حرب مستعرة تدور رحاها بين اعظم قوتين اقتصاديتين في العالم الولايات المتحدة والصين، بدأها الرئيس الأمريكي ترامب باتباعه سياسات حمائية اقتصادية تمثلت في فرض رسوم جمركية تصل الى 25% على قائمة واردات صينية للولايات المتحدة، وقامت الصين كرد انتقامي بفرض رسوما جمركية مقابلة على المنتجات الأمريكية بل وصعدت من لهجتها الانتقامية مهددة بمزيد من الرسوم على منتجات كالنفط وفول الصويا القادمين من امريكا ، وهذا الأخير تستورد منه الصين بنسبة تصل إلى 60% من استهلاكها الكلي. والحرب لن تقف على اعتاب البلدين العظميين بل ستطول العالم بأسره لتشابك الاقتصادات وتعقيداتها.
خلال السنوات السابقة استطاعت الصين أن تتجاوز قوى اقتصادية عظمى لتتربع على عرش المنافسة في النهاية مع الولايات المتحدة ولتمثل الاثنتان ركيزتا الاقتصاد العالمي وضمان أمانه وعافيته..ولذا فأية توترات في العلاقة بينهما سينعكس سلبا على المؤشرات الاقتصادية العالمية بكافة مجالاتها الحيوية..
وعبارة "صنع في الصين" هي العبارة الأكثر شهرة وانتشارا في العالم فأينما تلتفت يمينا أو شمالا تجدها، وهي ليست شعارا فحسب وإنما استراتيجية محكمة تتبعها هذه الدولة البراغماتية خلال الخمسة عشر سنة الماضية، بحيث نجحت في اختراق الأسواق في جميع قارات العالم دون استثناء مستغلة قوانين التجارة الحرة وتشابكات العالم التكنولوجي المفتوح فأضحت أكبر بلد مصدر للسلع في العالم وأكبر بلد في حجم التجارة الخارجية، وباتت قطاراً سريعاً لا يستطيع ايقافه احد.. وهذا الحضور الاقتصادي للصين أتاح لها حضورا متزايدا على صعيد الوزن السياسي العالمي..
في الشرق الأوسط نشأنا على أن الصين صديقة للعرب، ومازلنا في وعينا المغيّب نؤمن بهذا الاعتقاد رغم اختفاء الأيديولوجيات في العالم، ولكن من صفاتنا الأصيلة أننا نتطور ظاهريا أما فكريا وعمليا فمازلنا كما نحن نعتقد أن الصين ستبقى معنا، أي بالبلدي في الجيبة الصغيرة فهي لم تصوت يوما في مجلس الأمن ضد العرب أو قضاياهم بل كانت دوما داعما لهم في نضالاتهم.. ولكن الصعود الاقتصادي يتطلب براجماتية وليس أيديولوجية .. وعليه فالعلاقات الصينية الاسرائيلية باتت تنمو شيئا فشيئا من باب العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية لتصبح استيراتيجية بامتياز وتتمدد لتصل الى آفاق عسكرية وسياسية وربما في القريب ونحن نائمون ستكون ابعادها أكثر دراماتيكية على حالنا ..ففي الشهر الفائت زارت نائبة وزيرة خارجية الكيان الاسرائيلي الصين في محاولة منها لاقناعهم بنقل سفارتهم الى القدس!! ولأن الصين دولة براجماتية، تريد الحفاظ على قوتها المتنامية اتبعت سياسة خارجية هادئة ودبلوماسية من أجل خلق بيئة امنة في اسواقها واستثماراتها العالمية لاسيما في دول النفط الخليجي والذي تعد الصين أكبر مستورد له.. ولكن مع التحول في الموقف العربي الكلي من اسرائيل (إيجابا)، فليس من المستغرب أن نرى العلم الأحمر يرفرف في القدس..
حرب ترامب التجارية مع الصين تقلق العالم بأسره واسرائيل التي ترى أنها ستكون إحدى ضحايا هذه الحرب. إلا نحن .. فلماذا برأيكم نقلق؟؟ دعونا عالقين في صراع قبيلة فتح مع قبيلة حماس ..
بقلم/ د. أماني القرم