أصحاب صناعة الموت من منتجي ومروجي الأسلحة لا يختلفون أبدا عن البدائيين من أكلة لحوم البشر وهم فقط استبدلوا أسنان البدائيين القدماء بمنتجاتهم من السلاح
في أي حرب أو معركة أو منازعة أو حتى مناقشة لا بد من وجود سلاحين متناحرين متناقضين يسعى كل منهما للانتصار على السلاح الآخر وعادة ما تكون الأسلحة مختلفة الدور والمكانة والهدف فهناك سلاح صمم وابتكر للدفاع عن موقف عادل أو حق ضائع وهناك سلاح صمم لانجاز العكس فإما انه يسعى لسرقة أو مصادرة أو منع حق الغير أو إثبات موقف لا يمت للعدل بصلة وهناك سلاح ثالث صمم من اجل ذاته كسلعة للبيع وهو تماما كأي سلعة أخرى كل ما يقصد بوجوده هو ذاته لذاته أي ان منتج هذا السلاح لا يعنيه أبدا من هو الذي سيستهلك منتجه ولأية غايات بقدر ما يعنيه بيع وترويج سلعته واستهلاكها بأعلى حد ممكن ومعاودة إنتاجها لمعاودة استهلاكها مرة أخرى وهكذا, وهو – أي منتج سلعة السلاح - في سبيل ذلك يسعى إلى تشجيع ظهور الأسواق لمنتجه هذا باستمرار
سلاح النار إذن ينتمي لجبهتين متحالفتين متعاضدتين حد التكامل بالأدوار فمن ينتج السلاح يدرك جيدا أنه ينتج أدوات للموت والقتل والدمار والتخريب وبالتالي فان جمهور مستهلكيه يجب أن يكونوا من أصحاب المصلحة بتحقيق الناتج المتوقع من استخدام أسلحة الدمار تلك ولا يمكن لذلك أن يتحقق بدون أيديولوجيات ورؤى تؤسس لمثل هذه المصلحة, والغريب ان الأسلحة القاتلة بدأ استخدامها من قبل الحيوانات أولا وتشير الأبحاث التاريخية أن احد أنواع الشمبانزي التي تواجدت مع تواجد الإنسان البدائي قد استخدمت نوع من الرماح لمطاردة حيوانات " الجلاجو " والتي عرفت باسم " أطفال الأدغال " فيما عرف البشر أول سلاح باسم " أتلاتل " أو كلاشينكوف العصر الحجري وهو أداة قاذفة للرمح بدأ استخدامها في 40 إلى 25 ألف سنة قبل الميلاد وقد استخدم هذا النوع من السلاح لصيد الحيوانات.
السعي الأول لامتلاك السلاح إذن كان بهدف الحصول على الطعام وبشكل حيواني فقد سعى الشمبانزي الأول لهذا الفعل ضد حيوانات أخرى ولحق به الإنسان البدائي الذي مارس القتل بهدف الأكل بل ومارس قتل أخيه الإنسان لنفس الهدف ولأهداف أسوأ بكثير وقد تعددت أسباب أكل لحوم البشر ومنها على سبيل المثال:
- الجوع والحاجة للطعام كالمجاعات
- البدائية الحيوانية لدى بعض القبائل
- المبالغة في إيذاء الأعداء كشكل من أشكال الانتقام البشع
- بعض الطقوس الدينية الشاذة
ومع ذلك فان ظاهرة أكل لوم البشر لم تقتصر على القدماء والبدائيين والظواهر الحيوانية والشاذة بل وصلت حتى إلى العصر الحديث إلا أنها ظلت ظاهرة منبوذة وشاذة وينظر إليها كأبشع أشكال العنف في التاريخ وظلت كحالات نادرة ومعزولة إلا أن أحدا لم يتحدث أبدا عن أكل لحوم البشر بشكل غير مباشر من خلال منتجي وتجار السلاح الذين يقتاتون ويعيشون ويبنون ثرواتهم من خلال صناعة وتجارة وترويج أدوات الحرب المختلفة والتفنن بابتكارها وصناعتها والسعي لخلق الأسواق لها عبر ابتكار الحروب والصراعات وافتعالها في جميع الأحوال.
هناك ثلاث مواقف من السلاح إذن موقف المنتج الساعي للتطوير وزيادة الإنتاج وبالتالي زيادة الاستهلاك وأدواته التي تسهل له وتساعده على ترويج منتجه عبر خلق الأجواء المناسبة للحروب والصراعات بأشكال مختلفة ومبررة تارة تحت شعارات قومية وأخرى تحت شعارات دينية وتارة تحت شعارات عصرية كالحرب في سبيل الديمقراطية التي خاضتها أمريكا واحتلت من خلالها العراق واستباحته ولا زالت, أما الموقف الثاني من السلاح فهو موقف المعتدى عليهم الذين يلجئون مباشرة الى نفس مصدر المعتدي للحصول على نفس السلاح لرد الاعتداء وبالتالي فهم يساهمون وان بغير قصد بتحقيق ما يصبو إليه مفتعل الصراع نفسه أي صاحب المصلحة بخلق أسواق استهلاك السلاح وهو منتجه ومروجه, أما الموقف الثالث فهو المنتج المختلف للسلاح باختلاف موقف من يحتاجه من المعتدى عليهم والذين يفوتون برؤية ثاقبة وذكية وخلاقة الفرصة على صانعي وتجار السلاح ولا يساهمون باستهلال منتجهم ليقتلوا غيرهم ويموتوا لصالح ازدهار صناعة الموت وإثراء أصحابها على حساب دم الآخرين أيا كانوا ما داموا لا يقتربون من دمه ولذا نجد أن الدول الامبريالية تنتج السلاح وتسوقه بالمليارات لخارجها ولكنها لاتستهلكه لذاتها أبدا إلا لحساب غيرها وعلى أجساد ودم غيرها.
الشعوب العظيمة الحرة قادرة إذن على ابتكار سلاحها والذي يشترط له ليكون سلاحا للأحرار والحرية أن يتميز بما يلي:
- أن يدافع عن قضية عادلة تخص المجموع ولا تخص الفئات ولا الأفراد
- أن تكون الحياة وليس الموت هدفه الرئيسي
- أن يسعى لإسقاط الفكرة لا لقتل أصحابها
- أن يسعى لتوسيع جبهته من خلال هزيمة جبهة الأعداء فكرا وسلوكا
- أن يؤمن بحق الإنسان بالحياة بشكل متساوي بما لا يعطي الحق لأحد على أحد
هذه الصفات لا يمكنها أن تلتصق بأسلحة الموت التي ينتجها الامبرياليين من دعاة الخراب ونهب خيرات الشعوب والسيطرة على مقدراتها, ولذا فان ابتكار أسلحة بديلة وتنتمي لمبادئ الحرية والحق هو فعل ضروري لخنق المستغولين الامبرياليين وتدمير أهدافهم ومخططاتهم وقد تمكن غاندي في الهند من تقديم تجربة حية وحقيقية عن قدرة الشعوب على إسكات نيران الامبرياليين وحرمانهم من القدرة على استخدام صناعة الموت خاصتهم وإفقادها قدرتها على تدمير إرادة الشعوب.
يسعى المستغولون الامبرياليون من منتجي ومروجي السلاح إلى خلق الأسواق والأجواء المناسبة لتسويق منتجاتهم وهم في سبيل ذلك يشجعون الحروب والاعتداء على حقوق الشعوب طامعين من وراء ذلك ليس إلى احتكار خيرات الأرض فقط ولكن إلى تسويق سلعة الموت التي ينتجونها واخطر ما في الأمر أنهم يدركون جيدا أن الاعتداء سيولد الرد وواثقون هم أنهم سيعاودون بيع منتجاتهم للشعوب نفسها التي تسعى للذود عن حقوقها وهم بالتالي يحولونها رغما عنها إلى مستهلك أخر لموتها عبر منتجاتهم أنفسهم وبالتالي فان الشعوب التي لا تدرك هذه الحقيقة تتحول إلى مستهلك غبي لمنتجات أعداءها من السلاح ولكي تتصالح مع ذاتها وتصبح قادرة على إفقاد سلعتهم دورها فان على قوى الخير أن تبتكر سلاحها للحياة في مواجهة سلاح الموت والخراب وهذا السلاح يجب أن يكون الإنسان نفسه الذي لا يستطيع منتجي الموت أن يكونوه خوفا ولا بأي شكل من الأشكال وبذا يصبح الإنسان الحي بالمعنى الإنساني الجمعي هو نفسه سلاح الحق والخير في مواجهة أسلحة الظلم والشر وأصحابها ولن يكون بإمكان الأسلحة الميتة الغير حية أن تنتصر أبدا على الحياة وأصحابها إن هم قرروا أن يصنعوا النصر بذواتهم ولذواتهم.
إنهم – اي المستغولين الامبرياليين – يصنعون لك عدوك ثم يبيعون لك السلاح لتحمي نفسك ثم يدفعونك للهجوم عليه وهم بدورهم سيجدون طرقا عدة لبيع عدوك نفس السلاح بألف طريقة وطريقة, والمستغولين دمروا ليبيا وسوريا والعراق واليمن وسوقوا فيها كل ما أمكنهم من سلاح ودفعوا بدول كالسعودية ودول الخليج للتخلص من سلاحها بتقديمه مساعدات لجماعاتهم في هذه الدول ليجدوا أنفسهم مضطرين مرة أخرى لشراء أسلحة جديدة حماية من عدو وهمي جديد من صناعة الامبرياليين أنفسهم وهكذا كلما ضعف دور عدو ابتكروا لك عدوا جديدا لتقاتله بسلاحهم وليجد نفسه أيضا مضطرا للرد عليك وبسلاحهم أيضا وفي الحالتين يبقون هم – أي المستغولين الامبرياليين – المستفيدين وتبقى سائر أمم الأرض وشعوبها مادة لزيادة ثروتهم وان كانت النتيجة موت الطرفين المتحاربين ما دامت أداة الحرب نفس السلعة التي ينتجونها.
بقلم/ عدنان الصباح