في ظل الظروف الفلسطينية وحالة الانقسام والتشرذم وغياب الرقابة من قبل السلطة التشريعية، وعدم تمكين حكومة التوافق من أداء عملها بالقدر المطلوب، وتدهور الوضع الخدمي والمعيشي ووصوله إلى حالة مزرية وخاصة على غزة، دفع بالمواطن إلى التساؤل من المستفيد من كل ذلك والى أين ستصل الأمور؟ وهل ما يجري من لقاءات مكثفة وتصريحات تطمينية يخرج بها ممثلين القوى والفصائل الوطنية والإسلامية والكتل السياسية بين الفينة والأخرى، وبعد جلسات طويلة، هي واقع يجب تصديقه أم يجري خداع وتهدئة أعصاب فحسب؟ وخاصة وبعد تشكيل ما يسمى بحكومة التوافق الوطني، ولم يظن أن ما يجري ضحك على الذقون وصراع لكسب الوقت والامتيازات، والذي يعتبران فيه أنهما من أهم المكاسب المتحققة في نظرهم، وتحت ذلك كله فالمواطن يعيش أصعب الظروف المعيشية وخاصة وان آلاف العائلات أصبحت الآن بدون مأوى يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وهي تعاني من فقدان ابسط الخدمات كالماء والكهرباء والرواتب والوعود لا تنتهي بالتحسين والسيطرة على الأزمات التي لم تعد تجدي نفعاَ.
إن المواطن يتساءل دوماً وهذا من حقه، عن تاريخ محدد أو حتى متوقع لانتهاء معاناته ومأساته وهمومه اليومية، والتي يعيشها منذ عشره أعوام وبضعة شهور؟ وهو يريد أن يعرف متى يتوقف الانقسام بحق وحقيقي، ومتى تنتهي حالات التشرذم والمهاترات والاتهامات بين هذا وذاك؟ ومتى تستعيد وزارة الداخلية في الحكومة سيطرتها على الشارع؟ ومتى يستطيع الأب والأم أن يطمئنا بأن أبناءهما سيعودون من مدارسهم ووظائفهم وأعمالهم إلى بيوتهم سالمين ؟ وأخيراً يتساءل : متى سيبدأ إعادة إعمار ما دمره الاحتلال على مدار السنوات المنصرمة؟
من أوليات الحكومة بعد تشكيلها توفير الأمن والخدمات بشكل عام وفي مقدمتها الكهرباء والعمل بأسرع وقت على إعادة الإعمار، وتشريع القوانين التي تصب في خدمه المواطن وتعمل على رفاهيته بعد عقود من الزمن عاشها تحت رحمه العازه والفقر وشظف العيش والبطالة، وكذالك تقليص المصروفات الكبيرة التي تصرف على السفارات والقناصل والمسئولين والوزراء، ناهيك عن ما يتقاضونه من رواتب خياليه ومخصصات وامتيازات لا حصر لها.
إن معيار نجاح هكذا حكومة يمكن تقديره بمدى قدرتها على إدارة الوطن في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة رغم كل ما قد تواجهه من بيئة ديناميكية سلبية بكل ما تحمله من صعوبات داخلية أو خارجية ستواجهها بشكل حتمي والتي قد تلزمها باتخاذ إجراءات مغايرة لما تريده أو اتباع سياسات قد تخالف أيدولوجيتها وهذا كله يصبُّ في معايير نجاحها من عدمه لإدارة المرحلة.
نحن كمواطنين نطالب الحكومة بعدم التخبط في اتخاذ قراراتهم وان يضعوا المواطن نصب أعينهم وفي حدقاتها، والعمل على خدمته وتحقيق الرفاهية والحياة الكريمة وتعويضه عن ما لحق به من ظلم واستبداد وتشريد وخراب ودمار وحروب، وتشريع القوانين فورا والتي من شأنها أن ترفع عن مستواه المعيشي.
