الأزمة التي يشهدها الأردن الان....والتي تصاعدت فيها الإحتجاجات الشعبية على خلفية رفع اسعار السلع الأساسية والمحروقات وقانون ضريبة الدخل وغيرها،والمرتبطة منها بأسباب داخلية أهمها المعالجات الخاطئة للحكومة الحالية والحكومات السابقة،ورهن الحل والعلاج بالإستجابة لشروط مؤسسات النهب الدولية من (صندوق نقد وبنك دوليين)،عمقت من الأزمات بدل حلها،ورفعت من حجم المديونية،لتصل الى 36 مليار دولار،واستشراء الفساد واتخاذه طابع المأسسة وغيرها.. ولكن هناك أسباب خارجية مرتبطة بها لا تقل خطورة عن الأسباب الداخلية،بل هي أكثر خطراً منها...وهذه الأسباب مرتبطة ومتصلة مباشرة بصفقة القرن وما يترتب عليها من ارض بديلة ووطن بديل ..فصفقة القرن بملامحها الرئيسية تؤكد على ان الأرض الواقعة ما بين النهر والبحر لا تتسع إلا لدولة واحدة هي اسرائيل وبان القدس هي عاصمة " أبدية" لدولة الإحتلال وشطب كلي لحق العودة للاجئين الفلسطينيين وتشريع الإستيطان في الضفة الغربية وتصعيده واخيراً اقامة دويلة فلسطينية في القطاع ملحق بها الأراضي الزائدة عن حاجة الأمن الإسرائيلي في الضفة يضاف لها ما مساحته 720 كم من اراضي سيناء المصرية مقابل اراضي بديلة في النقب الفلسطيني...الأردن هو في ظل التمنع والرفض الفلسطيني لصفقة القرن،....والرفض الأردني لها كذلك وللخطوات الأمري- صهيونية في القدس وقضية التمسك بالوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية جعل الأردن في دائرة الإستهداف لإسرائيل وأمريكا والسعودية ...حيث منع المساعدات المالية السعودية عن الأردن بأوامر أمريكية..وعقاباً للأردن ليس على رفض صفقة القرن فقط،بل لرفض الأردن المشاركة فيما يسمى بالتحالف العربي وارسال قوات اردنية للمشاركة في الحرب على اليمن...ومع كل تقديرنا بان الإحتجاجات الشعبية في الأردن حق مشروع للشعب الأردني للدفاع عن حقوقه وعن تغول حيتان الفساد على لقمة عيشه...ولكن علينا ان نعي بان الخطر على امن واستقرار الأردن كبير جداً ويحتاج الى حل لا يقوم على المعالجات الأمنية او تغيير وزير او حكومة او حتى تغير نهج فقط،بل المسألة تحتاج الى معالجات ذات بعد استراتيجي والإستنكاف عن مثل هذه المعالجات والخيارات ستكلف الأردن ثمناً باهظاً...فإنتظام الأردن الى جانب حلفاء غير موثوقين وكون الأردن باتت الحلقة الأضعف اقليمياً،فهذا يعني بان الأردن بات ملزماً بفتح قراراته وخياراته على أرحب فضاء عربي اسلامي دولي والمقصود هنا المثلث الإقليمي سوريا وايران والعراق وتركيا وروسيا والصين..والتنسيق مع سوريا بشكل رئيسي من أجل فتح معبر نصيف،والذي يوفر للخزينة الأردنية مبلغاً ضعف المبلغ المتحقق من سن قانون ضريبة الدخل،وكذلك العمل على العودة المتدرجة للاجئين السوريين.
الأردن واضح بأنه سيكون له الدور المحوري في تنفيذ صفقة القرن،فمنذ بدأ الحديث عن تلك الصفقة،او منذ وصول اليمين المتصهين بقيادة ترامب للحكم في امريكا،بات من الواضح بأن هذا اليمين الملتقية مصالحه مع اليمين الصهيوني،سيعمل على زعزعة استقرار المنطقة والعبث بجغرافيتها وهويتها لصالح الإحتلال الصهيوني،ونحن،نتذكر المؤتمر الذي عقد في دولة الإحتلال بمشاركة شخصيات أردنية سياسية مضر زهران وأكاديمي بريطاني – أردني سامر لبده وغيرهم الى جانب اعضاء كنيست ووزراء وخبراء امنين اسرائيليين وامريكان للبحث في مشروع الأردن الوطن البديل..ومشروع صفقة القرن الذي بدأت خطوات تطبيقه عملياً على الأرض من خلال نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس والإعتراف الأمريكي بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال،والسعي لشطب قضية اللاجئين من خلال شطب وتصفية وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين " الأونروا" ووقف توريث صفة اللاجىء...ولكن كل ذلك لا يكفي لكي يترجم هذا المشروع الى وقائع مفروضة على الأرض،فالصفقة حتى اللحظة تجابه برفض فلسطيني مطلق،وقوى محور المقاومة تشكل عقبة أخرى في طريقها،ولكسر الحلقتين الأولى والثانية،لا بد من توفر الأرض البديلة،ولذلك لكون الأردن دولة تعتاش على دورها وليس إمكانياتها،وهي التي أضحت الطرف الأضعف إقليمياً،فواضح بان الإستهداف سيكون من نصيبها من حلفاء يطعنون الأردن في ظهره،وهو من قدم لهم الكثير من الخدمات،والرهان من قبل المحور الواقف خلف مشروع صفقة القرن،بأن توفير الأرض البديلة سيمكن من كسر الحلقتين الأولى والثانية،فإيران يعاد فرض العقوبات الأمريكية عليها،ويجري السعي ليس لتحجيم دورها الإقليمي،بل العمل على تغيير نظامها السياسي،لكي يصبح نظامها دائراً في الفلك الأمريكي،وفلسطينياً السلطة الفلسطينية أوضاعها الإقتصادية لا تمكنها من العيش،وكذلك حالة الإنقسام الفلسطيني المضعفة للساحة الفلسطينية والموقف الفلسطيني،تسهل كسر الحلقة الفلسطينية وتجاوزها .
حتى هذه اللحظة ظهر جلياً وواضحاً،بان هناك وعي عند الجماهير وقواها السياسية والمؤسسة الأمنية والحكومة والملك،بأنه من المحظور جر البلاد الى المجهول والخراب والفتن،بما يجعل مصير الأردن،كمصير الدول العربية التي إجتاحتها ما يسمى ب" الربيع العربي"،وما تركه من آثار تدميرية كبيرة على مواطنيها، ولكن تجاوز الأزمة يحتاج الى حلول إبداعية وجذرية،بما يقطع التبعية والعلاقة مع مؤسسات النهب الدولية من صندوق نقد وبنك دوليين،ورسم استراتيجية جدية،تقوم على إطلاق الحريات السياسية والإعلامية والحزبية بإصدار قوانين ديمقراطية حقيقية للانتخابات النيابية والبلدية والأحزاب والإعلام، وصولاً إلى مجيء ممثلي الشعب الحقيقيين للنيابة وتشكيل حكومات أكثرية حزبية ممثلة في البرلمان.
بقلم/ راسم عبيدات