الاحتفال بيوم القدس العالمي من كلّ عام إنّما يشكّل تأكيداً وإصراراً على مواصلة النضال والكفاح من أجل تحرير القدس وكلّ فلسطين من الاحتلال الصهيوني، وإحياء هذا اليوم الذي أعلنه قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني الراحل إنما هو ترجمة لالتزام هذه الثورة التحرّرية بدعم قضية فلسطين قولاً وفعلاً، على أنّ الاحتفال هذا العام كانت له دلالات هامة أهمّها:
أولاً: تزامن إحياء يوم القدس مع انتصارات سورية العروبة والمقاومة على الحرب الإرهابية الكونية. ولهذه الانتصارات دلالات كبيرة، لأنه كان يُراد من وراء هذه الحرب الإرهابية تدمير وإسقاط الدولة الوطنية السورية التي تشكل ظهيراً وسنداً كبيراً للمقاومة العربية ضدّ الاحتلال الصهيوني. وبالتالي لخط المقاومة ضدّ الاستعمار، وبالتالي خلق مناخ استسلامي وحالة إحباط ويأس تمكّن واشنطن وتل أبيب والأنظمة الرجعية من تمرير مشروع تصفية القضية الفلسطينية بفرض توقيع اتفاق استسلامي يمكن كيان الاحتلال الصهيوني من إضفاء الشرعية على احتلاله لفلسطين التاريخية والدولة الصهيونية العنصرية وعاصمتها القدس، غير أنّ انتصارات سورية ومحور المقاومة أدّت إلى إحباط هذا المخطط التصفويّ للقضية الفلسطينية، والى خيبة أمل وهزيمة استراتيجية للمشروع الأميركي الصهيوني الرجعي، كما أدّى ذلك إلى استنهاض الشارع الفلسطيني والذي يعبّر عنه اليوم بانتفاضة مسيرات العودة الكبرى. وبالتالي قطع الطريق على صفقة القرن التي لا يمكن أن ترى النور طالما هناك مقاومة فلسطينية وشعب يملك إرادة المواجهة وتقديم التضحيات الكبيرة في سبيل التمسك بحقوقه واستعادة هذه الحقوق ورفض أيّ مساومة أو تفريط بها.
ثانياً: أما الدلالة الثانية، فهي تزامن يوم القدس مع التظاهرات الواسعة التي عمّت فلسطين المحتلة، ومسيرات العودة الكبرى المستمرّة على مدى أسابيع متتالية، والشهداء والجرحى الذين يسقطون في هذا المعترك من المواجهة مع الاحتلال، والتأكيد على التمسك بالأرض والمقدسات والعودة. وهذا يؤكد أنّ العدو الصهيوني لن يستطيع تحويل الشعب العربي الفلسطيني إلى هنود حمر ويشطب حقوقه في أرضه ووطنه، طالما أنّ شعب فلسطين يقاوم وينتفض ويرفض المساومة على حقوقه. ومن يملك مثل هذه الروح المقاومة لا يمكن أن ينكسر.
ثالثاً: إنّ التظاهرات التي حصلت في يوم القدس العالمي في العديد من الدول العربية والإسلامية والعالمية تعيد استحضار القضية الفلسطينية وتؤكد بأنّ القضية الفلسطينية قضية عربية وإسلامية وأممية، قضية تحرّر تحظى بدعم شعوب العالم التي لم تتخلّ عن دعم ونصرة قضية الشعب الفلسطيني وأنّ هذه الشعوب عند الشدائد تخرج إلى الميادين والساحات لتؤكد تضامنها ووقوفها إلى جانب فلسطين وشعبها، مما يشكل صفعة لمشاريع الاحتلال ومحاولات طمس القضية، ويجعل من كيان الاحتلال في حالة من القلق، لأنه لم يستطع انتزاع اعتراف الشعب الفلسطيني بوجوده ولم يتمكّن من جعل شعوب العالم تنسى قضية فلسطين.
صحيح أنّ كيان الاحتلال تمكّن من الحصول على اعتراف بعض الأنظمة، لكنّه لم يستطع الحصول على اعتراف الشعوب. وهذا ما يزيد ويفاقم من قلق قادة العدو الصهيوني الذين يسعون، منذ اغتصابهم أرض فلسطين، إلى الاستقرار وتثبيت شرعية الكيان الصهيوني، لكنهم فشلوا، وكانت آخر محاولة لتحقيق هذا الحلم الصهيوني عبر شنّ الحرب الإرهابية الكونيّة على سورية لإسقاط سورية وعزل إيران من جهة والقضاء على المقاومة في لبنان وتحوّل الشعب الفلسطيني فريسة سهلة لفرض الاستسلام عليه، لكن هذه المحاولة فشلت أيضاً، وبالتالي نشأ من هذا الفشل تحوّل كبير في موازين القوى لمصلحة محور المقاومة أعاد الصراع إلى نقطة الصفر مع الاحتلال الذي أصبح في وضع أضعف من أيّ مرحلة سابقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني. فهو بات محاصراً ببيئة جديدة للمقاومة المنتصرة في لبنان وسورية، مدعومة من إيران الثورة، في ظل بيئة دولية جديدة انكسرت فيها الهيمنة الأحادية الأميركية.
ويتبدّى ضعف الكيان الصهيوني اليوم من تفاقم مأزقه نتيجة معادلات الردع التي فرضها انتصار سورية في مواجهة العدوانية الصهيونية، فيما سُمّي «ليلة الصواريخ» واضطرار قادة العدو إلى التراجع عن التصعيد وعدم الذهاب إلى المواجهة الواسعة لعدم قدرتهم على تحقيق أيّ انتصار، كما تبدّى الضعف في المواجهة الأخيرة مع المقاومة في قطاع غزة، حيث أُجبروا على ابتلاع التهديدات والعودة إلى الانضباط بقواعد الاشتباك التي فرضتها صواريخ المقاومة.
على أنّ خطاب قائد المقاومة السيد حسن نصرالله في الحشود الشعبية في مارون الراس في يوم القدس، على مقربة من الحدود من فلسطين المحتلة، شكّل مؤشراً قوياً على أنّ فلسطين لا زالت هي الأولوية وأنّ المقاومة بعد أن نجحت في الانتصار على الإرهاب التكفيري وبعدما باتت سورية قاب قوسين من تحقيق النصر النهائي على أشرس حرب إرهابية كونية، تحضر وتستعدّ للمواجهة الكبرى مع الاحتلال الصهيوني ومساندة مقاومة وانتفاضة شعب فلسطين، مما يؤكد أنّ جاهزية المقاومة عدة وعديداً وقدرة باتت أقوى مما كانت عليه قبل الحرب على سورية وأنّ هذه الحرب زادت من قدرات المقاومة ولم تضعفها.
حسن حردان
كاتب وإعلامي
يونيو 11, 2018 جريدة البناء -