إن الظروف البالغة الخطورة والحساسية والعصيبة جدا التي يمر بها وطننا اليوم يلزم فيها على جميع شعبنا الفلسطيني بقواه وفصائله وشخصياته المخلصة المؤمنة والوطنية العمل يدا بيد للم الشمل الفلسطيني وتوحيد الصف والموقف والكلمة والإرادة قبل أن يعود وتمزقه رياح الفتنة والنفاق والخيانة والانقسام العاصفة به، وقبل أن يتمكن الاحتلال والإرهاب من تقطيع الوطن وتمزيقه ودفع أبناء الوطن الفلسطيني الواحد نحو حرب أهلية لا تحمد عقباها، فقد بلغ الأمر في الشارع الفلسطيني من الخطورة ما يستلزم إجراء عملية قيصرية سريعة من قبل عقلاء القوم وكبار قادته السياسيين والشخصيات الوطنية، وخاصة رجال الدين المسلمين والمسيحيين بوطننا للحد من حالات الانقسام الذي قوض كل مقومات الحياة في وطننا.
وعلى القيادات التي لها التأثير الكبير على الشارع الفلسطيني شد عزمها وحزمها والعمل سوية وبسرعة لرأب الصدع ودرء الفتنة ووأد نار الانقسام طالما أنها لا زالت فتية وفي بداية الطريق لإخماد نار الحقد والكراهية والعداء التي شبت بدوافع وهمية ونفاقية وفتنة أختلقها أعداء شعبنا وقبل فوات الأوان وقبل أن يتمكن العدو من تسديد سهام حقده على وطننا وشعبنا وحرق الأخضر واليابس مرة أخرى وحينئذ سوف لن يجدي الندم نفعا لفلسطين وشعبها وجميع قواه الوطنية والإسلامية.
تريد حكومة إنقاذ وطني تخرجهم من الظلمات إلى النور.
تريد افعالا من كافه اصحاب القرار ولا ترغب بالخطابات والشعارات البراقة والرنانة، فهناك الكثير من الأطفال يجيدون إلقاء الخطب أفضل من الكثير من القادة والسياسيين.
تريد فرص عمل مجزية الأجر.
تريد معابر مفتوحة على مدار الساعة.
تريد ميناء بحري ومطار جوي وتنمية ونماء وإعمار.
تريد تعليم متقدم في مناهجه ووسائله وأساليبه.
تريد أسواق مليئة بالبضائع والمنتوجات.
تريد تجارة حرة ومصانع تعمل ومزارع خصبه.
تريد كهرباء على مدار الساعه وماء نقي ووقود متوفر.
تريد مستشفيات ومستوصفات وعيادات حديثة.
تريد حرية في القول والفعل ملتزم.
تريد سكن لائق وحدائق ونوادي رياضية وثقافية وعلمية وفنية وادبية.
تريد شوارع نظيفة، وساحات مطرزة بالخضرة.
تريد قادة ومسئولون تقف معه وتوفر لهم الرفاهية والسعادة والأمن والامان والحرية.
تريد محافظين يرفعون من مكاتبهم أكوام الزهور الورقية الملوثة بالتراب ليفكروا بتقديم الخدمات للمواطن.
تريد رؤساء مجالس بلديات تلقي جانبا بالسبح الكهرمانية والبدل المكوية او اليسر المحببة بالفضة ويسيرون أمام المعدات الثقيلة ليوجهوها برفع الأنقاض والقمامة وشق الطرق.
تريد وزراء مخلصين يعملون دون كلل او ملل لخدمتهم وابنائهم.
تريد سفراء وقناصل ودبلوماسيين نزيهين يسهرون على راحتهم وتقديم الخدمات بدون مقابل.
آخر الكلام:
يجب علينا أن نستيقظ من سباتنا ونحفر الصخر بأظافرنا دفاعاً عن مشروعنا الوطني ودولتنا الفلسطينية المستقلة حتى لا يجرفنا الطوفان القادم.
بقلم / رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي