلال سلطة قضائية قوية ومستقلة، والقدرة على الحكم من خلال سلطة تنفيذية قوية ومستقلة.
القرارات الإقتصادية للحكومة تهدف في الواقع إلى تسديد العجز الناتج إما عن سَرِقـَةِ المال العام أو لتمويل إستمرار سَرِقـَة المال العام سواء من خلال الزيادة المستمرة في أسعار المشتقات النفطية، أو من من خلال الشركات الخفية التي تحتكرها جهات بعينها، أو تسلط تلك الجهات على كل الصفقات الكبيرة وكل ما هو مربح لمآربها الخاصة.
لا أحد يريد أن يتكلم بصراحة عن كون الإقتصاد الأردني منهوب ومسروق وما زال يُسْرَق يوميا وأن جُلَّ ما يجري في الأردن في الأعوام الأخيرة هو تمويل العجز الذي نتج عن الفساد الكبير وتمويل إستمرار ذلك الفساد ومأسسته . لا يوجد حل لواقع الأردن الإقتصادي المؤلم إلا بوقف الفساد وقطع دابره مهما كان مصدره، وإستعادة المال العام المنهوب بكافة الطرق والوسائل وإستعماله لسداد جزء من المديونية العامة للدولة وهي مديونية أساسها الفساد الكبير وضعف النظام السياسي وعدم قدرته على التصدي لذلك الفساد الكبير الذي أدى في النهاية إلى إفقار الأردنيين وإذلالهم كما هو عليه الحال الآن .
المطلوب هو عدم السماح لأي مسؤول أو شخص مهما كان بالإستمرار في التعامل مع الدولة الأردنية بإعتبارها بقرة حلوب للفساد ولتلبية أطماع القلة القليلة من الحاكمين والمتنفذين وتمويل أسلوب حياتهم الذي يقترب من الكـُفْر في كـِلـْفـَتِهِ ومصاريـِفِهِ على الشعب الأردني مقارنة بوضع الأردنيين الإقتصادي الصعب والمسحوق وشُحّ مواردهم مقارنة بمصاريف تمويل ذلك الفساد الكبير، بما في ذلك الزيادة الشهرية في أسعار النفط التي تذهب أيضا في مسارب مجهولة لتمويل ذلك الفساد الكبير بإنتظام مما جعل من كلفة المشتقات النفطية على الأردنيين الأعلى في العالم.
لقد تجاوز الأردنيون الآن المطالَب التي إبتدأت بها الإنتفاضة الجماهيرية الأخيرة وأصبح الأردنيون يطالبون وبالإضافة بتغيير النهج السياسي والإقتصادي كاملا والعودة إلى المبدأ الدستوري القاضي بالفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وإعادة الولاية والإستقلال لكل سلطة على حده ، بالإضافة الى إعادة القدسية إلى المال العام كما كان عليه الحال سابقا.
إن تغيير الحكومة دون تغيير النهج السياسي والإقتصادي لم يعد يجدي نفعا، وإذا ما نجح الحكم في قمع الجماهير أو الالتفاف على مطالبها دون تلبيتها بنية صادقة فإنه يؤجل الإنفجار فقط ويصب مزيدا من الزيت على نار الشك وعدم الثقة بالحكم ومؤسساته.
الأردنيون أصبحوا فقراء ويقتربون من حافة الجوع ومع ذلك ما زالوا يعبرون عن رفضهم وغضبهم ومطالبهم بأسلوب سلمي وحضاري ولا داعي للمزايدة عليهم بإسطوانة الأمن والأمان التي أصبحت مشروخة. فالأمن والأمان مرتبطان بقوت المواطن وإطمئنانه على مستقبل أبنائه. وعلى الحكم إذا أراد أن يحظى بثقة الشعب مجددا أن يكون تعبيرا صادقا عن معاناة الشعب وليس تعبيرا عن مصالح قلة فاسدة.
بقلم/ د. لبيب قمحاوي