لولا استعداد ملايين الفقراء المظلومين للانخراط بجيوش الطغاة والموت في سبيل طغيانهم ومصالحهم مقابل القوت لما كان هناك ظلم على وجه الأرض
تستطيع أن تتمترس خلف أسوارك الواقية أو أسلحتك الفتاكة سنوات وسنوات إن لم يتمكن احد من تحطيم تلك الأسوار وإسكات تلك الأسلحة وجعلك تقف عاريا في مواجهته وذلك لن يتم أبدا ولن يتمكن احد من كشف زيف تمترسك الحديدي هذا وإبرازه كأبشع أشكال الخوف والجبن عبر الاستقواء باللا حي ضد ما هو حي, كما انه يمكنك باستخدام القمة قتل الناس وإجبارها على الصمت ولكنه لن يكون بإمكانك أن تستميل عقولها وقلوبها ولن تكون قادرا على الإمساك بصهوة الصحو على جبهة القتال كل أعمار الناس فالعالم يتجدد والبشرية وأجيالها تتجدد دوما ووحدك من يدري جيدا أن نجمك سيختفي يوما ولن يجدي معك إلا ما زرعته من حق وعدل وحرية وحين تغيب جرائمك بغيابك لن تجد على الأرض إلا من يلعنك ويحاول جاهدا أن يمحو من ذاكرة الناس علاقته بك حتى أولئك الذين تمسحوا يوما بأطراف ثوب طغيانك.
ذات يوم كان الطغاة يصولون ويجولون على وجه الأرض ومنهم على سبيل المثال لا الحصر كان كاليغولا حاكم روما من 37 إلى 41 م والذي قاده جنون الطغيان للاعتقاد أن تاريخ حكمه يخلو من المجاعات والأوبئة، وبهذا لن تتذكره الأجيال القادمة فأحدث بنفسه مجاعة في روما، وقام بإغلاق مخازن الغلال مستمتعاً بأنه يستطيع أن يجعل كارثة تحل بروما ويجعلها تقف أيضاً بأمر منه، فمكث يتلذذ برؤية أهل روما يتعذبون بالجوع وهو يغلق مخازن الغلال, ثم كان نيرون أبشع الطغاة جنونا والذي استمتع بحرق مدينته إلى أن انتحر منبوذا في العام 68م, أما فلاد الثالث أمير ولاكيا ( في المجر ) أو دراكولا أو فلاد المخوزق والذي وصل به الأمر حد الاستحمام بدم ضحاياه, ليوبولد الثاني زعيم بلجيكيا الاستعمارية فقد قتل 15 مليون كونغولي ليقيم دولة الكونغو الحرة كما اسماها وقد استعبد سكان إقليم الكونغو مرتكبا بحقهم أبشع المذابح في التاريخ ولعل هتلر وجرائمه ستبقى الأبرز في تاريخ البشرية والذي يعتقد بأنه مات منتحرا ومحروقا عند علمه بالهزيمة, وهذه نماذج لا اكثر لطغاة اعتقدوا أن سلطتهم لن تغيب وأنهم سيخلدون وقبلهم كان وبعدهم إلا أن أحدا من الطغاة لم تعش له إلا ذكرى اللعنة لا أكثر.
نماذج العنف الفردي كثيرة في التاريخ ولكن أيضا تجلياتها ظهرت ليس من خلال الأفراد فقط ولكن من خلال اندماج الجموع تحت إرادة أولئك الأفراد الأكثر شذوذا في التاريخ ولولا وجود البعض ممن لديهم الاستعداد للقبول بعبوديتهم مهما تم تغليفها لما أمكن لأحد ان يمارس طغيانه على احد وبالتالي فان الجموع هي الأساس في أي فعل مؤثر إيجابا أو سلبا وعادة ما تكون الجموع الفاعلة والمؤثرة هي جموع الفقراء الفعلة والمنتجين ولم يعرف التاريخ أبدا ولن يعرف أي دور عملي على الأرض احتاج جهدا بدنيا حقيقيا وقام به الأغنياء والمالكين بل دائما تم التنازل عن العمل الأسود للفقراء والأيدي العاملة من عمال وفلاحين وجنود.
فعل الظلم والاحتلال والاعتداء على الشعوب واختلاس الثروات والتحكم بمصائر البشر دائما كان بإرادة الطغاة وفعل الفقراء أنفسهم وعلى دمهم وأجسادهم ولولا استعداد ملايين الجنود عبر التاريخ للموت في سبيل رغبات أولئك الطغاة مقابل قوتهم وتكرار دفعهم الجهد كمقابل للقوت لما كانت هناك حروب على الأرض ولا كان هناك ظلمة فلا يستطيع ظالما أيا كانت قوته أو جبروته أن يحولهما إلى فعل إلا إذا وجد من لديهم الاستعداد للموت في سبيل أهدافه حتى لو كان الوصول إلى هذه الأهداف غير ممكن دون إراقة دم شركائهم في الظلم ممن لم يصلوا حد القبول بالعبودية وذاك هو الفرق بين القاتل والمقتول او بين المظلوم فعلا وقولا شكلا ومضمونا وبين المظلوم مضمونا والظالم شكلا ولولا ذلك لما عرفت الأرض المذابح ولا المجاعات ولا الكوارث ويكفي أن نعلم أن ضحايا الحرب الاستعمارية الثانية والتي قامت لتحقيق مصالح امبريالية من طرفي الصراع على حد سواء وقد أدت أطماعهم إلى موت حوالي 2.5% من سكان الأرض في ذلك الحين وبلغ العدد أكثر من 60 مليون قتيل بينما تقول بعض المصادر أن الرقم قد يصل الى 78 مليون قتيل بينما بلغ عدد الجنود المشاركين في الحرب الاستعمارية الأولى حوالي 62 مليون جندي قتل منهم حوالي 9 ملايين جندي وقد قتل في الحرب الأهلية الصينية 1841 – 1856 م 20 مليون شخص بينما فقدت البشرية 35 مليون في حروب المغول.
أنفقت أمريكا في حربها على فيتنام أكثر من 700 مليار دولار وقتل فيها 58 ألف جندي أمريكي لم يكن منهم بالتأكيد أيا من مالكي مصانع السلاح ولا بناء عائلاتهم وأنفقت في حرب الكورية 341 مليار دولار وخسر جيشها 34 ألف قتيل بينما كلفت الحرب على العراق الخزينة الأمريكية 1.6 تريليون دولار والمفارقة العجيبة أن مثل هذه المبالغ التي يتم صرفها على الموت يمكن للقليل منها أن يمنع خطر المجاعة عن ملايين البشر فقد أكد منسق الإغاثة الطارئة بالأمم المتحدة، ستيفن أوبراين أن الأمم المتحدة بحاجة إلى 4.4 مليارات دولارات لإغاثة 20 مليوناً يواجهون خطر المجاعة في جنوب اليمن وجنوب السودان وشمال شرق نيجيريا والصومال أما أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة فقد قال أن العالم يواجه أكبر حالة طوارئ للانعدام الغذائي في العالم، واصفاً الوضع بالخطير. فالملايين من الناس هم بالكاد على قيد الحياة بين سوء التغذية والموت وعرضة للأمراض واضطروا إلى قتل الحيوانات وأكل الحبوب التي يخزنونها ليسدوا جوعهم.
في الحربين الاستعماريتين الأولى والثانية وفي سائر الحروب الاستعمارية البشعة لو قرر الجنود المشاركين التوقف عن القتل لانتهت أهداف الاستعماريين والامبرياليين الرأسماليين فورا ولانتصرت إرادة الشعوب فوق إرادتهم وتحولت كل الثروات المنهوبة إلى مصدر إسعاد للبشرية جمعاء لا مصدر إثراء للقتلة وجوع وموت للفقراء وبالتالي فان السلاح الأقوى على وجه الأرض هو إرادة الجموع حين تقرر أن لا تتحول إلى أدوات وعبيد بيد سالبيهم قوتهم وحريتهم وحين تصبح الذات الجماعية سلاحا بإرادة أصحابها من جموع الفقراء عمالا وفلاحين وجنود وكسبة فان سائر الأسلحة أيا كانت بما فيها ترسانات الأسلحة النووية تتحول إلى مجرد خردة لا تساوي ثمن المعادن التي صنعت بها.
الفقراء يسلحون أعدائهم بسلاح موتهم بأيديهم حين يقبلون الدفاع عن أهداف هؤلاء الأعداء تحت شعارات كاذبة وواهية كشعارات أمريكا عن حربها على الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم جميعا يعلم جيدا أنها حاضنة الإرهاب الأولى في العالم وهي أي الولايات المتحدة ومثيلاتها من الدول الامبريالية لو لم تجد من يمكنها التغرير بهم واستخدامه كوقود لنار شرها لما تمكنت من إخضاع أيا من شعوب الأرض ولا لفرض هيمنها حيث تشاء وهذا يعني بوضوح أن الصمود الجماعي بسلاح الذات الواعي هو مدرسة الثورة ضد الطغيان حين تنفك الجموع من قيودها التي لبستها بمحض إرادتها وتفتح عينيها على الأهداف الحقيقية لحروب الامبرياليين المستغولين أيا كانت شعارات النار التي يوقدون بها نيرانهم خارج بلادهم وهذا يلزم أولئك الذين يدركون قوة إرادتهم حين تتوحد أن يوقدوا نار الحقيقة ليطفئوا نار الظلم التي يشعلها الامبرياليون على وجه الأرض بأيدي المحروقين بنارها أنفسهم.
حين يقرر مليارات الفقراء على الأرض استخدام الذات كسلاح رافض للقبول بدو الألعوبة بأيدي لصوص الأرض والطغاة وأسيادهم المستغولين الامبرياليين تصبح تلك الذوات الجماعية هي السلاح الوحيد القادر على لجم وإحباط كل مخططات ومشاريع أعداء الإنسانية المغلفين بشعارات كاذبة عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وأيا كانت قدرات هؤلاء الأفراد المعزولين ممن يملكون الثروة ويعتقدون بقدرتهم على شراء حياة البشر وإعادة استعبادهم من جديد بلغة عصرية رنانة إلا أن الاستفاقة الجماعية قادرة على تخريب كل مشاريعهم ورد أسلحة الموت التي ينتجونها إلى نحورهم ولولا وحين يتوقف الجميع عن بيع ذواتهم والقبول بدور العبد ولو جزئيا وبتغطيات وهمية رنانة ستصبح مصانع الاستغوال الامبريالي ومنتجاتها من السلاح بيوتا للعنكبوت لا أكثر ولا أقل لأن اكف الفقراء قررت التوقف عن ضغط الزناد لقتل ذواتها لصالح أعدائها.
بقلم
عدنان الصباح